الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

قرار محكمة الجنايات الدولية قراءة اولية ومحاذير يجب التنبه لها

نشر بتاريخ: 22/12/2019 ( آخر تحديث: 22/12/2019 الساعة: 14:35 )

بقلم: صلاح علي موسى
رحبت القيادة الفلسطينية بقرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيق حول الجرائم المرتكبة في فلسطين وفقا للبيان الصادر عن المدعي العام لدى محكمة الجنايات بتاريخ 20/12/2019 حيث جاء هذا القرار بناء على طلب الاحالة من دولة فلسطين.
يبدو ان القرار للوهلة الاولى مشجعا وعظيما، ولا شك انه يمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، بالاطلاع على البيان الصادر عن المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية نجده واضحا فيما يتعلق بتفسيره لمسار التكييف القانوني لقبول فتح التحقيق.
ان فتح تحقيق عميق وموسع وشامل حول الجرائم المرتكبة على ارض دولة فلسطين وفقا لنظام روما فسرته المدعية العامة بشكل متصل مع ما ورد من طلب من دولة فلسطين ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها من المجني عليهم.
ان طلب دولة فلسطين في الاحالة استند الى المادة(13/أ) من نظام روما الاساسي والذي ينص على " للمحكمة ان تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار اليها في المادة(5) وفقا لاحكام هذا النظام في الاحوال التالية:أ- اذا احالت دولة طرف الى المدعي العام وفقا للمادة(14) حالة يبدو فيها ان جريمة او اكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت" بالرجوع الى المادة(14) نجدها تعود في هذا المقام الى دولة فلسطين .
ان هذا التكتيك الفلسطيني هدف الى تجاوز المعيقات المتعلقة بالاجراءات التقليدية في فتح التحقيقات والتي نص عليه نظام روما الاساسي حيث فشلت فلسطين في اخذ موافقة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبت في غزة اثناء العدوان الاخير على قطاع غزة.
كما اننا نجد ان بيان المدعي العام لدى محكمة الجنايات الدولية استند الى المادة (53/1) من نظام روما الاساسي والذي تتحدث بشكل مباشر عن توفر معلومات معقولة تتعلق بجريمة قد ارتكبت او يجري ارتكابها وتدخل في اختصاص المحكمة كما هو وارد في نظام روما.
المسألة الوحيدة التي ينتظرها المدعي العام هو انفاذ المادة (19/3) من نظام روما والتي تنص على " للمدعي العام ان يطلب من المحكمة اصدار قرار بشأن الاختصاص او المقبولية وفي الاجراءات المتعلقة بالاختصاص او المقبولية يجوز ايضا للجهة المحلية عملا في المادة(13) وكذلك للمجني عليهم ان يقدموا ملاحظاتهم الى المحكمة"
أي ان قرار المدعي العام يحتاج الى موافقة الغرفة الاولى في المحكمة(هيئة قضائية) التي ستقرر الاستماع ان لزم الامر الى الدولة المحيلة وهنا فلسطين او الى المجني عليهم وهنا أي طرف تضرر من ارتكاب جرائم وفقا لما ورد في نظام روما الاساسي.
أي ان قرار فتح التحقيق قد تم ولكنه لن يخرج الى التنفيذ ما لم يحصل المدعي العام على موافقة الغرفة الاولى(هيئة قضائية) في محكمة الجنايات الدولية على مباشرة الاختصاص ونطاقه وهذا مسار اخر سيقوده بكل تاكيد المدعي العام ودولة فلسطين بما لديها من معلومات او أي طرف اخر قد يمارس هذا الدور وهنا من الممكن الحديث عن أي جهة تدعي انها مجني عليها (ليس فقط الفلسطينين بل الاسرائليين او أي من تضرر من الجرائم التي ارتكبت على ارض دولة فلسطين).
في حال وافقت الغرفة الاولى(هيئة قضائية) على تحديد مفهوم الاختصاص والمقبولية فان المدعي العام سيباشر في التحقيق أي ان البيان يتحدث عن فتح التحقيق والمباشرة فيه مرهون في السماح بممارسة الاختصاص وفقا لما ورد في المادة(19/3) من نظام روما.
البيان الصادر عن المدعي العام لا يشير الى ان التحقيق سيشمل فقط الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال بل يشمل أي جريمة ارتكبت على ارض فلسطين بغض النظر عن الجهة.
ان اتخاذ دولة فلسطين مسار الاحالة يعني انها منحت محكمة الجنائية الدولية من خلال المدعي العام فتح تحقيق شامل في كافة القضايا التي قد تصنف على انها جرائم وفقا لنظام روما، أي ان للمدعي العام ان يطلب او يحقق مع أي جهة فلسطينية او اسرائيلية او غيرها في أي من المسائل المتعلقة بقرار الاحالة وللمدعي العام ان يستعين باي مصادر موثوقة من منظمات حقوق الانسان والمنظمات الاممية.
القرار يمثل نقله نوعية في مواجهة الجرائم الاسرائيلية واهمها جريمة الاستيطان ونقل السكان والقتل العمد والتهجير والاحتجاز دون محاكمة عادلة واية جرائم ارتكبت او ما زالت ترتكب عل ارض دولة فلسطين. بالمقابل فان للمدعي العام ان يسمع ايضا من أي طرف أي ادعاءات او معلومات تتعلق بارتكاب أي جهة فلسطينية اية جرائم تدخل في اختصاصها.
ما اود قوله ان القرار يشمل امكانية ملاحقة فلسطينين ارتكبوا جرائم وفقا لنظام روما وليس فقط الاسرائيلين، على القيادة الفلسطينية ان تعلن ذلك وتوضح ذلك للمجموع الوطني.
اعتقد جازما ان الرئيس محمود عباس وعندما طلب من جميع الفصائل التوقيع على الموافقة على الانضمام لنظام روما كان يدرك محاذير الانضمام، وخطورة اللجوء الى مبدأ الاحالة وفقا لنظام روما.
ان جوهر القول في هذا المقام ان الاحالة كما انها تحمل تجاوز كثير من العقبات التي واجهت دولة فلسطين في ملاحقة الجرائم الاحتلالية، فانه بذات الوقت يحمل مخاطر ملاحقة عدد من القادة الفلسطينين كذلك.
كما ان هذا القرار يعني ان جزء هام من الصراع سيتحول الى صراع قانوني لا يحتمل معه الخطا ولا يمكن للفصائل الفلسطينية ان تبقى تتصرف خارج حدود هذه المعطيات الجديدة، أي انها تحتاج الى اعادة صياغة المشهد المقاوم ان جاز لنا التعبير.
كما نعلم ان اسرائيل تملك جيش من الخبراء القانونيين والمتخصصين لمواجهة التحقيق ومن ثم الملاحقة القانونية، امل اننا في هذه المرة قد جهزنا انفسنا جيدا لمواجهة هذه المرحلة ان مضت كما نعتقد ونجحنا في الحصول على موافقة الغرفة الاولى(هيئة قضائية) في مسألة الاختصاص. كي لا نتحول من ضحايا الى متهمين وملاحقين امام المحاكم الدولية بايدينا وبقرار فلسطيني.
نعتقد اننا بحاجة الى نقل الملف الى الكل الوطني المختص وعدم ترك الملف لدى وزارة الخارجية الفلسطينية "مع الاحترام والتقدير للجهود المهمة التي ابدتها الخارجية وطواقمها في هذا المجال "نحتاج الى فريق عمل مدعوم من الدول العربية والاسلامية والصديقة وعلينا التركيز على الخبرات الفلسطينية في هذا المقام.
علينا ان نكون صريحين مع شعبنا بمحاذير هذه الخطوة ومساراتها لئلا يحصل معنا كما حصل ويحصل في الانضمام للاتفاقيات الدولية والمواثيق الاخرى.
ان الدخول في هذا الميدان القانوني يعني ان لا مجال للتراجع او سوء التخطيط او ادارة الملف باي شكل ارتجالي انها معركة قانونية من نوع مختلف أي خطا فيها قد يؤدي الى وصم المقاومة وتضحيات شعبنا بجرائم تصنف ضمن الملاحقة القانونية الدولية مما يعني اننا نكون امام خيارات جد صعبة وخطيرة.