نشر بتاريخ: 07/01/2020 ( آخر تحديث: 07/01/2020 الساعة: 12:10 )
الكاتب: المتوكل طه
تَزوَّجها بعد قصة حبٍّ مُتَوَهِّجَةٍ، فصارت دُميَتَهُ وأرجوحَتَهُ وعصفورةَ شجرته. وجاءته السعادةُ راقصةً. وبقيَت على لسانه كلماتُ أُغنيَتِهِ التي يُرَدِّدُها، فيُشِعُّ وجهُهُ مع ذِكْرِ اسمِها.
لم تنطفئ شرارةُ النارِ في دَمِهِ، فكان عناقُهُما ساحرًا وطويلًا، حتى أنه ربط أحلامَه بنومِها، ولم يكن قلبُهُ يُنصِتُ إلا إليها.
والحبُّ مرضٌ مثير! يجعلُ صاحِبَهُ يرى الخالقَ، فيُطْلِق فؤادَهُ حمامةً للسماء.. لِيَظلَّ رنينُ الأجراسِ في ضلوعه، أو يدفعه مثل قاربِ الورق ليُبْحِرَ على سواحلها الشهيَّة.
والصيّادُ عَبدٌ للطريدةِ لأنه يتبَعُها.
فهل تغيَّر شيءٌ؟ ولماذا بات البَرْقُ الذي يَحْتَكُّ بجسديهما أسوَدَ؟ وها هي وحيدةٌ مثل نجمةٍ هربَتْ من غَبَشِ الفجر.
الصمتُ عِقاب!
ما الذي جرى؟ ولماذا فَتَرَت الينابيعُ المُتَدَفِّقَةُ الحارّة؟
ازاداد شُرودُها، وأضحت مُوَزَّعةَ الأهواء، وسرحت.. حتى غابت عمّا حولها!
ما بِكَ يا حبيبي؟ وكيف تُسْبِلُ ذراعَيكَ وأنت تدخل غرفتي دون أن تُطَوِّقَني وتغمرَني وتتناسخَ مثل غيمةٍ ساخنةٍ على جسدي؟
لم يَنظُرْ إلى وجهها، ولم تَلْتَقِ العيونُ لِتَشُدَّ بِحِبالها الجسدين، فيتمرَّغا ويَذُوبا.. إلى حدِّ النوم.
النوم!
قال لها، وهو يتطلَّعُ عبر الشُّرْفَة إلى اللا شيء؛ رأيتُ فيما يرى النائم أن امرأةً دخلت، وطلَبَت أن أعرض أمامها بضاعتي.. لكنها، فجأةً، سَحَبَتني نحو المخزن، فتعرَّت وانهَمَكَتْ في تناول أشيائي.. إلى أن انتهت، فاستيقَظْتُ، فوجدتُّني مُمَدّدًا بجانبِكِ!
تقولُ إنه كان حُلمًا ؟
نعم.. ولم يَقُلْ كالعادة "يا حبيبتي"
بعد بضعة أيامٍ سَأَلَتْهُ؛ ما بِكَ يا حبيبي؟
قال: لقد تكرَّر الحُلْمُ مع امرأةٍ أخرى، كانت أكثر نَهَمًا.. حتى تَرَكَتْني جُثّةً هامدة!
تقولُ، أيضاً، إنه حُلْمٌ يا حبيبي؟
أجاب: نعم.. ولم يُردِفْ ب "يا حبيبتي" ..
ومرَّتْ الأيامُ ثقيلةً، وسألَتْهُ؛ ما بكَ يا حبيبي؟
آوه! لن تُصَدِّقي.. إنه الحُلمُ ذاتُه، بات يتكرَّرُ مع عددٍ لا حصرَ لهُ من النساء اللواتي يأتينَ إلى معرضِ بَيْعِ الملابس.. فيأخُذْنَني ويشرَبْنَ آخر قطرةٍ من مائي.. حتى أتشقَّق! والغريبُ أنني أكونُ سعيدًا مُستَمْتِعًا.. غير أنني، وبعد أن أثوبَ إلى رُشدي، يَخِزُنِي ضميري، ويُوَبِّخُني.. فآتي إليكِ لأعترِفَ بذنبي...
لكنكَ تقولُ إنَّهُ حُلم! فلماذا تشعرُ بعذابِ الضمير؟ إنَّ الأمرَ يَتِمُّ رغمًا عنكَ وأنت نائم...
لم يُجِب!
بعد شهرٍ تقريبًا، وَجَدَها قد غادرت انكسارَها، وأضحَت نضِرَةً كما كانت، ناشطةً مُتَفَتِّحَةً، بكامل حَيويَّتِها!
فسَألَها باستغرابٍ؛ ها أنت تعودين جَذِلَةً فتيَّةً!
أجابَتْهُ؛ إنَّهُ الحُلم!
أيُّ حُلمٍ يا حبيبتي؟
قالت: رأيتُ - فيما يرى النائمُ - أنَّ رَجُلًا تغشّاني، وأخذني، وانصهَرَ بي.. ولمّا استَيقَظْتُ رأيتُني نائمةً بجانبك، وأنا مِثلُ سَهْلِ نرجسٍ شتويٍّ فوّاح!
هل قُلْتِ إنه حُلم؟
قالت: نعم.. ولم تَقُلْ "يا حبيبي".. وأدارت له ظهرَهَا، ومَضَتْ هادئةً مثل أفعى..
اتَّجَهَ نحو باب البيت، وخرَجَ مُنْفَعِلًا، بعد أن رَدَّ البوابةَ بِعُنْفٍ.. ووَجْهُها يتراءى أمامَهُ وهي تقولُ بدلعٍ واضحٍ: إنَّهُ مُجَرَّدُ حُلمٍ مثل حُلمِك ...