نشر بتاريخ: 04/01/2020 ( آخر تحديث: 04/01/2020 الساعة: 15:42 )
الكاتب: د.مازن صافي
بعد ساعات من الاعلان الرسمي عن اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني واكثر من 12 مسؤول في موكبه، أعلنت بعض الدول المعنية رفع درجة الطواريء والدعوة لاجتماع مجلسها القومي والعسكري وخاصة اسرائيل وايران، واخبار اعلامية تتحدث عن تفعيل واشنطن لادواتها العسكرية العملاقة وبعضها يتجه نحو الشرق الاوسط، هذا السيناريو الذي أعد مسبقا، وكانت ايران تتوقع اغتيال مسؤولها العسكري نتيجة ارتفاع وتيرة التحريض الاسرائيلي والامريكي ضده، يمكن ان يفتح على سيناريوهات "ردود افعال" بعضها ضمن الاحتمالات واخرى قد تكون مفاجئة، وايران التي تعتمد على سياسة الرد خارج اراضيها قد تعمد لاستهداف مصالح امريكية واسرائيلية، وقد تكون محدودة التأثير ولكن يرافقها صخب اعلامي، وقد يتم انتظار فرصة قنص تكون بحجم اغتيال سليماني ومرافقيه، في كل الاحوال لا اتوقع اندلاع حرب مفتوحة في منطقة الشرق الاوسط، ولا اتوقع ان تعمل ايران على اطلاق شرارة تلك الحرب لان نتائجها ستكون كارثية اكبر من عملية الاغتيال، ان الساعات والايام القادمة كفيلة ان تترجم ما تم في عملية الاغتيال.
بهذه المقدمة يمكننا أن نذهب الى قراءة "إحتمالات" الأحداث القادمة، وبداية علينا أن نعيد التذكير بأن الاتفاق النووري الأمريكي الايراني وبمشاركة عدة دول كان في 2015 بولاية باراك أوباما، وقد انتهى الاتفاق فعليا في 2018 في عهد ترامب، ومن يومها أعلن ترامب أن "إيران" راعية للارهاب وأنها توظف الاتفاق من أجل بناء منظومة نووية تشكل خطرا على المنطقة والعالم، وهنا يقصد تحديدا "اسرائيل"، ولقد أعلنت أيضا أن اغتيال الجنرال سليماني، القيادي المحوري للنظام الإيراني، ضمن الأهداف الأمريكية، وقد تم هذا خلال الساعات الماضية، وقد نقلت الكرة الملتهبة والساخنة جدا الى الملعب الايراني، وأصبح العالم يترقب ردود الفعل الايرانية سواء الاعلامية او العسكرية او الالكترونية أو تهديد المصالح الأمريكية وحلفاء أمريكا وتحديدا "اسرائيل" على اعتبارها أهم المستفيدين من اغتيال سليماني.
ادارة ترامب والتي تجاوزت موافقة الكونغرس، أرادت أن تدير معركتها الداخلية خارج الأراضي والمؤسسات الأمريكية، وبالتالي لم يعد لرفض الكونغرس او تحفظه على العملية أي تأثير، فالحدث قد تم، وبالتالي هل نحن الان أمام سيناريو مواجهة علنية بين واشنطن وطهران، وهل تعزز عملية الاغتيال موقف ترامب داخل أمريكا أو تضعفه، ربما الاجابة تأتي مع طبيعة الرد الإيراني.!!
ايران التي تعتمد الضربات خارج بلادها، اتهمت بأنها تجاوزت الحدود في أحداث السفارة الأميركية في بغداد، وأعادت التذكير بسيناريوهات مشابهة مر عليها أكثر من اربعة عقود من الزمن، ومرة ثانية تضع ايران نفسها أمام اختيار دقيق وربما في الموقف الأصعب منذ الحرب الأمريكية على العراق وانهاء حكم صدام حسين ودخول ايران العراق وتغييرها لمعادلات لم تكن أبان حزب البعث العراقي، فهل عملية الاغتيال ستساعد في انهاء الوجود الايراني في العراق أم تعزز وجوده بأسلوب مختلف ووفق معادلات دقيقة أخرى ..!؟
ايران قامت بعد ساعات وقبل تشييع جثمان سليماني، بتعيين نائب سليماني خليفة له، فهل لهذا علاقة بطبيعة الرد الايراني "الرد في الوقت والمكان والمناسبين"، أو البدء باعلان "الحريق الشامل"، أم كإحدى معادلات البدء في استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة وخارجها والدخول في مواجهات قد تكون منضبطة وتنتهي لحرب مفتوحة، وهنا يبرز السؤال، هل تنتقل المواجهة من جغرافيا حلفاء ايران الى داخل ايران نفسها، وكيف ستكون تلك "الحرب"، وهل ستصمد ايران في حال الهجوم الامريكي الكارثي، وهل سيكون رد الفعل العسكري الايراني موجها بإتجاه اسرائيل، وبالتالي العودة لسيناريو العراق 1990 وما تلاه من احتلال للعراق وخسائر امريكية بالالاف ومئات المليارات من التكلفة العسكرية السنوية ..!؟
ان العالم يحلل الان ويتابع ويتوقع الكثير من السيناريوهات، وربما يفتح المجال لدور صيني روسي فرنسي متقدم، وهناك ايضا رسائل ساخنة متبادلة وبعضها يحمل صيغة التهديد أو طلب الهدوء لكي لا يتم نزع الصاعق واعلان بدء الحرب والمواجهة المباشرة او الاستنزاف الذي سيطال جغرافيا المنطقة مع مرور الوقت، وهناك تمنيات بأن يتم حدوث " مفاوضات" حول قضايا حساسة وهامة، ومنها ربما العودة للاتفاق النووي 2015، ومنح ايران امتيازات اقتصادية كبيرة، وهذه احتمالات تبدو الان ضعيفة ولكنها ممكنة، وربما تتاح بعد استيعاب رد فعل ايراني عنيف، يتخلله ضبط امريكي لرد الفعل ومحاولة فتح ثغرات يمكن أن تبدأ بها وضع معادلة جديدة في العلاقة الامريكية الايرانية، وتجنب الجميع الكارثة "المنتظرة" ..!؟
ومن الأهمية أيضا توقع أن يكون رد الفعل الايراني موجها الى بعض دول حلفاء أمريكا، على اعتبار أن ذلك يعزز اعادة هيبتها في المنطقة، وتستمر في دورها وخاصة أنها دولة توسعية تطمح بالامتداد خارج ايران وهناك معيقات كثيرة تحول دون ذلك، فهل ستتمكن من ذلك وفق فتح جبهات مختلفة وهل سيكون رد الفعل الايراني "مقبولا" داخل ايران التي لا تخلو أيضا من خلافات داخلية،
في النهاية إن المنطقة في حال تصعيد وانتظار مع فتح كل الاحتمالات والسيناريوهات، حتى تعلن الحرب أو يتم تجاوزها بإجراءات أخرى ربما تبقى المنطقة في حالة استنفار دون وقوع الكارثة وفي انتظار ترتيبات جديدة، خاصة أن هذه الترتيبات لن تكون بعيدة عن ترتيب نتائج الانتخابيات الاسرائيلية القادمة والامريكية.
د.مازن صافي/ كاتب ومفكر سياسي
[٢:٤٠ م، ٢٠٢٠/١/٤] 970 592 060 462: مرحبا احمد