نشر بتاريخ: 07/01/2020 ( آخر تحديث: 07/01/2020 الساعة: 11:22 )
الكاتب: عماد عفانه
بغض النظر عن ميل موازين القوى بين هذا الطرف أو ذاك فستبقى الموازين مختلة.
الإمبراطورية العسكرية الامريكية التي تسندها قوة كبيرة على مختلف المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية، لم تصنع للتسلية بل صنعت لإدامة السيطرة.
تمتلك الولايات المتحدة من القوة ما يكفي لإلحاق أضرار جسيمة بأي من أعدائها سواء روسيا او الصين أو إيران أو غيرها، لكن هذا لا يعني أن أي من خصومها لا يستطيع إلحاق الأذى بالولايات المتحدة.
لذا وبميزان الربح والخسارة وعلى طريقة التجار التي باتت تحكم علاقات أمريكا في عهد ترامب، أمريكا لا ترغب بتحمل الخسائر، ومصلحة أمريكا ومصلحة ترامب الانتخابية مقدمة على مصالح أي دولة ترغب باستخدام أمريكا لتدمير خصومها، لذا فأمريكا باتت تخوض الحرب بجنود وأموال الآخرين، ولكن بالأسلحة الامريكية للحصول على الوظائف والمكاسب، كسبت الحرب ام خسرت فستبقى هي الرابح في حرب المصالح.
والسؤال الواقعي في هذه الحال: هل أمريكا بصدد خوض حرب مع إيران حقا أم أن دواهي الإمبراطورية يستخدمون إيران كفزاعة للاستمرار في الاستعمار الناعم للمنطقة العربية وحلب ثرواتها النفطية ومدخراتها المالية، في مقابل تزويد شرطي المنطقة "اسرائيل" بأحدث أنواع الأسلحة التي يشتري العرب أقل منها بأبهظ الأثمان.
لكن كيف يمكن لنا في حالتنا الفلسطينية الاستفادة من ذلك:
أولا: لا يجب على أي جهة تحارب الامبريالية الأمريكية وربيبتها الصهيونية والى جانب الانشغال الكبير في مراكمة مختلف أسباب القوة المادية، لا ينبغي لنا البتة اغفال أسباب القوة المعنوية والتي ينصر الله بها اقوام ويذل اخرين.
وأولى أسباب القوة المعنوية هو العدل بين الناس، وسهر المسؤولين على راحة الشعب، ومحاربة الفساد بكل قوة كخطوة أولى نحو نصب ميزان العدل.
ولا يستقيم ميزان العدالة دون اعادة تقييم السياسات ضد الفساد، وإغلاق كل الثغرات القانونية والأمنية التي ينفذ من خلالها الفاسدون.
ولابد أن يمر ذلك بإعادة النظر في طريقة توزيع المزايا المادية والمعنوية بين الناس، فحسن توزيع المزايا هو المفتاح الذهبي لفتح قلوب الناس نحو التكامل والتكاتف والتضامن.
قوة أي مجتمع لا تقاس بما يمتلك من الصواريخ والطائرات، وإنما تنبع من قوة تماسكه، لذا يجب إيلاء عناية خاصة للفئات التي تشعر بالظلم، فالخطابات الرنانة لا تكفي أبدا لصنع حاضنة شعبية قوية، بل قد يكون مفعولها سلبيا إذا كانت الأفعال على نقيض الأقوال.
ثانيا: العدو ليس جبهة واحدة، وهو ليس على قلب رجل واحد، ومن السهل العمل على تفتيت مواقف الجهات التي تشكل سندا له، إذا وضعنا خطة واقعية والتزمنا بتنفيذها بمنهجية صبورة.
لذا من المهم لنا اللعب على وتر تفاوت المواقف الأوروبية من قضايانا، وانتهاج طرق عمل تزيد في تفتت مواقف الأوروبيين عن التماهي مع المواقف الصهيونية.
ثالثا: وكما يتقن العدو صناعة الفزاعات لتحقيق مصالحه في الدول الخائفة والضعيفة، يجب علينا كذلك صناعة الفزاعات الخاصة بنا، كفزاعة دخول المقاومة في حلف يمتد من إيران مرورا باليمن والعراق وسوريا وليس انتهاء بلبنان وصولا الى غزة، وذلك لدفع الصهاينة وأعوانهم في المنطقة إلى التفكير بالتطورات المستقبلية والأضرار التي يمكن أن تلحق بهم على كافة الجبهات، وحبذا لو كانت هذه الفزاعة حقيقية لحماية المقاومة من الضرب والاستنزاف بين الفينة والأخرى.
سلاح الجو مهما كان متفوقا لا يحقق نصرا ولنا في تجربة أمريكا في فيتنام أكبر برهان، ولا الصواريخ يمكن أن تمسح شعبنا، ولنا في فشل تجربة الضاحية في حرب 2006 برهان كذلك، ولكن الزحف البري في عمق جبهات العدو يمكن أن يعطل جل أسلحة العدو التي يعتمد عليها في حماية ذاته، فضلا عن امكانية انهيار جبهته الداخلية، فشعب استوطن هذه الأرض على فرضية أنها واحة الأمن، يمكن أن تشرده زمر المقاتلين الذي يمكن ان يباغتوه عبر الانفاق التي حفرتها المقاومة بالدم والأظافر.