نشر بتاريخ: 11/01/2020 ( آخر تحديث: 11/01/2020 الساعة: 18:36 )
الكاتب: وائل خليل
بقلم: وسام هاشم لم يكن اختيار الصمت هدفا معلنا للشعر في اقل الاحتمالات واسوا الأحوال، نتذكر هنا تلك الصرخة الخرساء عند آرتو أو صمت رامبو وبياض ورقة مالارميه.
نحن إزاء صمت اشد ايلاما من الصراخ في حالة نداء يونس، إذا، حين تقرأ نصوصا شعرية لشاعر من مناطق الوجع العتيق العميق عليك ان تجهز ثلاث عدد من الألم والأسى، هي في حالة [ كتابة الصمت] عدة الوجع الفلسطيني الذي بات صامتا، وعدة المكوث بقرب قاتلك بصمت، وعدة البوح المكتوم في قفص الذات ، ذات نداء يونس هنا،
ثلاثة أسباب من الصمت تتحكم في هذا الكتاب وتبرر له العنونة الهادئة لكن المريرة وإذا ما أخذنا بالاعتبار [فكرة تحرير الإنسان من عادات الكلمة ] عند بيكيت يصبح لزاما علينا اثارة السؤال النقدي الأساس بل الأول عن ماهية المتعة التي يخلفها النص الأدبي في ذات قارئه؟ أو لنقل كم من اللحظات التي يبهرنا النص فيها أو العكس ربما،
ولاننا نتحدث عن صمت مكتوب سنجد أنفسنا امام إخفاء مقصود وبعناية شديدة واستعارات مقصودة أيضًا، كما في استبدال الزمن والأسى الفلسطيني بالهم البابلي والسومري وبالخمسة آلاف عام .. تقول الشاعرة :
اعرف أجدادك أيها السومري
وتعرف أولادي القادمين
على يدك ...
وفي مكان اخر ليس بعيدا عن هذا تكتب ..
ليل في سرير
منذ خمسة آلاف عام
أو يزيد،
هذه اللحظة
وكما يتضح من الإشارة الى الزقورة وعشتار فانها تنبهنا الى أن ..
"الإله خارج بيته دائما"
أو الى:
"أعد حتى الألف الخامس قبل الميلاد"
ان مقاربة أو مقابلة صمت الوجع الفلسطيني بهذا الكم من الأعوام وفيا ووافيا لحالته، ولعل نداء، وبدراية، تختار استبدال او لنقل استكمال الأشياء بما يقابلها من الأسطورة مستعينة بالنخل والطين والتمر وعشتار والسومري وكآنها تريد ان تقول لنا ان الوجع طويل وممتد في الزمن والجغرافيا،
ان الصمت الثاني هو في صمت الذات الشاعرة والكتمان قريبا من المغاير والمختلف وبعيدا عن السائد، كما في ..
"لو كانت معي يداك
كنت استلني من رغبتي
وأقشر الليل ال بيننا
الى الأبد"
او كما في ..
"خذيني أيتها الرغبة
فانا بحاجة الى
سيد"
أو في اعتماد وتكرار كلمة "ارومة" بحيثية بارعة في اكثر من موضع.
تدرك الشاعرة جدوى الصمت لكنها لا تتخلى في الوقت نفسه عن الصوت وأغاني الحب حتي انها تربط حدوثها كذات كاملا بها..
"فاكتب لي الأغاني ياحبيبي
كي احدث"
او بما يشبه دعوة مضادة لعنوان الكتاب الأساس "كتابة الصمت"،كما في ..
" كي تترك غابة
عليك ان تحرقها،
كي تترك اللغة
عليك ان لا تصمت"
يساند هذه الدعوة المضادة انها تصرح في موضع اخر
" الصوت معبد "
وكأنها تريد توكيد ماذهب اليه رولان بارت في "سأعرض البصري وسيكون هذا من الآن فصاعدا احتجاجي الوحيد"
وحين تستمر الشاعرة في مسعاها لتأسيس احتجاجاتها الخاصة إنما تستثمر قدرة اللغة في قلب معادلة الصمت كما في تمجيدها، في المقطع الواضح التالي، الشمعة، بلعن ما حولها كما لو انها تمجد الصمت بلعن الضجيج..
" الدمع اسود
الليل اسود،
الحلم اسود،
لا اعرف لونا آخر
خارج حدود الشمعة"
ان ملاحقة الصوتيات وحركة الحروف في نصوص نداء يونس بكتاب الصمت هذا تحتاج الى وقفة أوسع من عرض سريع اوسع مما يتيحه المجال هنا، ولي ان أشير هنا الى نص [ النشيد] الذي استهلت به الكتاب بموسيقاه التقليدية الذي لا يمكن التغاضي عنه في موضوعة التصويت والإيقاع عندها.. أتمنى لو سنحت لي فرصة أوسع لتناول هذا الجانب لاحقا.
ان كتابة الصمت في آخر مطاف ليل نداء يونس هي كتابة الذاكرة،
فـ "الطحالب والأصداف والرمل
والأسماك الميتة
ذاكرة
أيضا"