نشر بتاريخ: 05/02/2020 ( آخر تحديث: 05/02/2020 الساعة: 10:53 )
الكاتب: د.ياسر عبدالله
ان موجة التطبيع الى ركبتها حكومة الاحتلال بالتزامن مع اعلان صفقة القرن ليست بجديدة، فهي كما دلت التجربة ترافقت مع عملية التسوية منذ بداياتها، كما حصل قبيل وبعد التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993، حيث تم فتح مكتبي اتصال في كل من المغرب وتونس سنة 1994 وفتح سفارة إسرائيلية في موريتانيا عام 1999 وتنشيط العلاقات مع دول اخرها، أي ان مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني قديم جديد، لكنه يتزايد مؤخرا ارتباطا بصفقة القرن والاستقطابات والتحالفات الجديدة في المنطقة والعالم.
وما خبر لقاء عبد الفتاح برهان رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس وزراء كيان الاحتلال " نتنياهو" في اوغندا إلا خطوة نحو تطبيع العلاقات كما جاء في تغريدة نتنياهو على حسابه في تويتر. وهي خطوة متناقضة كليا مع ثورة الشعب السوداني وارادته العامة، وخيانة لها.
وفي ذات السياق تأتي محاولة التلاعب في مسألة الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، التي تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر باستقلالها، أي ان الصراع على جبهة التطبيع ينتقل الى دول المغرب العربي (المغرب والجزائر) حول تجري محاولة مقايضة السيادة على الصحراء الغربية بدعم امريكي إسرائيلي مقابل تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية. وهو ما يأتي منسجما مع الموقف السعودي المؤكد على ان تكون السيادة على الصحراء الغربية مغربية، مما يعني إذكاء للخلافات والتناقضات بين الجزائر والمغرب، وبالتالي تأجيجا للصراع، مما يعزز من إمكانية الدخول الإسرائيلي على خط الخلافات المغاربية واللعب على التناقضات، بهدف احداث اختراقات على هذا الصعيد، تحقق اهداف إسرائيل في التطبيع، كما تحقق أهداف واشنطن في المزيد من الهيمنة.
وفي قراءة سريعة للمشهد الحالي المحيط بفلسطين من زاوية العلاقات الإسرائيلية ببلدان المنطقة، نستطيع أن نتبين حقيقة الواقع الذي نعيش، حيث توجد دول عربية محورية لها حدود مع فلسطين التاريخية تقيم علاقات علنية مع اسرائيل، ودول عربية غير محورية ولا حدود لها مع فلسطين التاريخية لكنها تقيم علاقات رسمية وأخرى لها علاقات شبه رسمية. ولكن في نفس الوقت ثمة دول محورية لها حدود مع فلسطين التاريخية لما تقم علاقات بعد مع إسرائيل، وأخرى ترفض إقامة علاقات مع إسرائيل.
وفي ذات المشهد ومن زاوية العلاقات مع فلسطين والموقف من القضية الفلسطينية، نتبين ان ثمة دول تقف مع القضية الفلسطينية شعوبا وأنظمة، ودول تؤيد بخجل وتحفظ، ودول لا تجرؤ ان تؤيد مطالب الشعب الفلسطيني، وأخرى تتمادى في علاقاتها غير الرسمية مع الكيان الصهيوني
إن هذه الصورة التي نراها من زاوية وجهة نظر ومواقف الأنظمة الحاكمة، لا نجدها في إرادة الشعوب العربية التي خرجت لتعبر عن التأييد للشعب الفلسطيني والرفض لصفة القرن وحرق الاعلام الصهيونية على ارضها دون خوف او تردد.
ومن الملفت للنظر أن المشهد العربي يتكئ على الواقع الفلسطيني، حيث الانقسام بين الضفة وغزة والخلاف بين فتح وحماس، والخلافات والتعارضات بين مختلف لفصائل وحتى داخل الفصيل الواحد. ولسان حال الكثيرين من العرب يقول ليتوحد الفلسطينيين أولا، وأنهم لن يكونوا أنبياء أكثر من الفلسطينيين، أصحاب القضية أنفسهم.
الا ان هذه الصورة اليوم وأمام التهور والاندفاعة في السياسة والمواقف الامريكية الصهيونية "العضوية"، تمهد بالضرورة الوحدة امام الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل والشتات في رفض صفقة القرن، لكن هذه الوحدة لا زالت لما ترتقي بعد الى جحم التهديديات والمخاطر التي تعصف بمستقبل القضية الفلسطينية جراء المخططات المعادية الجاري تنفيذها على الأرض.
وعليه في مواجهة التطبيع العربي الإسرائيلي ومنع الاختراقات، تستدعي العمل الجاد من أجل وحدة الإرادة والعمل الرسمي والشعبي الفلسطيني، وضرورة توفير توافق سياسي وديني وعشائري ورفع مستوى وعي جميع فئات الشعب وخاصة الشبابي منها بأن "فلسطين فوق الجميع"، والمصالح الوطنية العليا فوق المصالح الفئوية، ففلسطين تعني دماء الشهداء وعذابات الجرحى والاسرى في السجون والمشردين في مخيمات اللجوء والشتات. وهذا ما يجب أن يجد انعكاسا له في تفعيل التعبير عن الإرادة الشعبية العامة باعتبارها سلاح مقاومة الشعب الفلسطيني، التي يجب ان لا تتوقف ولا تنكسر، بل أن تستمر وتتعزز وان اختلفت اشكالها وأساليبها المقاومة تبعا لتغير الظروف.
إن هذا الارتقاء الى المستوى المطلوب لمواجهة التحديات والتهديدات فلسطينيا، على الصعيدين الرسمي والشعبي، هو الذي يمكنه أن يغير المعادلة في المنطقة، ويحفز الجماهير العربية في نصرة القضية الفلسطينية ورفض صفقة القرن، ويضغط على أنظمة الحكم المهرولة للتطبيع مع الاحتلال.
إن المرحلة الحالية بعد اعلان صفقة القرن هي الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، ويراد من خلال التطبيع دفع الشعب الفلسطيني الى اليأس والاستسلام. ولذا من الضروري إدراك أن إرادة الشعوب هي من تقرر مستقبل العلاقات مع دولة الاحتلال، وهي من تستطيع اجبار أنظمتها على وقف تلك العلاقات التطبيعية وامتلاك القوة والإرادة اللازمتين حتى لإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال.
وبموقف فلسطيني حازم وموحد وبتكامل الارادة الشعبية الفلسطينية مع الإرادة الشعبية العربية يمكن افشال صفقة القرن ووقف مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي.