الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

والمواطن العربي له حرية الاختيار بين الاستبداد وبين الاستعمار

نشر بتاريخ: 25/09/2019 ( آخر تحديث: 25/09/2019 الساعة: 16:17 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

تزامنا مع الإجتماع العام للجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها ال74، يبدو العالم أكثر توحشا وأشد فتكا بالضعفاء .. والضعفاء ليسوا الفقراء والمعدمين فحسب ، وإنما الذين لا يملكون سوى المال والولاء لامريكا والدول الاستعمارية.
ومرة أخرى لا تزال الخطابات جوفاء تخلو من المضامين وتخلو من الخطط للنهوض بالمجتمعات البشرية من مرحلة الإستعمار بأشكاله الجديدة ( إستعمار الارض مثلما تفعل اسرائيل وامريكا - والاستعمار السياسي - والاستعمار الصناعي - والاستعمار الثقافي ... ) . بل إن خطابات الامم المتحدة صارت منصّة للحكام الظالمين وللطغاة الذين يحضرون اليها من أجل توجيه المزيد من التهديدات لشعوبهم وللشعوب الأخرى . حتى ان كلمة الرئيس الامريكي كانت عبارة عن مجموعة من التهديدات للبشرية بدلا من ان تكون بارقة امل للمستقبل .
وفيما تعود الامبراطوريات الاستعمارية القديمة الى الواجهة وتزيد من توحشّها وجشعها وتسعى لتقاسم ثروات العالم من جديد ، بقوة السلاح وحاملات الطائرات والصواريخ . لا يزال العالم العربي على حاله منذ الف عام . وخطابات العرب تتراوح بين البكاء وبين الكذب على الذات .. بطولات وهمية ومقولات انسانية تصدح بها مايكروفات الزعماء العرب في الامم المتحدة بينما لا يرى المواطن العربي في بلاده سوى القمع والضرب والاهانة والرشوة والنهب والسلب والموت في زنازين التعذيب والقهر والذل وسرقة الاحلام . والأشد نكاية هو الاعلام العربي الذي يقتطف عبارات وخطابات الزعيم ويجعل منها مأثرة لترتوي منها الاجيال ادبا وعلما وانتصارات وهمية، فنخلق كل عام أجيال من البؤساء والمنافقين والمنوّمين مغناطيسيا بخطاب الزعيم الذي ( هزّ عروش العالم ) . فيما الحقيقة ان وسائل الاعلام العالمية لم تأت على ذكر الزعماء العرب ولم تتطرق اليها الا من باب التندّر والسخرية ، والمزيد من الاهانة والتسوّل السياسي .
ينظر العالم الى خطاب رئيس أمريكا ، وروسيا ، وتركيا ، وايران ، وكوريا واليابان ، واوروبا ، والصين .. لان مصير البشرية عسكريا وامنيا واقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا صار بين أيديهم امّا العرب فقد تحوّلوا الى فاكهة السهرة عند أصحاب البنوك وبارونات الربا والزنا والكازينوهات الذين يبحثون عن طرق أسهل وأسرع لنهب الثروات العربية واهانة الحكّام .
المعارضة في العالم العربي تصبح كل عام أشد بؤسا من إنحطاط الانظمة ، فهي معارضة مريضة ببذاءة الهارب الباحث عن السلامة الفردية  ، ورخص الموقف ، وفحش الألفاظ . لا تملك برنامجا بديلا ولا أدوات طاهرة ، ولا رموز حيّة .
والعالم العربي الذي يذبح نفسه ، وينحر عنقه بيده ، ذهب الى الامم المتحدة في دورتها الحالية وهو في حالة " سكر شديد" ، يتوهم أنه يحكم ذاته واقتصاده ، والحقيقة انه لا يزال في مرحلة هستيريا الانتصارات الوهمية ، والاستهلاك المحموم ، والتبذير المفرط .
الأنظمة العربية تتغزّل بالسلام والرحمة والعفو والتسامح وهي تقصد كل هذه الصفات مع اعدائها الذين مسحوا بكرامتها الارض . بينما هي مع شعوبها لا تحتمل هذه الصفات ، فهي قمعية ودموية ولا تعرف الرحمة ، ولا تسامح حتى أطفال المدارس ونشطاء الفيسبوك ، ومستعدة ان تنحر رقاب طلبة الجامعات اذا حاولوا التعبير عن رأي مخالف لرأي السلطان .
أقف قبالة شاشة التلفزيون لأستمع الى خطابات زعماء العالم ، وما يخططون له فأشعر بالحسرة والغيرة .  واقف لأستمع الى خطابات العرب فأشعر بالاحراج والخزي ، واعود لاقرأ ما تكتبه المعارضة العربية فلا أرى فرقا بين النظام الاستبدادي للانظمة وبين الخطاب الفاشي الدموي لغالبية احزاب المعارضة التي لا تقبل ان يعارضها أحد ولو اضطرت لذبحه .
منذ العام 2010  ... كم من زعيم عربي كان يقف على منصات الامم المتحدة هذه ويلقي خطابات كاذبة عن انجازاته ، وعن عشقه للديموقراطية وللسلام ...  ولكنه قتل في عاصمته وقصره على يد أقرب المقربين له، وكم من زعيم عربي موجود في السجون التي بناها لشعبه ، وكم زعيم عربي هرب من بلاده يحمل ملايين منهوبة من فم الاطفال الجوعى، وكم زعيم عربي ينتظر نفس المصير.
بانتظار العام القادم لعل هذه الامة التي يفوق عدددها 320 مليون نسمة ، تنجب لنا قائدا واحدا يرفع من قيمتنا في محافل الامم.