الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

المرأة الفلسطينية واقع صعب وتحديات جسام وأحلام لا حدود لها

نشر بتاريخ: 20/08/2019 ( آخر تحديث: 20/08/2019 الساعة: 17:17 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

كتاب المحامي علي أبو هلال بعنوان "المرأة الفلسطينية واقع وتحديات" الذي صدر حديثاً، وشرفت بتقديمه في حفل إطلاقه في قاعة متحف "محمود درويش"، يضع قضية المرأة في سياقها الصحيح، فهذه تجربة فلسطينية مضيئة، تستحق عن جدارة أن نخصص لها الكتب والندوات والمؤتمرات وورشات العمل، انطلاقاً من أن التجربة هي ملك لشعبنا، ولذلك فلينبري للكتابة عنها وتوثيقها وتحليلها من يملك الإمكانيات والقدرات رجلاً كان أم امرأة.
فنحن نتحدث عن تجربة كبيرة وعظيمة اتسمت بالزخم والاستمراراية والإنتاج، في حين أن الكتابة عنها لا تخص النساء فقط وإنما أيضاً الرجال، وتحديداً من يستندون إلى خلفية فكرية تقدمية ، خلاصتها أن تسجيل وتجسيد رؤية داعمة ليس مجرد حماسة فورية سرعان ما تنطفئ، بقدر ما يتعاملون مع القضية وينظرون إليها بمنظار الشراكة الكاملة المتكافئة مع الرجل كحق اجتماعي وتاريخي ليس منّهَ من أحد.
لقد وضع الأستاذ أبو هلال بين أيدينا وثيقة اجتماعية سياسية نضالية قانونية وأخلاقية ستشكل مرجعاً للمعنيين لأنها طرحت القضية من خلال الأبعاد التالية:-
البعد الأول – الكاتب مناضل وقد واكب ميدانياً حركة فعل الأطر النسوية منذ منتصف السبعينيات وعايش الزخم والإبداع والعطاءات في زمن الانتفاضة الأولى، حينما كانت المرأة تتناصف مع الرجل التضحيات واجتراح الإبداعات.
البعد الثاني – المرأة هي نفسها مصدر فعل وليست عنصراً مساعداً أو مسانداً للرجل، وهذا بيّنه الكاتب في مواقع كثيرة من كتابه، فقد مضى وإلى غير رجعة ذلك الزمن الذي كانت تنحصر التوصيفات فيه على أن المرأة هي زوجة و أخت و ابنته و أم الشهيد و المعتقل و الجريح، لأن المرأة شريك في صناعة الفعل فاستشهدت وجرحت وأُسرت ثم أصبحت بعد تشكل السلطة وزيرة وبرلمانية.
البعد الثالث حضور التوثيق والتأريخ، فالكاتب أرّخ لدور المرأة الفلسطينية عبر مراحل تاريخية، فأشار إلى أول اتحاد نسائي فلسطيني في عشرينيات القرن الماضي، ثم إلى لجنة السيدات العربيات في العام 1929، و تطرق إلى مراحل لاحقة في مسيرة عطاء المرأة الفلسطينية النضالي والمجتمعي، لا سيما بعد العام 1967، حيث استشهدت أول مناضلة فلسطينية بعد احتلال الضفة والقطاع "شادية أبو غزالة" في تشرين الثاني 1968، وقبل ذلك بعام وتحديداً في تشرين الثاني 1967 وقعت المناضلة فاطمة البرناوي في الأسر.
البعد الرابع – المشاركة السياسية التي لا تنفصل عن المشاركة النضالية بل إن الثانية مكملة للأولى، وقد تجلت المشاركة في المواقع القيادية التي تبوأتها المرأة برلمانياً ووزارياً وعلى رأس مؤسسات مجتمعية وأميناً عاماً لحزب (زهيرة كمال) والتنافس على الرئاسة كما فعلت (سميحة خليل)، عندما ترسخت أمام الرئيس ياسر عرفات في الانتخابات الأولى. إنها مشاركة حية وفاعلة لم يهمشها سعار ذئاب تعوي في الدهاليز المظلمة تحاول أن تسحب المرأة معها لتغرق في الظلام.
البعد الخامس – وأمام كل ما حققته المرأة، تعرضت على مدى سنوات الاحتلال لكل أشكال الانتهاكات، سواء تلك التي استهدفتها شخصياً أو التي استهدفت شعبها وبالتالي المرأة كجزء من هذا الشعب، وتتنوع وتتعدد الانتهاكات من انتهاك لحقها في الحياة إلى حقها في الولادة الطبيعية في المشافي وليس على الحواجز، وهناك انتهاكات في السكن والإقامة وفي المحاكم والمعتقلات والتعليم والصحة.
إن الجهد المبذول في هذا الكتاب كبير وملحوظ، لكن مع الإشارة إلى أن العناوين التي تم تناولها خصصت لمقالات في الصحف والمجالات وربما لصحيفة "صوت النساء"، والنشر في الصحف يخضع لاعتبارات معينة من حيث الحجم، إلا أنني كنت أفضل حينما قرر الكاتب تجميع ما كتب ونشر في كتاب، أن يقوم بتوسعة المعالجات ورفدها بعدد أكبر من المعطيات والاستشهادات، لأن صفحات الكتاب تتسع، فعلى سبيل المثال الموضوع الذي حمل عنوان " في الذكرى الرابعة والأربعين لحرب حزيران عام 1967 – المرأة في مقدمة النضال" فإن الموضوع كبير وواسع، بينما جاءت المعالجة مضغوطة ولم تتسع لذكر نماذج أشمل من الإسهامات النضالية للمرأة.
وفي مواقع معينة من الكتاب كان الأمر يتطلب عند ذكر الأرقام والمعطيات في هذه القضية أو تلك، مزيداً من التفكيك والتحليل واستخلاص الدلالات.
كما كنت أفضل خلال الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة، لو وضع الكاتب رؤية استشرافية لدور المرأة في المستقبل، وما الذي ينبغي أن يُنجز من قبل المرأة نفسها وقوى التغيير والتطوير في المجتمع، لكي تضطلع المرأة بدور أكثر تأثيراً في مجتمعها، وإذا كان هناك مد يميني رجعي يجتاح العالم العربي من خلال الأجواء التي فرضتها جماعات التكفير ونشر الظلام، فلماذا يكتفي اليسار والقوى التقدمية باجترار الأسى والتحسر، بمعزل عن برنامج مجتمعي تنموي يكون للمرأة الفلسطينية حضور فاعل فيه، وفي حال جرى التفكير فعلياً ببرنامج متكامل، ما هي ملامحه، وكيف لنا نحن الكتاب والباحثين أن نسهم في تقديم اقتراحات ورؤى في هذا المجال.
الكاتب بادر وأنجز وكان مدفوعاً بحسه وحماسته وحرصه وتقدميته ليضع في المكتبة الفلسطينية والعربية كتاباً يجمع ما بين التوثيق والتحليل، مما يوفر للقراء والباحثين مادة نوعية متخصصة.