الأحد: 02/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

كورونا وصفقة القرن

نشر بتاريخ: 06/02/2020 ( آخر تحديث: 06/02/2020 الساعة: 13:41 )

الكاتب: سامر سلامه

أعلن الرئيس الأمريكي خطته لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمعروفة بصفقة القرن. ولم تكن الخطة مفاجئة لأن جميع فصولها قد تم تطبيقها فعليا على أرض الواقع ولم يتبقى منها شيئا سوى الإعلان الرسمي عن تصفية القضية الفلسطينية. فالتحدي الآن أمام المجتمع الدولي لرفض هذه الخطة من منطلق أنها تتعارض بشكل سافر مع الشرعية الدولية. وأعتقد أن العالم الحر لن يقبل بهذه الخطة ليس حبا بفلسطين وإنما خوفا على إنتهاك القوانين الدولية التي ستؤدي إلى فوضى عارمة في العديد من دول العالم وخاصة تلك التي تعاني من مشاكل حدودية مع جيرانها أو منافسة إقتصادية للإستحواذ على مقدرات الدول الضعيفة. ودعونا ننظر إليها من منظار إقليمي ودولي ومحاولة تفكيك العلاقة بين الصفقة وفيروس كورونا وحرب الولايات المتحدة الإقتصادية المعلنة مع الصين وبعض التكتلات الإقتصادية العالمية.
فنحن لا نستطيع فصل الأحداث في منطقتنا العربية والشرق أوسطية عن التطورات والصراعات العالمية وخاصة بين تحالف البريكس (BRICS) المكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. فروسيا تجاوزت بثقة وسرعة مرحلة ما بعد الإتحاد السوفيتي والحقبة الشيوعية وإستعادت قوتها الدولية ونفوذها في المنطقة وقد حققت نجاحا فريدا على حساب الولايات المتحدة في سوريا التي أخذ جيشها يستعيد سيطرته على كامل البلاد. أما الهند فقد دخلت النادي التكنولوجي من أوسع أبوابه إذ زادت عائداتها الناتجة عن صناعة التكنولوجيا عن 250 مليار دولار في العام الماضي ومن المتوقع أن تصل إلى 400 مليار دولار في العام 2025 وهذا يشكل منافسة حقيقية للولايات المتحدة. أما جنوب أفريقيا فقد دخلت نادي الكبار بالرغم من أنها لم تتعاف نهائيا من تبعات ونتائج نظام بريتوريا العنصري إلا أنها إستطاعت فرض نفوذها السياسي والإقتصادي داخل أفريقيا وخارجها. أما البرازيل فقد بدأت في تخطي أزمتها الإقتصادية والدخول إلى نادي الكبار والإستحواذ على إقتصاد أمريكا الجنوبية. كل ذلك قد ساهم ويساهم بشكل كبير في إضعاف سلطة ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا وإقتصادية وبالتالي الإنتقال تدريجيا من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب.
وبما أن الصين هي الدولة الأكبر نموا والأسرع للوصول إلى الأسواق العالمية فإنها تأتي في عين العاصفة مع الولايات المتحدة. ومن المؤشرات على سطوع نجم الصين في مواجهة الولايات المتحدة فقد أصدرت مجلة فورتشون الامريكية قائمة باكبر الشركات العالمية للعام 2019 ولاول مرة لم تستحوذ الولايات المتحدة الامريكية على أكبر عدد من تلك الشركات. فالمفاجئة جائت من الصين بإستحواذها على 129 شركة من اصل 500 الاكبر عالميا بينما الشركات الامريكية انخفضت إلى 121 شركة. فقبل 20 سنه اي في العام 1999 كان للصين 8 شركات فقط في قائمة الشركات ال 500 الكبرى. ولم ينتهي الموضوع عند هذا الحد فإذا نظرنا إلى اكبر البنوك العالمية نجد ان 4 بنوك من أصل 10 هي بنوك صينية في حين أن للولايات المتحدة فقط بنكان ويأتيان في ذيل القائمة. هذه مؤشرات ينظر إليها الساسة الأمريكيون بعين الريبة بالرغم من أن الرئيس ترمب يحاول دائما أن يظهر لشعبه أن الولايات المتحدة ما زالت القوة الإقتصادية الأعظم في العالم بينما الحقيقة تشير إلى أن نجم الولايات المتحدة بدأ في الأفول. وهذا بالطبع له إنعكاساته على السياسة الخارجية الأمريكية لذلك نجد أن الرئيس ترمب ومنذ اللحظة الأولى من توليه الحكم في الولايات المتحدة بدأ حربه الإقتصادية على الصين وضغطه اللامحدود على حلفائه لثنينهم عن التعامل مع الصين بشكل كبير.
فالسؤال المطروح هنا هل ظهور فايروس كورونا القاتل مع بداية شتاء 2020 هو نتاج صدفة طبيعية أو طفرة فايروسية؟ أو لماذا ظهر هذا الفايروس في الصين ولم يظهر في مكان آخر؟! ولماذا نستبعد أن يكون هذا المرض من صناعة مختبرات سرية تعمل لصالح مصانع الأسلحة الجرثومية لإستخدامها بشكل سري لهزيمة بعض الدول وبشكل صامت؟ لا أستطيع أن أجزم أن كورونا هو من صنيعة مختبرات الأسلحة الجرثومية ولكن توقيت ظهور المرض وإنتشاره في الصين تحديدا في ظل أزمة ترمب الداخلية يمكن أن لا يكون محض صدفة وخاصة أن ترمب نفسه قد هدد في أكثر من مناسبة الصين ووعد بإضعافها سياسيا وإقتصاديا وعسكريا. ولكن المفاجئة جائت من الصين بإعلانها عن قرب التوصل لعلاج فعال لفايروس كورونا بتخصيص ما يقارب 150 مليار دولار لهذا الغرض وقيامها بإنشاء مشفى ضخم لمعالجة المرضى في أقل من أسبوعين وتجهيزه بأحدث التجهيزات الطبية وتزويده بأمهر الأطباء. وبالرغم من ذلك فقد خسر الإقتصاد الصيني أكثر من 400 مليار دولار خلال الشهر الماضي ومن أمثلة الخسائر إنخفاض أرباح شركة علي بابا الصينية بشكل كبير خلال الشهر الماضي وزيادة أرباح شركة أمازون الأمريكية بشكل ملحوظ خلال نفس الفترة. كل ذلك يثير الشك والريبة من مرض كورونا وقد يكون أحد الأسلحة المستخدمة لتدمير الإقتصاد الصيني.
فما علاقة كل ذلك بصفقة القرن؟
إذا نظرنا إلى هذه العلاقة من منظور الإقتصاد العالمي، آخذين بعين الإعتبار مصالح ترمب نتنياهو الإنتخابية المشتركة وأزماتهم الداخلية أيضا، فإننا نجد أن هناك علاقة جينية قوية بين كورونا والصفقة. فترمب يريد حسم القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل التي بدأت بشكل علني وسري التقرب من الصين لعلمها أن التنين الصيني قادم من الشرق لا محالة. كما أن فلسطين بحكم موقعها الجغرافي فإنها ستشكل سورا منيعا أما مخطط الصين "الطريق والحزام" الذي يسعى للوصول إلى أوروبا عبر بوابة الشرق الأوسط وفلسطين (إسرائيل) بالتحديد. أضف إلى ذلك فإن الصفقة ستفتح أبواب الخليج والشرق الأوسط على مصراعيها لإسرائيل والولايات المتحدة وبالتالي السيطرة الكاملة على مقدرات وثروات الخليج وشمال أفريقيا وبالتالي حرمان الصين من مصادر الطاقة التقليدية ومستقبلا المتجددة وسيقطع "الطريق والحزام" على أفريقيا التي دخلتها الصين من أوسع الأبواب. فصفقة القرن أو تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على وجه الخصوص لا يمكن النظر إليه بعيدا عن مصالح الولايات المتحدة الإقليمية والدولية ولا يمكن أن نفصلها أبدا عن حرب الولايات المتحدة ضد الصين.
فحتى نفهم ما يحدث أو ما يخطط لنا على مستوى المنطقة لا بد من إعادة قراءة التاريخ والتعمق في فهم ما يجري في العالم وتتبع الأحداث العالمية وقراءتها بتعمق وإعادة تشكيل الوعي الذاتي إنطلاقا من تلك الوقائع والأحداث من حولنا لكي لا نبقى على هامش الأحداث ننتظر قدرنا المحتوم.