الثلاثاء: 21/01/2025 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
الصحة: وصول شهيد إلى مستشفى جنين الحكومي جراء قصف الاحتلال على جنين
قوات خاصة تابعة للاحتلال تحاصر احد المنازل في منطقة الجابريات جنوب غرب جنين

لماذا يخسر التعليم المهني – التقني طلبته الملتحقين به؟

نشر بتاريخ: 23/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: د. فاهوم الشلبي

في حواري البارحة مع أحد طلبة جامعة بيرزيت، مستوى فصل أول – سنة أولى كلية علوم، تبين لي أنه درس الثانوية العامة في مدرسة صناعية محلية، برنامج مصاعد كهربائية لمدة سنتين، وقدم امتحان التوجيهي فرع صناعي وحصل على معدل عام 79%، والتحق بالتعليم الأكاديمي الجامعي النظري، تاركا ومبتعدا عن التعليم المهني. وفي رده على سؤالي: لماذا لم تلتحق في برامج التعليم التقني بمستوى دبلوم متوسط في احدى الكليات المتوسطة / الجامعية وفي نفس المسار أو عائلته، وتتخرج بمهارات مهنية وتقنية عالية تستطيع إثبات حضور فعال وكفاءة عالية مميزة في جيش القوى العاملة فوق الماهرة الذي يحتاجها سوق العمل الفلسطيني؟؟
كانت الإجابة: طالب التوجيهي فرع صناعي، مسموح له من وزارة التعليم العالي والجامعات أن يلتحق في كافة البرامج الأكاديمية الجامعية مثله مثل طالب الفرع العلمي باستثناء البرامج الطبية! وعليه، فأكثر من 40% من طلبة شعبتي في المدرسة التحقوا بالجامعات في برامج أكاديمية ادارية وتجارية وهندسية وحاسوبية وعلوم حياتية وتربوية.
هذه الإجابة أذهلتني، وانقطع الحوار، وبدأت أتساءل مع نفسي: هل تحويل المسار من مهني الى أكاديمي نظري، يعتبر مكسب أم خسارة لسوق العمل الفلسطيني؟ هل نسب البطالة أعلى أم اقل في السوق المحلي بين خريجي برامج البكالوريوس النظرية وبين خريجي البرامج المهنية – التقنية؟ لماذا يخسر التعليم المهني – التقني طلبته الملتحقين به؟
كل ذلك قادني الى أن أعطي صورة موجزة عن واقع التعليم المهني التقني في فلسطين. . فالطالب يبدأ تعليمه الرسمي في الصف الأول للمرحلة الأساسية التي تنتهي بالصف العاشر، وبعدها يختار ان يكون في الصف الحادي عشر للفرع العلمي أو الأدبي اذا اراد المسار الأكاديمي أو للفرع الصناعي أو الزراعي أو التجاري أو الفندقي إذا اختار المسار المهني في مدرسة مهنية او شبه مهنية تجمع المهني (تحديدا التجاري) مع الاكاديمي في مبنى واحد. وفي نهاية الصف الثاني عشر، يخضع الطالب في كافة الفروع الى امتحان عام، يسمى امتحان الثانوية العامة، ويكنى "التوجيهي" أو حديثا "الانجاز". أعداد الطلبة المتقدمة للتوجيهي في عام 2016 وفي الضفة الغربية والقطاع تشير الى قلة الطلبة في الفروع المهنية مقارنة بالفروع الاكاديمية من علمي أو أدبي، حيث تقدم للامتحان 3364 (4.3%) طالبا في الفرع التجاري، و1270 (1.6%) طالبا في الفروع المهنية الاخرى من صناعة وزراعة وفندقة الخ، في حين كان عدد المتقدمين في الفرعين العلمي والادبي 70393 (91%) طالبا ، أما الباقي فهم في الفرع الشرعي (3%) (وزارة التربية والتعليم العالي، 2016).
يلعب امتحان التوجيهي دورا رئيسيا في الالتحاق بسلك التعليم العالي أو عدم الالتحاق، فالناجح فقط وبعلامة 50% فأعلى بكافة المباحث يكون مؤهلا للالتحاق بالكليات المتوسطة أو في برامج الدبلوم المتوسط بشكل عام، وعليه، فإن حوالي 60% فقط من المتقدمين في الفروع المهنية يحق لهم اكمال الدراسة في برامج الدبلوم، حيث نسبة النجاح في العام 2016 كانت حوالي 60% في الفرع التجاري وبقية الفروع المهنية الاخرى، وبذلك يكون عدد المرشحين في احسن الاحوال للالتحاق ببرنامج الدبلوم المتوسط في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية هو 2053 طالبا من الفرع التجاري و764 طالبا من بقية الفروع المهنية الاخرى، لأن البعض يفضل عدم اكمال الدراسة ويلتحق بسوق العمل كعامل شبه ماهر او حرفي، إضافة، ان البعض من الناجحين في الفرعين العلمي والادبي قد يلتحقوا في برامج الدبلوم المتوسط وهم عادة قلة. وما يجدر ذكره ان نسبة الطلبة من هؤلاء الناجحين في الفروع المهنية في قطاع غزة تشكل حوالي 14% فقط (اي ان العدد في الضفة الغربية يساوي اكثر من ستة أضعاف العدد في القطاع)، وهذا شيء يحتاج الى وقفة من المسؤولين، هل يعقل ان يكون عدد الناجحين في الفرع الصناعي اقل من خمسين طالبا في القطاع، اين المدارس الصناعية؟ (فالموجود مدرسة واحدة صناعية للذكور في دير البلح واخرى للإناث فقط)!!!
أما الراسبون، ونسبتهم حوالي 40% من كافة الفروع، فمنهم من يعيد الامتحان في السنة القادمة او يتقدم للإكمال في حالة الرسوب في بعض المباحث وهم عادة قلة، أو ينقطع عن التعليم الرسمي ويدخل سوق العمل، ومنهم من يلتحق بدورات وبرامج تدريب مهني في مراكز العمل، بمعدل سنوي حوالي 1400 الى 1500 متدرب في العام في الضفة الغربية ومثلها في قطاع غزة (وزارة العمل ، 2016) ليتخرج ملما بإحدى الحرف المتاحة ويدخل سوق العمل كحرفي أو عامل ماهر. أما الملتحقون في برامج الدبلوم المتوسط كافة، سواء في كليات متوسطة أو في كليات جامعية، فقد تخرج منهم عام 2016،- وبعد النجاح في الامتحان الشامل الذي يخضع له كافة الملتحقين بالدبلوم المتوسط في نهاية السنة الثانية ممن اكملوها بنجاح - حوالي 3674 طالبا من الكليات المتوسطة، و1594 طالبا من الكليات الجامعية، اي ما مجموعه 5268 ( 12%) طالبا من مجموع خريجي مؤسسات التعليم العالي في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن من هؤلاء الخريجين من عمل تجسير لإكمال الدراسة نحو البكالوريوس وهم قلة، ومنهم من كان ملتحقا في برامج دبلوم متوسط تربوية (رياض اطفال مثلا)، وبرامج دراسات انسانية، وبرامج علوم طبيعية ورياضيات وما شابها من البرامج غير التقنية، والتي يقدر عددهم بحوالي الثلثين، وبذلك يمكننا القول ان خريجي البرامج التقنية بمستوى دبلوم متوسط لا يزيد عددهم السنوي عن حوالي 4% (2650) من مجموع خريجي مؤسسات التعليم العالي والبالغ حوالي 44446 طالبا لنفس العام (قاعدة بيانات التعليم العالي،2016). هؤلاء هم المرشحون لدخول سوق العمل كتقنيين Technicians . هذه نسبة قليلة جدا، ويتضح صغرها عند مقارنة المتخرجين من الدبلوم المتوسط في حقل الهندسة والصناعات الانتاجية والبناء وعددهم 594 طالبا مع الخريجين في نفس العام 2016 وفي نفس الحقل من الجامعات التقليدية وعددهم 3071 طالبا، والذين يلتحقون بسوق العمل كمهندسين متخصصين، أي أن كل تقني واحد يقابله خمس مهندسين ( 1 تقني : 5 مهندسين) (قاعدة بيانات التعليم العالي، 2016)، وهذا عكس ما تحتاجه المسيرة التنموية الفلسطينية وعكس ما هو موجود في الدول الصناعية المتقدمة. ويمكننا تفسير هذا العدد أو النسبة القليلة من التقنيين في الضفة والقطاع بالتالي:
• النظرة الدونية الاجتماعية للتعليم المهني والتقني في الضفة الغربية وقطاع غزة. فمعظم الطلبة وابائهم لا يرغبون في الالتحاق بالتعليم المهني والتقني، ولا في برامج الدبلوم المتوسط بشكل عام مهما كان حقل الدراسة. فالتوجه السائد هو نحو برامج البكالوريوس تحت اسم جامعة، مما يعطي فرصة للآباء بالتباهي، حتى لو كان التخصص غير مرغوب فيه في السوق المحلي والاقليمي. فالأهمية تكمن في أنه أو أنها خريجة جامعية وقد تصبح أو يصبح موظف في القطاع الحكومي وذو شأن وموقع مرموق.
• الإرشاد السلبي لطلبة المدارس في الصفوف التاسع والعاشر ومن قبل معلميهم، حيث يتم توجيه الطالب الذي تحصيله منخفض وادائه دون المتوسط الى الالتحاق بالمدارس المهنية الصناعية أو الزراعية أو الشرعية، تحت مبرر الهروب من امتحان التوجيهي العلمي أو الأدبي الصعب وبالتالي احتمالية الرسوب عالية. لكن التوجيهي المهني سهل النجاح فيه ومباحثه قليلة الحجم وليست عميقة ومعقدة، واكثر من ذلك، فإن امكانية الالتحاق بكلية متوسطة وبمعدل توجيهي منخفض واردة، وبعدها ممكن التجسير لبرنامج بكالوريوس ذات صلة. كل ذلك يؤدي الى القول بأن مستوى الطلبة الملتحقين بالمدارس المهنية ضعيف، وهذا يعكس نفسه على مستوى الاداء المهني والحرفي بعد التخرج. فنسبتهم قليلة جدا في سوق العمالة المهنية الذي معظم افراده تتلمذوا في ورشات عمل بالخبرة وليس بالتعليم والتعلم. فلا غرابة ان يشكي معظم من بنى بيتا على سبيل المثال من مشاكل تتعلق بأداء المهنيين عند التشطيب !!!
• مقابل هذا الارشاد السلبي، لا يوجد ارشاد معاكس لأهمية التعليم المهني ومن ثم التقني، وان الوطن بحاجة الى خريجين تقنيين وفنيين. فالإرشاد المشجع فاشل ولم يثبت نجاعة، بالرغم من وجود عدة جهات رسمية حكومية وكنائسية واتحاد لوثري وجمعيات خيرية ووكالة اغاثة وتشغيل اللاجئين تقوم وتشرف على التدريب والتعليم المهني والتقني.
• قلة الموارد المالية في المدارس والكليات. فالبرامج التقنية والمهنية تحتاج معدات وأجهزة وماكينات ومواد خام وما شابه، وكذلك معلمين مؤهلين ومتخصصين. ومع قلة الاموال المخصصة في الموازنات لدعم المدارس والكليات المهنية التقنية، نجد ان الكثير من المعدات والاجهزة قديمة وغير مواكبة للتقدم السريع في التكنولوجيا. وعليه، فإن الطالب الملتحق لا يشجع اصدقائه على الالتحاق، لان الجميع معني بالتعلم والتدرب على الاجهزة والمعدات التكنولوجية الحديثة.
• الإهمال الرسمي للتعليم التقني. فالكليات الحكومية لم تحافظ على طابعها ونكهتها التقنية. فقد سمحت لوجود برامج غير تقنية، مثل البرامج الانسانية والتربوية والتدريسية، وتحولت الى كليات جامعية باعتماد برامج بكالوريوس لتدريس التربية التكنولوجية وما شابه ذلك من برامج ادارية. واصبحت البرامج غير التقنية هي السائدة، وهي ليست برامج مولودة انسجاما مع حاجات السوق بل لغايات أفراد وجهات ذات شأنsupply-driven and not market-driven ، فإلى متى الإبقاء على برامج تربية في الكليات الحكومية اذا كانت الجامعات الفلسطينية تخرج سنويا ما يزيد عن 10 الاف طالب من كليات التربية. إضافة، لا يوجد شروط ومتطلبات تأهيل لمن يفتح منجرة او محددة او مشغل المنيوم أو ورشة ميكانيك سيارات، وكذلك لا يوجد علاوات في الراتب للتقني او الفني الذي يعمل في القطاع العام. مثل هذا، لو تم عمله من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، سيعزز عملية الارشاد ويزيد من حجم الاقبال على التعليم المهني التقني . وفي مجال اخر، فإن قدرة الكليات الاستيعابية الحالية محدودة، فهي محصورة المكان والغرف التدريسية والمشاغل والبرامج، فإذا حدث وان زاد الاقبال الى الضعف، فلا تستطيع الكليات الحالية استيعابهم، وهذا تحدي اخر للجهات الرسمية.
• أما القطاع الخاص والقطاعات الاخرى غير الحكومية فلا تستطيع ولا تحبذ ان تكون بديلا عن الجهات الرسمية لارتفاع تكلفة التعليم التقني والمهني وارتفاع قيمة الاستثمار فيه، خاصة وان العائد مع قلة عدد الطلبة قليل. فلا غرابة أن يكون معدل تكلفة الطالب السنوية في مدرسة العروب الزراعية (ما يكلف المدرسة وليس الطالب) تزيد عن 18 الف شيكل (حوالي خمسة الاف دولار) في حين ان تكلفة الطالب الجامعي أقل من النصف ( وزارة التعليم العالي، تقرير داخلي، 2014).
وقد يكون التدريب المهني والتعليم التقني في فلسطين محظوظا بدعم ممولين اوروبيين مثل مؤسسة GIZ الألمانية وBTC البلجيكية و ETF من الاتحاد الاوروبي، وهذه المؤسسات خاصة الاولى والثانية لها مكاتب تمثيل عاملة في الضفة الغربية لمتابعة نشاطاتها وتنفيذ مشاريعها لصالح التدريب المهني والتعليم التقني. وقد دعمت صياغة استراتيجية للتدريب المهني والتعليم التقني عام 1999 واعادت تحديثها عام 2010، وكانت محاورها تتعلق بإدارة نظام التدريب والتعليم التقني، وفعاليته، ونوعية مخرجاته، لكنها لم تضع خطة تنفيذية مع جدولة زمنية بالأشهر، وتكلفة لكل اجراء من مجموعة الاجراءات المتعلقة بكل هدف مشتق او فرعي وتبيان مسؤولية من سينفذ ومصدر التمويل ودرجة توفره والنتائج المترتبة على عملية التنفيذ وما شابه. الخطة المصاحبة للاستراتيجية خطة عريضة جدا وليست عملية، فعلى سبيل المثال: احد الاهداف الفرعية هو مفهوم تنمية الموارد البشرية، ومن المهام المقترحة للإجراء هو انشاء وحدة وطنية لتنمية الموارد البشرية في الفترة الزمنية 2011 – 2012 ومهمة اخرى هي إنشاء لجنة تنمية بشرية وخلال نفس الفترة الزمنية، وهكذا لمعظم الاهداف الفرعية!!! مثل هذا يجعل الامور عائمة، لكن الممولين وحسب خبراتهم في دول عالم ثالث شبيهة، وحسب فهمهم للواقع الفلسطيني، يقومون بدعم ما يروه مناسبا لصرف الاموال التي اتخذ فيها قرار من حكوماتهم ويجب ان تصرف، ف GIZ مولت على سبيل المثال وليس الحصر، كافة برامج المهن الهندسية في كلية هشام حجاوي وبما يلزمها من معدات وتقنيات وكتب، وهذا شيء مميز ورائع، ومع الاسف حجم الاقبال السنوي للطلبة عليها قليل ولا يغطي طاقة البرامج الاستيعابية. وكذلك مولت بناء مركز متخصص في حلحول ليخدم التعليم التقني والفني التخصصي ، لكنه الان يستعمل من قبل وزارة العمل كمركز تدريب مثل بقية المراكز الاخرى، وتعقد فيه الدورات التي تعقد في المراكز الاخرى، ولم يخرج متخصصين. مثل هذه الأمثلة، تدفع الممولين الى تبني ايجاد اطار موحد - لتسهيل عملهم - يجمع التدريب والتعليم المهني والتقني، ويكون له ادارة موحدة، على شكل هيئة أو على الأقل مجلس تنسيقي يجمع اصحاب الشأن (من وزارة تربية وتعليم عالي ووزارة عمل ووزارة الشؤون الاجتماعية واتحاد الغرف التجارية ووكالة تشغيل اللاجئين "انروا" ومنظمات غير حكومية وقطاع خاص). إضافة الى إنشاء مركز تطويري مركزي للتعليم والتدريب المهني والتقني وما شابه. وقد تم تشكيل مجلس أعلى لعدة سنوات ولم يحدث تحسنا أو تطويرا يذكر. في تقديري عملية التوحيد أو التجميع من خلال إنشاء هيئة أو مركز تطوير ليست حلا. قد يرتاح لها البعض من أصحاب الشأن والمستشارين وممن يرغبون في العمل كموظفين مع مؤسسات أجنبية، لكن النتائج المتوقعة هو دفع مصاريف إضافية كرواتب واجرة مقرات فقط. فالتعليم المهني هو نظام تعليم له عناصره وهو جزء من نظام التعليم العام الفلسطيني ككل، ولا يمكن فصله عنه، لان الطالب في المدارس المهنية يجب أن يدرس مساقات معرفية نظريه هادفة بالإضافة الى المساقات المهنية، وكذلك التعليم التقني بعد الثانوي، فهو جزء من منظومة التعليم العالي الفلسطيني وينفذ في مؤسسات تعليم عالي بغض النظر كونها حكومية أو عامة أو خاصة من حيث الاشراف لأنها جميعها تخضع لقوانين رسمية حكومية تنظم عملية التعليم والياته وأهدافه. فوزارة التعليم عام وعالي هي المخولة والمسؤولة عن التعليم بكافة مستوياته.
ما يمكن عمله، والتركيز هنا على التعليم المهني، هو المحافظة على الطلبة الملتحقين وتوفير برامج ومسارات بدرجة دبلوم متوسط ودرجة بكالوريوس لكنها مكملة ومن نفس عائلة البرنامج المهني الذي التحق به الطالب في الصف الحادي عشر. فالذي يريد ان يتخرج من المدرسة المهنية بشهادة توجيهي وكعامل ماهر يجد مكانا له في السوق، ومن يريد أن يكمل الدراسة في نفس المجال والتخرج بدرجة دبلوم متوسط وكعامل تقني يجد ايضا مكانا له في السوق، ومن يريد متابعة الدراسة والتجسير في برامج من نفس المجال والعائلة ليتخرج بدرجة بكالوريوس أو ماجستير كمتخصص أو خبير تكون الفرصة متاحة له وسيجد مكانا في سوق العمل، ففرص العمل لمثل هذه العمالة فوق الماهرة كما تشير الاحصاءات المحلية تزيد عن 92%. فليس صحيحا أن نجير التعليمات الرسمية لزيادة حجم الإقبال على التعليم المهني ونجد شعبا مليئة بالطلبة في المدارس المهنية، ليقدموا امتحان توجيهي أقل صعوبة من الفرع العلمي وبمعدلات عالية تؤهلهم للانتقال للتعليم الأكاديمي النظري، الذي يعاني خريجوه من بطالة عالية. بهذه العملية، يكون الطالب قد احتال بأسلوب شرعي للالتحاق بالجامعات، وتكون المدارس المهنية قد حظيت بوجود اعداد من الطلبة في البرامج المختلفة تحقق أعباء كاملة للمدرسين. ويمكن دراسة اقتراح أن يبدأ التعليم المهني في المدارس الصناعية مثلا من الصف التاسع ليحظى الطالب بأربع سنوات كاملة من التركيز في برنامج مهني كما هو الحال حاليا في المدارس المهنية التركية.
وعلى صعيد التعليم التقني في الكليات الحكومية وغيرها، وللطلبة القادمون من فرع التوجيهي العلمي او الادبي، يجب ان يكون التجسير ايضا في برامج من نفس العائلة، توفرها ادارة الكليات او الجامعة، حتى لا تعيد المشكلة الموجودة في المدارس المهنية. ونقترح ايضا أن تقوم الجهات الرسمية الحكومية بالإعلان عن عدم امكانية فتح محل او ورشة صيانة موبايل مثلا إلا بشهادة دبلوم متوسط فأعلى في التخصص، وتطلب من الورشات المفتوحة التوجه لتصويب وضعها القانوني من خلال الالتحاق او التدريب في المجال، وكذلك، تقوم الجهات الرسمية بسن او تشريع علاوة في الراتب بقيمة معينة لمن سيعمل في القطاع العام من خريجي مثل هذه التخصصات المتوسطة، وتعزز كل ذلك هيئة الاعتماد والجودة ببلورة سياسة عدم اعتماد أي برنامج دبلوم متوسط إلا أن يكون تقني مهني الهوية. وبعد ذلك، تفتح جسور التجسير الحقيقي ما بين خريجي التوجيهي الفرع الأدبي والتعليم التقني كي تقل نسبة البطالة بين خريجي الدراسات الانسانية والاجتماعية. هذه الخطوات العملية سيكون لها مردود ايجابي في زيادة عدد الخريجين التقنيين، ويساعد في قلب الهرم بشكل تدريجي ليقابل كل مهندس واحد في السوق، تقني واحد ومن ثم اثنين فثلاثة وهكذا.