الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجيل الجديد جيل النصر ولم يسقط الراية

نشر بتاريخ: 23/02/2018 ( آخر تحديث: 24/02/2018 الساعة: 15:12 )

الكاتب: عصام بكر

على مر الاجيال لا تسقط الراية من اجل التمسك بالحقوق رغم كل التضحيات والنكبات، وحمام الدم المتواصل منذ مطلع القرن الماضي حتى الان، حقب من المعاناة والتصدع وثقل المسوؤلية، ووجع الذكريات في اتقاد المراحل المختلفة مع بدء وضع اللبنات الاولى للمشروع الصهيوني في فلسطين والرهان على "تفريغ" الارض من اصحابها الشرعيين الاصليين، وما رافق ذلك كله من دمار اصاب عصب الحياة من جوانبها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث يمر هذا العام الذي اعلن عام الدولة وانهاء الاحتلال في ظل مائة عام على وعد بلفور، وخمسون عاما على احتلال اراضي 1967، وثلاثون عاما على الانتفاضة المجيدة الاولى العام 1982 ونحو 10 اعوام للانقسام الكارثي، وما اكثر المناسبات والذكريات التي تزخر بها مفكرة شعبنا الوطنية في داخل فلسطين او في دول الشتات والمنافي واللجوء.
لسنا بحاجة لمقدمات طويلة لنعرف خبايا ما يحاك لتصفية القضية الوطنية برمتها في هذه الاثناء بمشاريع السلام الاقليمي او الحلول المرحلية المجتزاة التي تنتقص من الحقوق المشروعة تارة، واخرى بتمرير الحل عبر البوابة العربية قبل حل القضية الفلسطينية تارة اخرى، ومحاولات سلخ قطاع غزة لضرب وحدة التواصل الجغرافي مع الضفة الغربية بما فيها القدس، واستبدال الكيانية بمعناها المتوافق عليه ليتحول مركز الاهتمام للقطاع بديلا لدولة فلسطين المستقلة، واستمرار التوسع الاستيطاني لتكريس حل الامر الواقع بعد ضم ما يسمى الكتل الاستيطانية، وفرض القانون الاسرائيلي فيها، وما يستدل عليه من هذا ان القضية تمر بادق والمرحلة الاكثر خطورة فيها عبر مراحلها السابقة وهي من الامور التي يصعب على شعب في هذا الكون تحملها ومواجهتها وحيدا، مؤامرات ومخططات لا يمكن لا ان حد يقلل من حجم منها او مدى وقوة تأثيرها.
اجماع ان عدة قضايا منها على الاقل ثلاث قضايا هي الاساس للتحرك والعمل للفترة المقبلة، وتحتل سلم الاولوية وهي اعتراف ترامب مطلع كانون الماضي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وقرار تقليص المساعدات لوكالة الغوث الاونروا، ومشاريع وخطط ضم الكتل الاستيطانية اي ضم الضفة الغربية، وهي تحديات تحمل معالم او مقدمات ما يسمى صفقة العصر الامريكية التي بدأت تتضح معالمها بشكل تدريجي تبعا لمواقف الادارة الامريكية، ومحطتها الابرز اعلان الاعتراف بالقدس، وقرار نقل سفارة بلاده اليها في اجراء مخالف لكل القوانين الدولية ووسط معارضة دول العالم بحيث بقيت الولايات المتحدة وحيدة وشبه معزولة بموقفها الاكثر انحيازا لصالح دولة الاحتلال اضافة لما وفرته الولايات المتحدة تاريخيا من غطاء كامل في كافة المنابر الدولية والدعم السياسي والعسكري والمالي اللامحدود دون التوسع في استعراض اشكال الدعم الامركي لاسرائيل ودون الابتعاد عن موضوعنا الاساس المتعلق باستلهام التجارب السابقة، ومراجعة الاولويات وسبل العمل عليها فلسطينيا ضمن اطار جامع تمثله منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني التي تحتاج لاعادة تفعيل مؤسساتها وضخ دماء جديدة لمواجهة التحديات كون اسالبيب العمل الحالية تبدو غير قادرة، وتفقتد للكثير من الادوات لمواصلة المسيرة بمتطلبات الراهن والواقع المعاش فكيف سنحمي المستقبل ؟ ونصون وصية السابقين ؟؟ ونزرع الامل بالجيل ؟
انخراط الاجيال في اطار الثورة الفلسطينية المعاصرة وعلى مدار سني النضال الوطني كانت حجر الاساس لاستمرار الفعل والمقاومة في صورة قل نظيرها على مستوى العالم ويحق لنا ان نفاخر بمدى الاستعداد للعمل ومواصلة مسيرة من ضحوا من اجل هذا الوطن من اجل كرامة الاجيال لكن الصورة الان ليست كما هي سابقا!! نعم هناك تراجع في حجم المشاركات الشعبية في قضايا هامة مثل الاستيطان، والاسرى والقدس، او حق العودة، وكأن على رؤسنا الطير لا نعرف تحديد الاتجاهات ولا خارطة سير الناس مع تعاظم القضايا التي تتداخل مع بعضها بشكل اصبح يمثل عبء على الناس، تنوع العناوين وكلها مهمة وكلها بحاجة لجهد، مواقف متباينة واحيانا بعيدة عن نبض الناس، واحيانا اخرى تؤخد مواقف ولا تطبق او يتم ترجمتها على ارض الواقع، هذا لا يعكس حالة يأس او احباط رغم تردي الصورة التي تبدو بشموليتها قاسية ومؤلمة، لكن بالمقابل ما زالت الحالة قابلة للتوسع للتقيم وللعمل رغم مرارة الواقع الحالي ووصوله لدرجة لا تطاق على مختلف الصعد.
منذ ثورة البراق عشرينات الماضي حتى الان لم يتوقف العطاء واثبت الشعب الفلسطيني إلتصاقه في الارض وعبر عن انتماء وطني اصيل لا يمكن لاي كان انكاره او تجاوزه او القفز عنه رغم كل محاولات الاحتلال تحيد عدد كبير من الناس، واشغال اخرين بقضايا ذاتية واستبدال الاوليات من الموضوع الوطني للموضوع الحياتي والمعيشي المتعلق بحياة الناس اليومية وتوفير لقمة العيش، ورغم تلاعب الاخرين وغياب الظهير القومي على ضوء التحولات التي مرت بالاقليم على مر السنوات الماضية، اضافة الى ان الصورة دوليا لم تعد كما كانت سابقا معسكر داعم لنضال شعبنا، واخر معادٍ الى حد ما والفواصل بينهما معروفة وعلى قاعدة الانتصار للقانون الدولي وقرارات الشرعية ذات العلاقة وبرغم ذلك كله حافظ الشعب على عنوانه الوطني والحاضنة الاساسية للاستمرار بالفعل حتى لو لم يصل للنتائج المتوقعة رغم مرور السنين.
نعم لنعترف اننا ارتكبنا اخطاء قاتلة لا يجدر ان نستمر في تجاهلها، ونعم مررنا بظروف معقدة اضطرت البعض لاتخاذ قرارات لا تنسجم مع التوجهات العامة، ودخلنا في دوامة تعريف المشروع الوطني كاننا نبدا من جديد، ومناقشة ابجديات ادوات عملنا لتلائم المرحلة فلا نحن مضينا قدما على طريق الثورة والنضال والعمل ولا نحن حققنا الدولة الطموح والهدف المنشود التي تستقر فيه الامور ونحقق فيها احلامنا، واختلفت البرامج والاجندات واضحت الفواصل كبيرة وكثيرة، ولكن التضحيات لم تتوقف واستمرت الاجيال امينة على حمل الراية، ولم تسقطها رغم تذبذب التيار، وعصفه بكل القيم والمباديء التي تدحرجت لاسفل السلم، وتدهور الوضع الى حافة الانهيار الكامل، ولم يعد بمقدورنا استنهاض الحالة التي تحتاج للكثير ليتم التفاهم حوله والتنسيق ازاء تعريفاته لضمان استعادة عافيتنا، وحيوتنا التي انهكها التذمر، وقلة الحيلة وبث التصدعات التي وضعت الجميع في الزاوية دون الاتفاق على مخارج حقيقية متوافق عليها فلغة الاقصاء او الاحتواء او الشراء او تطويع الحالة لم تنجح بل زادت الوضع تعقيدا، وبلغت سوداوية المشهد تخيم على كافة الاطر، والمنهجية، وطرائق العمل بمجملها لكن ايضا معها زاد الاصرار، واليقضة بالخطر الداهم واستمرت محاولات التصدي له، وعبر الشبان والشابات عبر عملهم المتواصل في اطار الحركة الطلابية التي لعبت دورا هاما طوال السنوات الماضية ومثلت رأس الحربة في مواجهة الاحتلال، ومخططاته وهي اليوم بحاجة لاستعادة الدور البطولي.
المهم اليوم ان العبرة الاساس فيما يجري ان الجيل الجديد رغم عدم انخراطه بالعمل كما ينبغي وكما يتوقع منه ربما الا انه اي الجيل لا يقل وطنية ولا انتماء عن الاجيال التي سبقته على العكس هو يريد ان يتسلح بالموقف، ويريد قيادة تحتضن احلامه وطموحه، وتعطي اجابات واضحة للاسئلة الصعبة، ويريد ان يرى مدافعين عن المستقبل الذي يتمناه، والعبرة الاخرى ان الرهان على عزوف الشباب ومحاولات تحطيم طموحه تسقط في كل مرة والان ستسقط هذه المرة ايضا ربما الاهتزازات المقبلة ستسقط الكثيرين، وتبقى الاقلة ولكن وحدة الشعب في كل اماكن تواجده في الداخل والضفة الفلسطينية وقطاع غزة ودول الشتات والمنافي كفيلة برد الرهان واسقاط محاولات التصفية الجارية، مطلوب اعادة رسم المعالم وتوحيد الاطر والهياكل، الجيل يترقب لم ينسلخ عن قضاياه رغم العجز، ورغم معدلات الهجرة والبطالة، ومحاولات حرف الشباب عن قضاياه الجوهرية وادخاله في منحدرات السقوط، الا انه قادر على المواجهة والتقاط الانفاس مسلحا بالعلم ليس فقط الاكاديمي، وانما الوطني والاخلاقي والثوري، ويتمتع بقدرات هائلة لمواكبة لغة العصر بتكنولوجيا التواصل والمعلومات، ولديه الجاهزية العالية لرد المؤامرات بكل الطرق المتوفرة بل وتحقيق الانتصار، الجيل الذي عاش الانتفاضة الاولى العام 1987 مرورا بالانتفاضة الثانية العام 2000 وما بينهما هو جيل يريد الاسهام بنصيبه من العمل وان يأخذ دوره في العطاء لوطنه وما ما يلاحظ من اشكال فردية للعمل او عشوائية او غيرها هنا وهناك الا تعبير عن اصالة هذا الشعب وتربيته الصادقة رغم الملاحظات الكثيرة عليها، وما يمكن ان يثار من نقاش حول الموضوع في جميع الاروقة او الصفحات او المواقع دون الاعتماد على جيل الشباب الان سيبقى ظهره مكشوف يترنح ، وايل للسقوط ربما.
صحيح الجيل الجديد لم يعش تجارب السجون او الانتفاضات السابقة ولم يسهم بنصيبه منها لكن على سبيل المثال من كان خلال الانتفاضة الثانية بعمر سنتين في ذلك الوقت هو الان على مشارف العشرين، لم ير اجتياح المدن، والقصف الجوي بالصواريخ، وتدمير المؤسسات والبنية التحتية، واعتقال المواطنين بطريقة مهينة لم يعش تجربة السير عبر الحواجز التي ما زلت منتشرة على الطرقات في استمرار لعمليات الاذلال اليومي بحق الناس، ولم يشاهد عمليات الولادة على هذه الحواجز بعد منع سيارات الاسعاف من المرور، ولم ير الاعدامات الميدانية، وتفجير المباني ومنع وصول الغذاء والدواء للناس ربما لم يعش كل التفاصيل هذه رغم انها مستمرة حتى الان باشكال اكثر اتساعا كما جرى في الحروب المتتالية على غزة واخرها لاعام 2014 وسياسات مماثلة وان بوتيرة اقل في الضفة والقدس، لكنه بكل تأكيد سمع عنها، او قرأ عنها او ما زال بحكم التجربة اعتقال او استشهاد احد الاقارب او الجيران يعيشها، وهو يشحن ذاكرته الزاخرة بكل معاني الانتماء الوطني لمواصلة المسير رغم وعورة الدرب وصعوبة طقوس المحاولة للعمل بنفس الاساليب السابقة، جيل جديد قادر يولد من رحم المعاناة ، وباماكانه العمل لاستعادة الصورة التي هشمتها الحلقة المفرغة والدوران فيها حتى كدنا نظل الطريق .
ملفات القدس والاونروا وضم الضفة لم تبقِ خيارات لم يعد طريق اخر سوى الرهان على الجيل وهو ليس جيل الفيس بوك كما يوصف وليس جيل اللامبالاة وانما هو يرقب لا يساهم ربما لكنه لم يتخل عن الفعاليات المتواصلة منذ كانون الماضي ردا على قرار ترامب تحتاج لاستمرار والعمل، والجيل الجديد بحاجة لتوجه لارادة، للعمل، والنزول اليه لمعالجة قضاياه، وتبني احلامه، والرد على اسئلته؟؟ بحاجة للوعي والتعبئة والوضوح في الرؤية؟؟ للحديث المباشر وترك الابراج العاجية للحديث معه، ومغادرة الاعتقاد السائد على هشاشة بنيته الفكرية وادوات عمله والتغرير به، اولى قطرات الغيث هي بتمكينه من التمثيل، واخذ حقه في البنى السياسية القائمة، وحقه في التعبير عن رأيه، وفتح المجال امامه لممارسة النقد بجراة ومسؤولية ايضا الطريق يمكن اكمالها بالحفاظ على الارث الكبير لجيل الاوائل وبالسير على ذات الطريق، ولكن ايضا مع اخذ العبرة والاستفادة من جيل الشباب فهذا جيل بامكانه العمل ولا يبخل وهناك الكثير من القضايا سواء في العناوين الوطنية او تجاه القضايا الحياتية والمطلبية لكنها تحتاج للعمل قبل فوات الاوان .