الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

بدون مؤاخذة- اتفاقية سيداو وشرفنا المصون

نشر بتاريخ: 22/12/2019 ( آخر تحديث: 22/12/2019 الساعة: 18:52 )

الكاتب: جميل السلحوت

لا يزال الجدل حول اتّفاقيّة سيداو الدّوليّة لحماية النّساء من العنف والتّمييز والقتل والظلم والاضطهاد قائما، وصارت صفحات التّواصل الاجتماعيّ "الفيس بوك" ساحة مفتوحة لبيانات الشّجب والإستنكار.
وأنا على قناعة تامّة بأنّ غالبيّة المتسابقين لبيانات الشّجب لم يقرأوا الإتّفاقيّة، ومع اعتبروها خطرا داهما يهدّد مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة، وتتطاول على ديننا وعقيدتنا، وتهدّد وجودنا، وكأنّ إيماننا وثقافتنا مستمدّة من بيانات واتّفاقات دوليّة! وهذا يذكّرني بفتوى الإمام الخميني القاضية بهدر دم الكاتب الهنديّ المغمور سلمان رشدي على روايته سيّئة الذّكر"آيات شيطانيّة"، مع أنّ الخميني لم يقرأ الرّواية لا هو ولا الآلاف الذين تبعوه ببيانات الشّجب والتهديد والوعيد للكاتب، وكانت النّتيجة أنّ الكاتب المغمور أصبح أشهر كاتب في العالم، وتحدّثت عنه مختلف وسائل الإعلام، وأقبل الملايين من البشر لقراءة روايته التي لا تستحق ثمن الورق الذي طبعت عليه.
وعودة إلى اتّفاقيّة "سيداو" الموجّهة للعالم وليست مخصّصة للعرب والمسلمين.
وهذا يضعنا كعرب وكمسلمين أمام تساؤلات كبيرة وبدهية في الوقت نفسه، فهل نحن مسؤولون عن أخلاقيّات الشّعوب الأخرى؟ وهل نحن ضدّ حماية النّساء من "العنف والتّمييز والقتل والظلم والاضطهاد"؟ حتّى نشجب ونستنكر؟ وهل معتقداتنا هشّة وقابلة للتّغيير بناء على وثيقة دوليّة؟ وهل هناك من هو قادر على فرض ثقافته على الغير؟ وهل انتبهنا في اتّفاقيّة سيداو لغير ما ورد حول العلاقات بين الرّجل والمرأة خارج الحياة الزّوجيّة وحول الزّواج المبكّر؟ وهل الشّعوب الأخرى -غير المسلمة- كانت تطبّق الشّريعة الإسلاميّة في عقود الزّواج، وجاءت اتّفاقيّة سيداو لتمنع ذلك؟
ومع اعتزازنا بديننا ومعتقداتنا وتقاليدنا، إلا أنّ حملات السّخط والغضب عندنا تؤكّد من جديد بأنّنا لا نفهم الحياة ولا العلاقات بين الشّعوب إلا من خلال ما بين فخذي المرأة. وهذا يعيدنا إلى كتاب الدّكتور صادق جلال العظم "النّقد الذّاتي بعد الهزيمة"، الذي كتبه بعد هزيمة حزيران 1967، فعند زيارته لمخيّمات النّازحين سألهم:" لماذا تركتم دياركم وأرضكم ووطنكم"؟ فأجابوه:" لقد هربنا بأعراضنا لحمايتها." وعقّب على ذلك بقوله:" هذه الإجابات تدلّل على عدم وجود مفهوم الوطن عندهم، ولا يعلمون أنّه ستأتي عليهم أيّام ستنتهك فيها أعراضهم على أيدي من احتموا بهم"! وهذا -مع الأسف- ما حصل في أكثر من بلد عربيّ ومسلم.
وعودة إلى اتّفاقيّة سيداو، فهل خطرها علينا أكبر من خطر الاحتلال؟ وأكبر من خطر مصادرة أراضينا وقتل واعتقال أبنائنا وهدم بيوتنا؟ وهل هناك بيننا من يفرّط بعرضه؟ ولتقريب المأساة التي نبنيها بأيدينا إلى أذهان من يتسابقون ويحشدون لاجتماعات وإصدار بيانات، دعونا نطرح جانبا من الثّقافة الإسرائيليّة بهذا الخصوص، وهي ثقافة مختلفة ومغايرة لثقافتنا، فعندهم العلاقات بين الرّجل والمرأة قد تحصل دون عقد زواج، وهناك أمّهات عازبات، فهل انسحبت وفرضت هذه الثّقافة على الفلسطينيّين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيليّ؟
إنّ اتّفاقيّة سيداو تتلخّص في" حماية النّساء من العنف والتّمييز والقتل والظلم والاضطهاد". وهذا ما دعا إليه ديننا قبل خمسة عشر قرنا، فلماذا كلّ هذا الشّجب والإستنكار؟
وهذا الانشغال باتّفاقيّة سيداو يثير تساؤلات حول من المستفيد من ذلك؟ وهذا يذكّرنا بحرب أكتوبر عام 1973، والتي شغلت العالم جميعه ووسائل الإعلام العالمية، فجاء من يسأل بعض المشايخ في مصر حول زراعة القلب حيث جرى قبل الحرب بقليل زراعة القلب لأوّل مرّة، وكان السّؤال:" بما أنّ الإيمان في القلب، فهل زراعة قلب مسلم في جسد "كافر" فهل سيكفر صاحب القلب المتوفّى وقلبه لا يزال حيّا في جسد إنسان آخر؟ وهل صاحب القلب "الكافر" المتوفّى وقلبه مزروع في جسد مسلم سيصبح مسلما"؟ وانبرى "علماء المسلمين يفتون بذلك وعلى صفحات الجرائد ووسائل الإعلام، واشتغلوا بذلك بينما العالم مشغول بالحرب. والحديث يطول.