الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا دعم المخيمات ضرورة؟

نشر بتاريخ: 22/12/2019 ( آخر تحديث: 22/12/2019 الساعة: 20:46 )

الكاتب: كايد ميعاري

أعاد قرار رئيس الوزراء د. محمد اشتية تسديد فاتورة الكهرباء عن المخيمات الفلسطينية ضمن حدود امتياز شركة كهرباء القدس المخيمات الفلسطينية إلى الواجهة مجموعة من التساؤلات التي تدلل على مجموعة قضايا هامة يجب الاهتمام بها على مختلف المستويات السياسية، والقانونية، والمجتمعية، والإعلامية، وتتمثل بالتالي:
أولا: تآكل رمزية المخيم
تسديد فاتورة كهرباء المخيمات لم تكن قضية خلافية على المستوى الشعبي او النخبوي كما هي اليوم. فمنذ قرار الرئيس الراحل ياسر عرفات تسديد فاتورة الكهرباء عن المخيمات أصبح ذلك من " التابوهات" التي لا يمكن المساس بها واستمرت الحكومات في هذه السنة حتى توقفت خلال ولاية الحكومة السابعة عشر. ولا يمكن النظر لتآكل رمزية المخيم بمعزل عن السياق الفلسطيني العام فما أصاب المخيم أصاب كافة الثوابت الوطنية الفلسطينية بسبب تغير أولويات المجتمع الفلسطيني وتوجهاته وكذلك انتماءاته.
ثانيا: إشكالية الكهرباء
إشكالية شركة القدس ليست متوقفة على ديون المخيمات الفلسطينية بل أيضا تشمل كبار المشتركين الذين تصل فاتورتهم غير المسددة. ووفقا لشركة كهرباء القدس فان مجمل ديون الشركة على المستهلكين تصل إلى حوالي 800 مليون شيقل، منها 500 مليون شيقل على مستهلكين في المخيمات، و300 مليون خارج المخيمات منها 100 مليون على مستهلكين كبار: مصانع، ومناشير حجر، وتجار، مديونية الواحد منهم مئات آلاف الشواقل، وبعضهم تتجاوز مديونيته 800 ألف شيقل، وبعضهم نقل عمله الى المخيمات للتهرب من دفع ثمن استهلاكه من الكهرباء.
لكن صحيفة الحياة نشرت تقريرا للصحفي أيهم أبو غوش قال فيها إن فاتورة كبار المشتركين تصل الى 120 مليون شيقل سنويا وهو مبلغ يفوق ديون المخيمات التي تقدرها الشركة ب 96 مليون شيقل سنويا فيما تقدرها وزارة المالية الفلسطينية ب 24 مليون شيقل فقط سنويا. إذن، لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل فاتورة الكهرباء في المخيمات مسؤولية قطع الكهرباء عن الأماكن الأخرى بل هي ازمة أكثر تعقيدا من دين هنا او هناك.
ثالثا: لماذا دعم المخيمات ضروري؟
هناك اتجاهين تصدرا المشهد الإعلامي الفلسطيني من قضية تسديد فاتورة الكهرباء عن المخيمات، الأول كان مهني وتحدث عن القضية من منظورها التقني وطرح مجموعة من البدائل الممكن من خلالها تقليص حجم الديون على المخيمات وإيجاد اليات تسديد ودعم مؤسسة للعائلات التي تسكن داخل المخيمات ورفع الغطاء عن أي منشآت تجارية او صناعية.
فيما بنى التوجه الثاني رفضه على أساس جغرافي وهو شكل آخر من اشكال التمييز السلبي تجاه سكان المخيمات، وجاء هذا التوجه بناء على مجموعة من الممارسات الشخصية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تعميمها على 41% من سكان دولة فلسطين وهي نسبة ما يشكله اللاجئون من مجموع سكان فلسطين. غالبيتهم مازالوا يسكنون داخل 19 مخيما معترفا به من الأونروا داخل الضفة الغربية.
وللإجابة على السؤال المثار حول ضرورة دعم المخيمات فذلك لسببين الأول اقتصادي وتنموي حيث تشير احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى ان الفجوة ما بين اللاجئ وغير اللاجئ في المجتمع الفلسطيني من حيث المؤشرات الاقتصادية في تفاقم مستمر. فعلى سبيل المثال لا الحصر وصلت نسبة البطالة وسط اللاجئين الى 40 بالمئة فيما وصلت في وسط غير اللاجئين الى 24%، وهناك 23% من اللاجئين يعيشون تحت الفقر المدقع فيما وصلت النسبة الى 12 بالمئة وسط غير اللاجئين. وهو ما يعني أن فكرة أن سكان المخيمات هم اقل حظا في الوصول الى الخدمات وسوق العمل وغيرها من الحقوق المدنية غير المرتبطة بالحقوق السياسية اقل وبالتالي يجب ان يكون هناك تدخل لردم هذه الفجوة الاقتصادية لما تشكله من اختلال كبير في عملية التنمية وتؤثر سلبا على الانسجام والترابط المجتمعي.
أما العامل الآخر الذي يجعل من دعم المخيمات ضرورة هو العامل الوطني خاصة في هذه المرحلة السياسية حيث أضحى الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية الحالية وكذلك الحكومة الإسرائيلية التخلص من المخيمات ضمن أولى اولوياتهم ولأجل هذا الغرض يعملون ليل نهار إلى تدمير وكالة الأونروا من خلال عدة أدوات كالحصار المالي وكذلك تعزيز شبهات الفساد حولها لثني الدول الداعمة عن الاستمرار بدعمها. إضافة إلى بدء الاعلام الإسرائيلي لحملة ممنهجة تهدف الى تعزيز الفجوة ما بين سكان المخيمات والنظام السياسي الفلسطيني ومن تابع برنامج " الجيل الرابع من اللاجئين" الذي بث على قناة كان الإسرائيلية يدرك تماما أن المطلوب نزع رمزية المخيم الوطنية والسياسية بالتزامن مع التضييق عليها اقتصاديا وماليا.
رابعا: هل أخطأت الحكومة؟
لا اتفق مع توضيح الناطق الرسمي باسم الحكومة إبراهيم ملحم الذي صرح في معرض توضيحه لقرار رئيس الوزراء د. محمد اشتية تسديد فاتورة الكهرباء عن المخيمات ان هذا القرار يأتي لحل ازمة شركة كهرباء القدس وعوم القرار تحت وطأة موجة تصريحات غزت وسائل التواصل الاجتماعي عقب صدور القرار. كما أشرنا في الفقرة السابقة عن المعطيات الوطنية والاقتصادية التي تشير الى ضرورة دعم المخيمات وكذلك باقي الفئات المهمشة كما هو الحال في الخدمات التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية. بل على العكس اعتقد ان اليات دعم المخيمات من قبل الحكومة محدودة جدا وقد تقتصر على دعم قطاع الطاقة في المخيمات ذلك لأن أي تدخل في قطاعات أخرى تعتبر من مهام وكالة " الأونروا" يعني بدء تخلي الأخيرة عن مهامها ومسؤولياتها تجاه المخيمات وبالتالي تصبح خيارات الحكومة اضيق في دعم المخيمات ويكاد يقتصر على جانبين أساسيين الأول: قطاع الطاقة والكهرباء، والثاني: مساعدات اغاثية بين الفينة والأخرى. مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المهنية والتقنية التي أوصى بها مجموعة كبيرة من الخبراء ويمكن من خلالها مأسسة واستدامة عملية التسديد والدعم في آن واحد.
رئيس تحرير منصة من المخيم