الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

كأنَّ البُراقَ يطيرُ إلى القدس

نشر بتاريخ: 09/11/2019 ( آخر تحديث: 09/11/2019 الساعة: 18:10 )

الكاتب: المتوكل طه

في مولد حضرة سيدي النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم

كأنّ الذي مرَّ في خاطري،
كان وجهاً من النور،
لم أتَبيّن ملامحَه،
إنّما مرَّ بي خاطفاً مثل بَرْقِ الربيعِ،
وما التَمَعَ الضوءُ في تَضَاعيفهِ،
كانت الشمسُ مَنْ فَاحَ في الوَجَناتِ،
فَكبَّرْتُ حتى تَصَادَتْ حُروفي..
وَصَلّيْتُ بالهمسِ، قلتُ: الصلاةُ على سيّدي!
فأجاب: عليكَ السلامُ،
فقلتُ: أأنت هنا!
قال ..، بل أومأ النورُ..
قلتُ انتظرني.. ولكنه قد توارى،
وشمسُ المنديلِ تَسْحَبُ خطوتَها في البعيدْ.
قمتُ، مَسحتُ على وجهِ خوفي حروفَ التَعوُّذِ،
حاولتُ أنْ أستعيدَ الملامحَ،
لكنّه الضوءُ والشمسُ والبدرُ في وجههِ النبويِّ..
وحاولتُ أن أستزيد..
سأدعو بكل الجوارحِ أسماءَ ربّي العليِّ العظيمِ،
لكي يكشفَ الليلَ لي،
أو أرى سيّدي في المنامِ، لكي أطمئنَّ،
وأشربَ من وجههِ ما تيَسَّرَ لي.
يا إلهي الحبيبَ القريبَ المجيبَ، أعْطِنا
كي نرى ما تحبُّ لنا أنْ نرى،
واعْفُ عنّا، فإنّا نحبُّكَ يا ربَّنا،
رغم ما اسْوَدَّ فينا، ونبقى نحبّكَ
من قَبلِ هذي الحياةِ وبعد المماتِ،
وفي الصلواتِ،
وفي حَمْأةِ النارِ فوق الجليد.
إلهي.. إلهي، حبيبُكَ قد جاءَ للناسِ،
من فَضْلِ آلائِكَ البيضِ،
حتى يظلّوا سواسيةً في السبيلِ،
ويعلوَ هذا النداءُ الذي تَمَّمَ الدِّينَ للعالمين،
وينزعَ من صدرهم شَأْفَةَ الكُفْرِ والظُّلمِ والظالمين،
وَينشُرَ في البرّ طِيْبَ الملائكةِ الطّيبين.
إلهي، لقد وُلِدَ الحقُّ، فانطفَأَ الجَمْرُ في مرجَلِ الحاطبِ الفارسيِّ،
وانهارَ ما نحتوا من صخورٍ،
وفاض على الأرضِ سرُّ الحليبِ،
فكبّرَتِ الكائناتُ.
ومكّةُ في عامِها الفيلِ ترزح تحت الخراطيم،
لكنَّه الطيْرُ يرمي حجارتَه،
والمقامُ الذي رفعوهُ على حالِهِ سوف يبقى،
ليفتحَ أبوابَه للقوافلِ، من كل فجٍّ،
وما السَّعْيُ إلاّ الذهابُ إلى أوّلِ الأمْرِ،
دون اختلافٍ لمعنى العبادةِ،
وَالحجُّ مثلُ الصلاةِ أو الصومِ،
والكفّ عن جَرْحِ آدمَ.
لا فرق بين الذي يعبدُ اللهَ سرّاً وجهْراً، وبين
الذي قال: هذا اجتهادي، بلا أي فرْضٍ على أهْلِهِ،
بالوعيد.
وليس الجهادُ استباحةَ مَنْ خرجوا في الطريق، ولكنَّه
الذّوْدُ عن كلِّ حقّكَ،
أو حِفظُ دمعِ الصغارِ وشريانِ كلِّ الخلائقِ،
مهما تباعدَتِ القَسمَاتُ،
ولا شيء يعطي لهذه الإبادةِ، حتى تكون، مُرافعةً
في الحياة،
سوى أنها الكفرُ باللّهِ،
مَنْ برأ الناسَ طُرّاً، بلا أي قهرٍ وقتلٍ وهَدْمٍ،
ولا من شريدٍ ولا من شهيد.
هو الطفلُ، فاصِلةٌ بين ظُلْمٍ وعَدْلٍ،
وفجرٍ وليلٍ،
ونجْمٍ وويلٍ،
ورملٍ وسيْل،
وذُلٍّ وخيْلٍ على عُرْفِها..
لا تحيدْ.
وكيف له أنْ يزيحَ عن الكونِ أسدافَ كلِ القرونِ من الغَصْب والنَّهْبِ،
وهو يتيمٌ
على صدرِ شاةٍ،
بعيدٌ عن الأهلِ،
في واحةٍ ليس فيها سوى نخلةٍ من قفيرٍ،
وتَشْخَصُ في الغيم،
لكنَّ أعذاقَها في الوريدِ،
وترمي جدائلَها في شرايينهِ،
أو يعودُ إلى عمّهِ دون جدٍّ وأُمٍّ،
وما كان في وسْعِهِ غيرُ أنْ يصهرَ الحُزْنَ أفئدةً في الحديد.
غيرَ أنَّ التأَمُّلَ أولُ خطوتهِ للسماء!
رأى ما رأى من توازنِ في الشرقِ والغربِ،
في النُّوقِ والنَّفسِ،
فيما جرى في السواحلِ والبيدِ،
في النجمِ والكوكبِ الدائري،
وما يحمل النايُ من دمعةٍ في الجراحِ..
رأى أنَّ هذا التكاملَ من خَلْق ربٍّ حميدٍ،
وليس لأزلامِ أشْياعهِ أن يكون لها، أو لأصنامها، أو لِغَبْغَبِها، قدرةُ الاجتراح،
فأَمْعَنَ في الفِكْرِ والعُمْقِ،
أدركَ أنَّ الحجارةَ لا ينبغي أنْ تُقَدَّسَ،
لكنه البارئُ الأوّلُ الأزليُّ.
وما للعناصرِ في صُدْفةِ الريح أنْ تلتقي، كي تُقيمَ لنا عَالماً من فراغٍ، لنعبدَها،
بل هنا سيّدٌ يجمعُ الطينَ والماءَ والنارَ والنَسَماتِ، وقال لها: فَلْتكوني، فكانت، كما يشتهي أنْ تكونَ..
بهاءً جليلاً،
إلى أنْ أتاهُ بأَمْرِ القراءةِ روحُ البريدْ.
وكلُّ الذي جاء من قَبْلِهِ،
من نذيرٍ لأقوامِهِ في الزمانِ، مضوا
دون أن يرفعوا دولةَ الحقِّ،
حتى تظلَّ إلى أنْ يقومَ النيامُ.
وكبَّر بالقوْلِ،
لم يرفع السيفَ في وجهِ طيرٍ ولا قلبِ طفلٍ،
ولكنّه قَدحَ الغُصْنَ في مسكب الأرضِ،
قال: معاً في المياهِ وفي العُشب،
لا تسكنوا غابةَ الْوأْدِ والحُرمات،
ولا تقبلوا القيدَ في ساعدٍ!
كلكم شجرٌ في فضاءِ الحرائرِ..
ما عاد في غَدِنا سَيِّدٌ أو عبيدْ.
إلهي.. إلهي، كأنَّ البُراقَ يطيرُ إلى القدس،
والبابُ فوق القبابِ سيفتحُ نافذةً،
ليرى سيّدي آيةً إثْرَ أُخرى،
ويَعْرُجُ فيها إماماً،
ويصطفُّ إخوتُه خلفَه للصلاةِ،
ويبدو له الكَشْفُ حتى يصدّقَ ذاك الفؤادُ،
ويرجعُ مبتهجاً باللقاءِ..
هنا في بلادِ الرسالات، يعلو النبيُّ إلى رّبهِ،
ثم يدنو،
ويربطُ صخرتَنا بالقناديلِ، إذ تتدلّى من العَرْشِ.
يا أرضَ إسراءِ سيّدنا،
يا شبابيكَ مِعْراجهِ للسماءِ،
ويا مهدَ عيسى ومريمَ،
يا دارَ يحيى وداوودَ،
يا بيتَ يعقوبَ أو حقْلَ أبنائهِ الطائشينَ،
ويا بئْرَ يوسفَ،
أو عرشَ مَنْ حكمَ الجانَ،
يا قريةَ الزيتِ والتينِ والضيفِ،
يا رؤيةَ الذَّبحِ والكبْشِ،
والطفلُ في حضْنِ هاجرَ يبكي على زمزمٍ في الصعيد.
هنا قِبْلةُ الصلواتِ/ البدايةُ،
والوحيُ والشهداءُ،
ومحرابُ مَنْ صام للهِ حرفاً وخُبزاً،
وقام ليعبدَ ربّ السمواتِ حمْداً وصبراً،
ويختمَ قُصْدانَهُ بالنشيد.
وكيف لأرضِ الرسالات، بوابةِ القوْلِ، دربِ السماواتِ، أُمِّ الشواهد والمرسلين، وفي يوم مولدِ سيّدنا، أن تنامَ على ذُلِّها،
والدماءُ على مصحف الأُمهات، بلا أُمّةٍ ترفعُ الرّجْسَ عنه؟
وكيف لنا أن نقول: إلهي، وقد وُلدَ الحقُّ، هذا صباحٌ جديدٌ.. وَعِيد؟
إلهي، لقد طَفَحَ الدّمْعُ والدَمُ،
فابعثْ ملائكةً غاضبينَ، لكي يوقظوا الناسَ،
أو فاخْسِفِ الأرضَ، ثانيةً، من جديد!