الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الطبيعة تكره الفراغ

نشر بتاريخ: 30/12/2019 ( آخر تحديث: 30/12/2019 الساعة: 13:14 )

الكاتب: رامي مهداوي

حالتنا الفلسطينية حدّث ولا حرج، تعاني من اختلالات بنيوية على كافة الأصعدة، أدى ذلك إلى حدوث تصدعات في مختلف الجوانب لتظهر فراغات متعددة، تلك الفراغات سمحت لأي فرد و/أو مجموعة بالبروز كبديل لما هو غائب.
غياب كل من الأحزاب، المثقف، المجلس التشريعي ومؤسسات المجتمع المدني من جهة وضعف القضاء والسلطة التنفيذية بمناطق معينة من جهة أخرى أدى إلى بروز أفراد جدد لم يكن لهم حُسبان يوماً ما بالظهور ضمن حسابات المُحاصصة وإنشاء التحالفات وشراء الذمم والأبوية؛ وأيضاً صعود مجموعات المصالح التي تهتم أولاً وأخيراً في كيفية زيادة رأس المال الخاص بهم، وأخيراً والأهم العودة الى المربع الأول وهو العائلة والعشيرة.
يجب أن نعترف بأن مشهد العشائر في الخليل للمرة الثانية على التوالي بتدخلها في قضايا السلطة والحكومة التي كان أولها الضمان الاجتماعي ثم اتفاقية (سيداو) مؤشر خطير على مفهوم طبيعة الدولة المدنية التي نريد، وما حدث في جامعة النجاح مع الفنانة عشتار وعلى الرغم من الاعتذار الذي تُشكر عليه الجامعة له دلالات أيضاً بطبيعة المرحلة التي وصلنا لها والى أين نحن مُتجهون؟!
أخطر ما حدث في مشهد العشيرة وعشتار هو غياب المثقف واختفاء الأحزاب وسكوت السلطة، كان عليهم جميعاً أن يتعاملوا مع مثل هذه الأحداث برد طبيعي وسريع لأنه يؤسس لحالة من الظلامية وخطف الرؤيا المستقبلية لأي تطور بما يتلاءم مع أجندات غير شمولية؛ لكن وكما ذكرت بأن التصدعات أوجدت حالة الفراغ، وكما قيل إن العقل لا يقبل الفراغ فإذا لم نملأه بالأفكار الإيجابية فسوف تملؤه الأفكار السلبية.
قال أرسطو، الطبيعة تكره الفراغ فإذا لم تملأه المؤسسة، سيملؤه غيرها، لذا فإذا لم نقم بما علينا من تحديث وتجديد للبنى المؤسساتية وأهمها التشريعي والرئاسية، فإن غيرنا سيملؤه وفقاً لمصالحه، الجميع يتحمل مسؤولية الفراغ، والجميع ينتظر التطورات لتنعكس على الخطوات القادمة، بالتالي فقدنا الحفاظ على ذاتنا وقيمنا وأخلاقنا والأهم الحفاظ على وجودنا كشعب حر يناضل من أجل حق تقرير المصير.
أخشى بأن المواطن اصبح جاهزاً لتقبل فكرة الفراغ، فإضافة إلى الفراغ الجماعي في مواجهة الاحتلال، والى الفراغ الحاصل ضمنا في المجلس التشريعي، يبدو ان ضعف النظام السياسي الفلسطيني حضّر الناس نفسياً لفكرة ان لا دولة تحت الاحتلال وتاليا حتمية الفراغ.
ما أشاهده عند خروجي من محافظة رام الله والبيرة بأن الفراغ قد وصل لمرحلة المأسسة وهو الآن في مرحلة بغاية الخطورة على مستوى الدولة والمواطن الذي يشعر في حال الفراغ بأن أحداً لن يحاسبه ما يؤدي بطبيعة الحال الى أن تصبح مخالفة القوانين والأنظمة أمراً عادياً، دون أي رادع بل ويتم التفاخر به بأنه فوق القانون، فالفراغ يشرّع الفوضى.
لا أعلم ان كان الفراغ جزءا من عملية التدمير ضمن مخطط ضياع القضية الفلسطينية بالتالي هو فعل مدروس بأن نطلق النار على ذاتنا بأيدينا، وخصوصاً بأن المستفيد من الفراغ يكون في العادة القوة الأقوى بالميدان على أرض الواقع، لأنه يستطيع القيام بما يريد وفرض أفكاره وإرادته على الجميع، لهذا أقول بصوت مرتفع محذراً الجميع، إن الفراغ سيوصلنا إلى شريعة الغاب.