الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

غسان بين الوطن والمنفى

نشر بتاريخ: 12/12/2019 ( آخر تحديث: 12/12/2019 الساعة: 11:47 )

الكاتبة: د وفاء شواهنة
واخيرا جاء غسان بن دحو بين العلم الفلسطيني والمغربي تحقق حوار الحالمين وأصبح واقعا، عمره يوما في الحياة، جاء رغم قهر الاحتلال الاسرائيلي فقد عجزت عن انجابك في القدس واكتفيت بمدينة جنين فهي جزء من فلسطين. ولد غسان بعيدا عن ابيه وعائلته ووطنه الثاني، لم يسمع صوت ابيه لم يأذن ابيه في أذنه لم يشاهد عينه وهي تبحث عن الحياة، ولم يرى طفله الذي حمل اسم عائلته المغربية واسم غسان كنفاني الفلسطيني، عذرا غسان لاننا كنا انانين فكرنا بما نريد ولم نفكر بحقوقك كطفل ولكنا نريد لك ان تكمل الطريق وتكمل رواية غسان كنفاني وتخبر الفلسطينيين ماذا تبقى لهم وتخبر العالم كله بأنك لست العائد إلى فلسطين ولكن الباقي والمتمسك فيها.
لا يعي غسان وهو يصغي لصوت الوقت، ذلك الوقت الذي ترسمه الجغرافية وتترك بصمتها في ساعة ولادته، هي تمام الساعة العاشرة والنصف صباحاً بتوقيت التحدي والبقاء والصمود، بتوقيت فلسطين، وهي التاسعة والنصف صباحاً بتوقيت المملكة المغربية، وباختلاف الوقت إلا أنه احساس القلق والانتظار والترقب ذاته، لحظات ارتباك الانفاس، تعالي أصوات الخلق الأولى، صراخُ و زفير الأمهات في دقائق ولادة عمر جديد يتفتح من بين أضلاع أمٍ فلسطينية تعيش لحظات الأمومة الأولى، بينما يعيش والده المغربي الترقب والقلق ذاته على مسافة قارة و أميالٍ من البعدِ في المغرب وامتدادِ صحرائه الواسعة.
سيحمل الطفل بين طيات اسمه كثيراً من فلسطين إذ يكون غسان القلب، بكل ما لفلسطين من ذاكرة سجلها الكاتب الفلسطيني المناضل كنفاني، و بكل ما عاشه من روحِ اغترابٍ و لجوء، وبين ثنايا اسمه، وفي امتدادِ قوسين من التواصل الروحي بين قارتين، وشعب عربي واحدٌ، يحمل رسالة الصمود والتواصل والبقاء. يرتبط الطفل " غسان بن دحو" بالمغرب العربي بروح الهوية والانتماء، والارتباط بوالده الذي عاش لحظات الخلق والترقب الأولى على مسافة من البعد والغياب، إذ حالت سلطات الاحتلال الإسرائيلية دون إمكانية الوصول في الموعد المرتقب للولادة، ويرتبط بفلسطين بروح التحدي والبقاء والمقاومة بوالدته التي عادت لفلسطين خصيصا ليكون مسقط راسه بها.
ونحن الأن ننتظر من غسان أن يكون واقع الحالمين وشغفهم، غسان لم تكن كأي طفل هو ليس مجرد طفل هو حلم وحوار وهاجس وشغف وحالة انتظار، هو غسان الطفل الذي سمع أول رواية في حياته قبل خروجه للحياة بعنوان "المقاومة الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية أوسلو" خلال مناقشتي لاطروحة الدكتوارة بتونس، هو الانسان الذي ينتظر ان يسمع الكثير فهناك الكثير الذي يمكن أن يحكى لغسان وعن غسان هناك الكثير من الروايات بانتظارك سأخبرك عن قصة زواج والديك وكيف لم يستطع ابويك الاحتفال بزواجهم بين عائلتهم في اوطانهم فالاحتلال الاسرئيلي يضع قيود على من يدخل للضفة الغربية والمملكة المغربية تتطلب فيزا واجراءات صعبة للدخول اليها والحل هو تونس التي احتضتنا كما احتضنت دماء شهداء الفلسطينين، غسان الذي تنقل معي من تونس لفلسطين للمغرب والعودة لفلسطين لتكون مسقط راسه ليحمل اسم فلسطين في مضمون ميلاده طوال حياته وتبقى في ذاكرته وجزء منه، وليس مجرد بقاء فهي مسقط راسه التي انتظرته ورحبت به، نخاف على فلسطين ونريدها ان تبقى موجودة في الوجدان والذاكره، ولم يكن هذا خيارا فرديا ولكنه كان قرارا من عائلته ووالده في المغرب أرادو أن يكتب أسم القدس وفلسطين فهذا الأمر أكبر أحلامهم، فعلاقة المغاربة بالقدس ليست وليدة اللحظة فهي منذ صلاح الدين الأيوبي الذي خص أهل المغرب في باب حمل أسمهم وقال عنهم " أسكنت قوما يثبتون في البر ويفتكون في البحر أسكنت من أستأمنتهم على بيت الله، أسكنت المغاربة" وغسان سيكون هذا الخليط من شعب فلسطين الجبارين والشعب الذي أستأمنه صلاح الدين على القدس، غسان حملت هذه المسؤولية وسمعت الرواية الفلسطينية في المقاومة واستطعت تحدي الاحتلال وقهره وجئت لتكون فلسطيني مغربي تتطلع نحو التحرر والخلاص من الاحتلال الذي قهرنا ومنعنا ان نمارس حقوقنا الانسانية وفرض علينا قيوده ولم يسالنا نريد او لا نريد فنحن نعيش تحت الاحتلال الذي لا يتطلع الينا بصفتنا الانسانية ولكنه ينظر الينا بصفته الاحتلالية فقط، غسان فلسطين تنتظرك وتنتظر جيلا كاملا ليحافظ عليها ويعيدها، جيلا يقوم بما لم نستطع القيام به وتحقيقه إلى اليوم ويوقظ الأرض التي ارتوت بدمائنا، ويكمل المسيرة التي لم تكتمل بعد.