الأربعاء: 17/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بماذا علّق مدير عام منظمة بتسيلم على قضية عضوتي الكونغرس؟

نشر بتاريخ: 18/08/2019 ( آخر تحديث: 21/08/2019 الساعة: 09:36 )
بماذا علّق مدير عام منظمة بتسيلم على قضية عضوتي الكونغرس؟
بقلم: حجاي إلعاد
لو أنّ إسرائيل سمحت للسّيدة رشيدة طليب - النائب عن ولاية ميتشيغان - بزيارة عائلتها في القرية الفلسطينيّة بيت عور الفوقا لربّما أمكنها أن ترى بأمّ عينها "الأوتوستراد" القريب الذي شقّته إسرائيل في الأراضي الفلسطينيّة المصادرة لتسهيل المواصلات على الإسرائيليّين، والذي يُمنع الفلسطينيّون من استخدامه منعًا شبه تامّ.
ولو أنّ إسرائيل سمحت للسيّدة إلهان عمر - النائب عن ولاية مينيسوتا - بزيارة مدينة رام الله الفلسطينيّة لربّما شاهدت كيف يعمل معًا خليط المستوطنات الإسرائيليّة المدنيّة والحواجز العسكريّة وجدار الفصل على تطويق هذا "الجيب" الفلسطينيّ المدينيّ ومحاصرة إمكانيّات تطوّره وعزله عن بقيّة شظايا الجغرافية الفلسطينيّة التي تشيع إسرائيل أنّها "مناطق حكم ذاتيّ".
لكنّ أيًّا من النائبين في الكونغرس لن تتمكّن من القيام بزيارتها المقرّرة إلى إسرائيل في يوم الأحد القادم ذلك أنّ بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل تراجع عن قرار الحكومة السّابق بالسّماح لهما بالدخول نتيجة ضغط من الرّئيس ترامب.
تستند إسرائيل في قرار منع دخول عضوي الكونغرس إلى تعديل أجري مؤخّرًا على قانون "الدخول إلى إسرائيل" يمنع دخول أيّ مواطن أجنبيّ "يدعو علنًا إلى مقاطعة إسرائيل" أو "أيّة منطقة تقع تحت سيطرة إسرائيل". لقد سبق أن استخدمت إسرائيل هذا القانون في طرد أحد ناشطي حقوق الإنسان البارزين وطالب جامعيّ أمريكيّ من أصل فلسطينيّ. ورغم أنّ عنوان القانون يوحي بأنّ هدفه التحكّم في الدخول إلى المناطق الإسرائيليّة إلّا أنّه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك: حيث تسيطر إسرائيل على معابر الحدود من وإلى الضفة الغربيّة فإنّها تحدّد أيضًا من يُسمح له الدّخول إلى المناطق الفلسطينيّة أو الخروج منها.
تتداول وسائل الإعلام العالميّة قرار استخدام القانون ضدّ النائبين رشيدة طالب وإلهان عمر على أنّه غير مسبوق لكنّ نزعات التسلّط الإسرائيليّة شائعة في أرض الواقع. قد يكون صادمًا فرض القيود على حركة المشرّعين الأمريكيّين لكنّه واقع يوميّ يعيشه مليونا فلسطينيّ مسجونون داخل قطاع غزّة. مهاجمة أعضاء في الكونغرس علنًا قد تتصدّر عناوين الصّحافة العالميّة ولكنّها أمرٌ أكثر من عاديّ بالنسبة لخمسة ملايين فلسطينيّ يعيشون مجرّدين من أيّة حقوق سياسيّة تحت احتلال إسرائيليّ يدوم منذ نصف قرن ولا يبدو أنّه سينتهي قريبًا. محاولة إخفاء القمع الوحشيّ لشعب بأكمله والكذب في شأنه أو فرض الرّقابة عليه هي استراتيجيّة تستخدمها إسرائيل منذ أمد بعيد ولم يتمّ اختراعها لأجل إرضاء ترامب. السّؤال هو هل ستفلت إسرائيل من العقاب في هذه المرّة أيضًا أم أنّها ستتحمّل أخيرًا عواقب فعلتها "اللّافتة" هذه.
سجلّ إسرائيل الحافل بأفعال ارتكبتها في حقّ الفلسطينيّين وفلتت منها دون أيّ عقاب بل وادّعت أنّها ممارسات "قانونيّة" وديمقراطيّة هو جزءٌ من الواقع الرّاهن المشين: قتل وجرح فلسطينيّين والاستيلاء الممنهج على أراضيهم والسيطرة على حياة ملايين الفلسطينيّين بواسطة منظومة تصاريح تعسّفيّة. كذلك أصبح في حُكم العادة لدى إسرائيل مهاجمة من ينتقدون ممارساتها ومحاولة حظرهم. أمّا السّياسة الخارجية للولايات المتحدة في مواجهة هذه المظالم فتُراوح ما بين الكارثيّة والسّذاجة وتعمل كحجر زاوية يسند إسرائيل ويمكّنها من الإفلات شبه التامّ من أيّ عقاب.

الذين لا ينتمون إلى هذا الإرث هم ممثلو الجمهور المنتخبين من أمثال رشيدة طليب وإلهان عمر ممّن يمتلكون شجاعة النظر إلى واقع الظلم ورؤيته على حقيقته ومن ثمّ المطالبة بإحداث تغيير جذريّ. نحن لا نحتاج المزيد من "التعبير عن القلق" فهذا ليس سوى النسخة الدّبلوماسيّة الدوليّة لمقولة "قلوبنا معكم ونصلّي لأجلكم" التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. عوضًا عن ذلك هناك حاجة لإدراك أنّ إسرائيل لن تتعاطى مع حقوق الفلسطينيّين أو حرّيتهم أو كرامتهم بأيّ قدْر من الجدّية ما لم تستدعِ ذلك على الصّعيد الدّوليّ مصلحة هامّة لإسرائيل. الولايات المتحدة هي دون شكّ الدولة الأكثر قدرة على تحريك الأمور أخيرًا نحو تعديل الموازين.
في حين تنحو "القيادة" الأمريكيّة أكثر فأكثر نحو القوّة العارية المجرّدة فإنّ دعم النائبين رشيدة طليب وإلهان عمر لحقوق الفلسطينيّين يذكّرنا بالموقف الذي يستطيع الأمريكيّون اتّخاذه بل الذي ينبغي لهم أن يتّخذوه. وفي حين ترتبط إستراتيجيّة إسرائيل أكثر فأكثر بالقوى القومجيّة الصّاعدة في أرجاء العالم يأتي قرار حظر دخول النائبين طالب وعمر ليبرهن مجدّدًا حقيقة إسرائيل اللّاديمقراطيّة. اليوم يتمّ تذكيرنا بأنّه إذا كنّا نرغب حقًّا بأن تجمعنا قيم حقوق الإنسان والديمقراطيّة فلا يمكننا بعد أن نتعامل معها كشعارات فارغة. علينا أن نناضل لأجلها معًا وبقناعة تامّة سواء في واشنطن أو القدس أو بيت عور الفوقا.
* نُشر سابقًا بالانجليزيّة في صحيفة واشنطن بوست، في تاريخ 15.8.2019
** حجاي إلعاد هو مدير عامّ منظّمة بتسيلم، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة.