نشر بتاريخ: 09/12/2019 ( آخر تحديث: 09/12/2019 الساعة: 14:37 )
الكاتب: رامي مهداوي
أكتب لكم وأنا متواجد في برلين بمهمة عمل رسمية مع التعاون الإنمائي الألماني، وكأي فلسطيني عندما يسافر الى أي دولة كانت يبدأ الحوار الذاتي في عقله وبصمت: متى سنصبح مثلهم؟ لماذا نحن هكذا؟ أين نحن وأين هم؟ ماذا ينقصنا حتى نتقدم الى الأمام؟ وتبدأ المقارنات في كثير من القضايا والمواضيع، لتصبح الصورة سوداوية الى درجة لا تطاق وربما تسقط دمعة خفية حارقة لا تريد لمن هم حولك أن يشاهدوها!!
لكن مع كل هذه السوداوية في اللوحة الفلسطينية، إلا أنه يوجد بصيص أمل، في المانيا رأيت الأمل من خلال أربعة شُبان فلسطينيين يشكلون نموذجا لشبابنا في الخارج ولا نعرف شيئا عن ما يفعلوه، نعم كل فلسطيني عبارة عن قصة قصيرة في داخل الملهاة الفلسطينية.
صديقي ياسر الشنتف الذي أعرفه فقط من خلال أدوات التواصل الإجتماعي، سنحت لي الفرصة لكي نتعرف على بعضنا البعض وجهاً لوجه، هو القادم من قطاع غزة وبالتحديد من مخيم الشاطئ ليصبح ريادي أعمال مؤسس و مديرا تنفيذيا لشركة فينكس بيرد لإدارة التنوع.
شق طريقه بفكره العلمي ليتمرد على حالة الإحباط ويصل بسرعة فائقة الى مرحلة بداية طريقه التي ستأخذه الى عالم جديد، أستطيع وصفه بسفير الفعل الفلسطيني في برلين يجيد العمل والتشبيك بالنتائج، ولا يضيع فرصة إلا ليتحدث بطريقته عن الملهاة الفلسطينية مع كل شخص يصادفه بلغة وأداء الكوميديا السوداء.
منذ أن سمعت كلماتهم الأولى بترحيبهم وطريقة عرضهم للشركة عرفت مباشرة بأنهم فلسطينيون؛ لأنهم مازالوا يحتفظون بلكنة أبناء الشمال الفلسطيني. شربل شوفاني من معليا وجوني خوري من فسوطة، بدآ من مرحلة الصفر في تأسيس شركتهم الخاصة، لتكبر شركة شوفاني خطوة بخطوة ويصبح لها الآن مركز تدريبي مهني في مجال تخصصهم وهو صناعة وإنتاج آلات تصنيع الملصقات المختلفة التي تضع على المنتجات الصناعية.
شربل وجوني بفكرهم الريادي استطاعا تحقيق انجازات متتابعة وبخطوات واثقة، والأهم بناء الجسور مع عدد من الشركات العالمية، بالتالي تواجدهما في مساحات جديدة في عالم الصناعة والاقتصاد هو تواجد مهم ليس لهما فقط من منظور الأرباح والعائد المادي، بقدر ما أجد تواجدهما هو تواجد للنجاحات الفلسطينية الفردية التي يجب بناء قصص نجاحات أخرى عليها في مختلف المجالات الاقتصادية حتى لو كانت في مرحلة النمو.
هارباً من الحرب الأهلية اللبنانية دخل اللاجئ الفلسطيني الى مستنقع دموي أكبر قبل 40 عام متمثلاً في مستنقع الإنقسام الألماني" الشرقية والغربية"، لكن تجربة يوسف حجازي في بيروت جعلته أكثر قوة وصلابة من أجل تحقيق حلمه في الدراسة للحصول على شهادة الهندسة.
اشتغل يوسف مباشرة بعد تخرجه في اعادة تصاميم وترميم العديد من المباني والمنشآت الحكومية التي دمرت أو أرادوا إعادة بنائها، أول خطوة خطاها بعد حصوله على الجنسية الألمانية ذهب الى مسقط رأس والديه و أجداده عكا. ليس هذا فقط، وإنما أخذ ويأخذ أبناؤه بشكل دائم إلى الوطن ليتعرفوا على أهلهم وحقهم السليب وعلى جذورهم التي تعزز حتى وجودهم خارج البلاد.
بينهم جميعاً_ ياسر، شربل، جوني، يوسف_ عوامل كثيرة مشتركة، لكن أهم مشترك هو حبهم لبلدهم البعيد عنهم القريب إليهم، حبهم في إثبات الكينونة الفلسطينية وحيويتها في مختلف المجالات، بالتأكيد أمثالهم هناك الكثير الكثير الذين لا نعرف عنهم شيئا، و أعتقد آن الأوان لإعادة تجميع طاقات شعبنا المشتتة، وكما قال لي صديقي ياسر الشنتف علينا إعادة تغيير الجينات من أجل مواجهة التشوهات التي حدثت في الجسد الفلسطيني حتى تستطيع القضية الفلسطينية النهوض من جديد بكافة الأصعدة.