الأحد: 02/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

إنا هنا باقون ... نحرس ظل التين والزيتون

نشر بتاريخ: 09/02/2020 ( آخر تحديث: 09/02/2020 الساعة: 13:25 )

الكاتب: د. طارق عاشور

في خضم الحديث عما يسمى صفقة القرن يستحضر الشعب الفلسطيني شاعره الكبير توفيق زياد، ويسترجع شعره الوطني وقصائده التي تصور تمسك الفلسطيني بأرضه وحلمه وصموده، كيف لا وهو القائل: "سنجوع ونعرى قطعا نتقطع، لكن لن نركع ... للقوة ...للمال ...للمدفع ...لن نخضع، لن يخضع فينا حتى طفل يرضع..."
ولن نحيد بعيدا بذكرياتنا، بل سيرجعنا حاضرنا الأليم والذي توجته المسرحية الهزلية بشخوصها، وهم يتناوبون التصفيق مع تلاوة إعلانهم عما أسموه صفقة القرن، ولمن يحاول المقارنة بين وعد بلفور المشئوم ووعد ترامب المأفون، ترانا نلامس الفرق بين الأول الذي أعطى اليهود جزءاً من أرض فلسطين، وبين الثاني الذي لم يكتفِ بمنحه ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية في الضفة الغربية، بل ذهب بعيدًا في مطالبته الشعب الفلسطيني بمباركة هذه الأعطية وعلى رأسها القدس والطلب بأن نوافق ونبارك ما منح، ونسامح بما سلف ونعتذر عن المطالبة بحقوقنا، وأن نعاقب من يجرؤ في المستقبل بالمطالبة بأي حق، ويا ليت المسرحية توقفت عند هذا الحد، ولكن الممثل انخرط في الدور ليطالب الشعب الفلسطيني بتنصيب إسرائيل حارسة على مستقبله ومستقبل اجياله القادمة، وحاكمةً بأمر ترامب لأرضه ومائه وهوائه وحدوده واقتصاده وحلمه وحتى كتبه الدراسية.
كم تمنيت أن يهتز أحد الحضور من السفراء من ذوي جلدتنا في قاعة الإعلان، وأن يكون عندهم الكرامة والجرأة التي رأيناها عند نانسي بيلوسي وهي تمزق خطاب ترامب لاحقًا في مجلس النواب، ولكن يبدو أن هؤلاء السفراء لم يسبق لهم قراءة قرأننا، وإلا لعرفوا قيمة القدس في ديننا، ولم يتحمسوا في التصفيق لترامب وهو يهدي القدس والأماكن المقدسة والشعب الفلسطيني ودماء الشهداء العرب والمسلمين لإسرائيل.
عند العودة إلى الصفقة وبنودها والتي طالبنا بعض أشقاؤنا ومعهم ألد أعداؤنا بقراءتها بروية، لئلا نضيع علينا (ونحن المتهمون بإضاعة الفرص العظيمة منذ العام 36 مرورًا بالعام 48 وبعده 67 وكامب ديفيد ...) فرصة أخيره سنندم عليها لاحقًا كما يدعون، وكأي عربي أو مسلم يأتيه أحدهم و يطرح عليه قراءة شروط الزنا بمحارمه ومناقشتها والتفكير فيها مليًا (واعتذر عن التشبيه المقيت ولكن لم استطع العثور على ألطف منه) فكيف سيكون جوابه!!!
فصفقة تساوي الجلاد والمحتل والقاتل والممعن في دماء العرب والفلسطينيين، مع الضحية؛ التي سُلبت أرضها وشرد أهلها وسرق ماضيها، فبدايتها كفيلة بأن تنبؤك بما تحتويه في مضمونها، وربما الأمر الوحيد الصادق في مقدمتها كان ما أسلَفته بأن هذه الخطة تتفق مع ما طرحه القادة الإسرائيليون والذي توهمنا للحظة أنهم كانوا قد مدوا لنا في وقتها أيديهم لسلام حقيقي (في أوسلو)، فكان ما ذكرته الصفقة عن الحدود التي وضعها رابين قُبيل اغتياله وذكرها في خطابه في العام 1995 في الكنيست عن تصوره للحل مع الفلسطينيين من قدس موحدة لا تنازل عنها، وعن منطقة غور الأردن والحدود والمستوطنات هي نفسها التي استمد منها كوشنير وفريدمان تصورهم لصفقة القرن، وطبعًا لم يختلف خطاب رابين في حينه مع ما ذكره شامير في العام 1991 (سأفاوض الفلسطينيين 20 عامًا دون أن أعطيهم شيئا) أو خطاب شيمعون بيرس في العام 1993 (نحن لا نبحث عن سلام رايات بل نهتم بسلام الأسواق). وبالتأكيد لن ننسى الوعود الأمريكية والضمانات وتحديدًا ضمانات فيليب حبيب والتي انتهت بمجازر صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982.
بالتأكيد بما أن الصفقة تهدف إلى أبعد من السيطرة الإسرائيلية على فلسطين المحتلة أصلًا، بل تتعداها إلى السيطرة على القدر الفلسطيني والمستقبل، كذلك الأطماع في الأرض العربية والسوق العربي والمال الخليجي، فقد بنى كاتبو الصفقة حجتهم بأن الصراع بين دولة إسرائيل والفلسطينيين هو ما منع الدول العربية من إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، متناسيًا احتلال إسرائيل للأراضي العربية في الأردن ومصر وسوريا ولبنان، وعدوانهم على العراق وتونس، والأهم قيامهم باحتلال فلسطين قلب العروبة والقدس المقدسة، وهذا يؤكده استمرار رفض الوطن العربي لأي علاقة مع من اغتصب أرضه، وليس أكبر من دليل على ذلك أن كل الورق الذي وقع والمعاهدات والاتفاقيات بين إسرائيل والدول العربية، لم تقنع المواطن العربي في القاهرة وعمان بأن إسرائيل مولعة بالسلام، ولم تنقل معاهدات السلام من مرحلة الرسميات إلى القبول الشعبي.
طبعًا يستمر مسلسل الكذب وباسم الواقعية التي تطلب منا التنازل عن ماضينا ومستقبلنا، وكل حق لنا في فلسطين، بأن يعدنا كاتبو الصفقة بالخير الكثير، وأنها ستمن علينا وتمنحنا القوة لحكم أنفسنا، وبأن الصفقة ستنقذ المواطن الفلسطيني كما يدّعون من مؤسسات فاشلة في الضفة وفساد مستشري من جهة أخرى، وستنقذ المواطن الإسرائيلي من صواريخ حماس والتي قتلت المئات من الإسرائيليين على حد زعم الوثيقة (لا ندري دقة العدد).
أما بخصوص الوعود الجذابة والتي ستُمنح لنا، إن رضينا بأن نرهن مستقبلنا بيد حاكم عسكري له الحق بأن يتدخل ويقرر ويوافق على كل صغيرة وكبيرة تخصنا وتمس أمور حياتنا اليومية، سواء من التدخل العسكري أو الأمني متى يرغب وبالطريقة التي يراها مناسبة، وهو صاحب الأمر في تحديد ما هو مسموح لنا أن نستورد أو نصدر، ومن يحق لنا أن نوقع معه اتفاقيات ومن لا يسمح لنا بالحديث معه، وهو سيسمح لنا بكمية المياه التي سيبيعنا إياها (طبعًا تنص الصفقة على انه لا حق لنا بأي قطرة من مياهنا الجوفية حتى في داخل الأرض الفلسطينية)، وهو كذلك سيحدد أي أراضي أو سكان سيتبادل معنا وبالنسبة التي يراها مناسبة، وهو من سيقرر إن كان يحق للمواطن الفلسطيني في أريحا والأغوار الحق في أن يزرع أرضه التي يملكها، وهل سيسمح له باستخدام السماد أو سيمنعه لأنه قد يشكل تهديدًا لأمنه، وهو من سيقرر من سيخرج من الفلسطينيين للأردن ومن سيدخل ومن سيمنع، وهو الذي سيفكر لنا فيما سيسمح لنا بتدريس أجيالنا لئلا نزرع الكراهية بكلمة هنا أو صورة هناك، وهو الآمر الناهي، والكريم الذي سيسمح لنا بالصلاة في الأقصى، وعلى الرغم أن الاتفاق ينص على الحق المشترك لليهود في الوصول للأماكن الدينية في الدولة الفلسطينية وبدون أي ضوابط، وكذلك ضمان أمن أي شخص منهم يريد أن يتعبد وقت ما يشاء سواء في نابلس أو الخليل أو ياسوف أو بيت لحم، وبنفس الوقت يرهن الأقصى لعملية التقاسم الزماني والمكاني معهم، ويسلب الحق الفلسطيني في القدس والأقصى، ويسمح للفلسطيني فقط بالزيارة للأقصى حسب ما يسمح به الحاكم بأمر الله في الدولة الإسرائيلية، وهو اليقظ الذي سيحق له هدم أي منشاة تقام داخل الأرض الفلسطينية إن شعر أنها تضر بأمنه، رغم أن العرض السخي يمنع البناء بأي أرض حدودية إلا بموافقة مسبقة من دولة إسرائيل لئلا يمس بأمنها (للعلم حسب الخارطة المقدمة فكل المناطق تعتبر حدودية ... وغيرها الكثير من التفاصيل التي ترهن حتى أحلامنا لمزاج دولة إسرائيل، وهي من تحدد إن كان الحلم أو كسرة الخبز أو الكلمة أو حتى نسب المواليد الجدد تهدد أمنها ومعها الحق لتمنع وتوافق على ما تشاء).
وطبعا أمام كل هذا السخاء سيطلب تنازلات بسيطة من قبل الفلسطيني (الذي لا يمكن الثقة به من التجارب السابقة حسب وصف الوثيقة)، وهذه التنازلات تشمل عدم المطالبة بالقدس، ولا عودة اللاجئين، وكذلك توقيع الاتفاقية والموافقة عليها بروح إيجابية، مع التوقيع على شهادة إبراء ذمة لإسرائيل وأمريكا على أي حق أو مطالبة أو ضرر قد يدعي الفلسطينيون أنه مس بهم من ممارسات سابقة للاحتلال. وطبعًا كاتب الصفقة اليقظ لم يغفل اللاجئ اليهودي (الذي يدعي أن عددهم يماثل عدد اللاجئين الفلسطينيين)، فحين لا يحق للاجئ الفلسطيني بالعودة أو التعويض، فإن الوثيقة تنص على حق اللاجئ اليهودي بأي شيء يقرره القانون الدولي حسب زعمهم، وهذا الحق منفصل عن الوثيقة وسيتم الحديث عنه مستقبلًا مع ذوي الشأن وضمن معايير خاصة سيحددونها هم لاحقًا.
ومن باب الاحتياط منعت الصفقة الدولة الفلسطينية المستقبلية مقاضاة أي إسرائيلي أو أمريكي مهما ارتكب أو اقترف في حق الفلسطينيين، وبالتأكيد ومن جود كاتب الصفقة لم ينسَ ذكر أن المعايير الأساسية لإنشاء دولة فلسطينية تحدد من قبل دولة إسرائيل والولايات المتحدة فقط مع إمكانية التشاور مع الفلسطينيين، وبنفس الوقت على الدولة الفلسطينية أن تتنفس الصعداء، فهي مدللـه لأنها منزوعة السلاح ومحاطة بإسرائيل من كل الجوانب، فليس عليها أي تكاليف أو مصاريف تتكبدها لحماية أمنها (طبعًا بقي الباب مفتوحًا لطلب دولة إسرائيل مستقبلًا ثمن هذه الحماية).
استمرارًا في التأكيد على الولاء التام، على فلسطين والدول العربية الامتناع عن أي عمل أو فكرة أو مبادرة معادية لإسرائيل، وإن أي عمل أو حركة مقاطعه سينظر إليها أنها مدمرة للسلام سواء محلية أو BDS)) أو غيرها (طبعًا يجب علينا ألا نقف ونتساءل لماذا تقوم السياسة الأمريكية على مبدأ مقاطعة خصومهما، وبنفس الوقت ينظر لأي محاولة مقاطعه عربية بأنها مدمرة للسلام!).
بما أن الصفقة تشمل وتحظر حتى الأفكار، فيجب أن تتوقف أي مبادرة تشكك في جذور الشعب اليهودي على هذه الأرض (طبعًا سيمنع ذكر أي شاعر أو كاتب فلسطيني كدرويش أو غسان كنفاني مستقبلًا ...).
أما بخصوص التعاون الثنائي، فيذكر مُعد سطور الصفقة أن على فلسطين أن تتعاون مع إسرائيل في القضاء على أعداء إسرائيل من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وغيرهم، ونوع التعاون وكيفيته تحدده إسرائيل.
وفيما يتعلق بالحدود فعلى أي اتفاق أن يوافق الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، وأن تأخذ بعين الاعتبار الحقوق التاريخية والمطالبات القانونية الإسرائيلية، أي أن الحدود قابلة للتغيير مستقبلًا حسب هذه المتطلبات، مع أن هذه الحدود غير مقدسة في أي وقت إذ سيكون لإسرائيل محطة رصد وتجسس واحده على الأقل في الأراضي الفلسطينية، مع حرية الوصول إليها حسب ما يرونه مناسبًا لأمنهم.
فيما يتعلق بالمثلث الفلسطيني وقراه، والذي يقع حاليًا داخل الخط الأخضر، فأظهر معد الصفقة ذكاءً أو استغباءً حين رجع بالتاريخ إلى ما قبل 67 ووضح انه كان خطأً إسقاطها من أراضي الضفة في حينه، وعليه سيتم نقل المسؤولية المدنية عن هؤلاء السكان الفلسطينيين فيها إلى الدولة الفلسطينية، دون الحديث عن الأرض ومصيرها حيث لم تشر الخرائط المرفقة إلى ضم أي من أجزاء المثلث إلى الدولة الفلسطينية الموعودة، أو حتى تبرير لماذا اختيرت قرى المثلث وليس الناصرة أو قرى الجليل (طبعًا الإجابة معروفة لأصغر فلسطيني هنا).
الجميل في كل ما ذكر انه يزين صفقته بوعود اقتصادية، والتي ذكرتها ورشة البحرين الاقتصادية في حينه، بحيث يتم تخصيص 50 مليار دولار نصفها قروض وبعضها منح للدول الثلاث (مصر، الأردن، فلسطين) وستكون مخصصة لتطبيق الخطة، وسيتم تأمين معظم المبالغ من الدول العربية.
طبعًا؛ لا بد أن نعرج على استخفاف كاتب الخطة بالمؤسسات الدولية، والتي ذكر أن كل قراراتها لم تستطع حل النزاع وهي حبر على ورق، مع انه تم الرجوع إلى هذه القرارات في الصفقة لتبرير أي تنازل من الفلسطينيين، فنراها تذكر القرار 242 عند الحديث عن أن الانسحاب هو من بعض الأراضي وليس كل الأراضي المحتلة عام 1967، وبنفس الوقت تريد الخطة إلغاء القرار 181 وغيره من عشرات القرارات التي تم أقرارها لتثبيت الحق الفلسطيني ومن ضمها الاعتراف بدوله على حدود 67 وعودة اللاجئين والقدس وحق الشعب الفلسطيني في حقه بتقرير المصير في دولة مستقلة.
مع تغني الخطة بالقدس الموحدة، وكيف أن إسرائيل عبر السنوات الماضية جعلتها مفتوحة وآمنه، وتناست حرق الشهيد الطفل أبو خضير، وهدم المنازل المقدسية، وحرمان المقدسيين من التوسع الطبيعي، ومنع المصلين من الصلاة في الأقصى، وإبعاد ومنع الكثير منهم من الدخول إلى الأقصى، وبنفس الأسلوب الإمعان في الحديث عن المنظمات الإرهابية الفلسطينية، وعدم ذكر لأي من المنظمات الإرهابية الإسرائيلية وإرهابها بالهجوم على المساجد والقرى الفلسطينية، وآخرها استشهاد المواطنة قرب نابلس، كل ذلك يجعل أي عاقل بأن يتساءل، هل من كتب الخطة فعلا أمريكي أم إسرائيلي!!
لم تتناسَ الصفقة التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تتوقع من أي حكومة إسرائيلية التفاوض مع حكومة فلسطينية تضم حماس أو الجهاد، وبنفس الوقت يحق للحكومة الإسرائيلية أن تضم متشددين، ووزراء يدعون لقتل الفلسطينيين أو مصادرة حقهم في الحياة، فاحترام الديمقراطية الانتخابية ومفرزاتها هو أمر واجب في الجاني الإسرائيلي مهما كانت النتائج، وعلى النقيض من ذلك هو محرم على الدولة الفلسطينية.
بكل الأحوال؛ فإننا حاولنا في العرض السابق، تناول جزءً يسيرًا مما حاولت الصفقة وعرابيها أن تسوقه لنا، وبأنه تنازل من الطرفين، وأن الطرفين سيربحون أكثر مما سيعطون، وهو الأمر المضحك المبكي، ففي الوقت الذي أعطت الطرف الإسرائيلي الحق بأمنه وتبديد كل مخاوفه ومسامحته على أي جريمة ارتكبها سابقًا، وعدم محاسبته على أي جريمة يرتكبها لاحقًا، وأعطته الحق في الأرض والماء والهواء الفلسطيني، وفي الحق بتقرير كل ما يراه مناسبًا ولا يهدد أمنه يتعلق بفلسطين، وبنفس الوقت طلبت من الفلسطيني أن يتنازل عن أرضه وتاريخه وحقه بتقرير المصير والاختيار والتنقل والسفر والغور والقدس وحق اللاجئ في العودة، وسمحت لإسرائيل بالعمل العسكري في كافة فلسطين دون أي حق للفلسطيني في الاعتراض، ومنعت الفلسطيني من أي حق قد يعتبره الطرف الإسرائيلي تهديدا له، وقسمت الضفة الغربية إلى جزر معزولة وسمحت بتبادل أراضي حسب ما تراه إسرائيل مناسبًا، والأهم من ذلك أن القرار الأول والأخير في أي شأن يخص الدولة الفلسطينية هو بيد إسرائيل، دون وجود جهة محايدة تمنع تغول إسرائيل واستعبادها للدولة الفلسطينية المقترحة، ومقابل كل ذلك فقط وعود اقتصادية (طبعًا لن نخوض في اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع الأشقاء المملكة الأردنية وجمهورية مصر والوعود الاقتصادية بالرخاء والازدهار، والتي تحطمت على صخرة الديون الضخمة على هذه الدول الشقيقة واقتصاديات على حافة الانهيار).
أي انه مطلوب منا التنازل عن الماضي والتاريخ والأرض وخيراتها وحق تقرير المصير، وحق المطرود بأن يعود إلى أرضه، والحق بدولة مستقلة كفلتها جميع القوانين والأعراف الدولية، وكذلك عن مستقبل أجيالنا فقط من اجل بضع مليارات تمنح لنا ظاهريًا، ولكن تستقر في النهاية في الخزينة الإسرائيلية.
وقبل أن نصل النهاية، نذكر بقول الله عز وجل (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، فقَدَرُ الشعب الفلسطيني وقيادته أن تقف وحيدة في وجه الطوفان، وليس الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 82 عنا ببعيد، عندما وقفت الثورة الفلسطينية ومن معها من أحرار لبنان والعرب والعالم الحر، وحيدين في مواجهة الهجوم الإسرائيلي الكاسح، واستطاعت الثورة الصمود لثلاث أشهر والعرب في سبات عميق، يعطوننا النصائح والكلمات فقط، ولكن ثقتنا بصلابة قيادة الشعب الفلسطيني، وبالأمتين العربية والإسلامية وفلسطين التي تشكل قلبها النابض، وإن كانت السياسة الأمريكية تؤثر في القرار السياسي لكثير من الدول، فنحن واثقين من الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم، والذين يرفضون منطق القوة والاستقواء وقانون الغرب الأمريكي، سنبقى في هذه الأرض متجذرين فيها صامدين عليها، لن يسيل لعابنا لدنانير أو دولارات، يدنا ممدودة لسلام الشجعان، والقائم على الند للند، والحرية والعدالة، ولا تنازل عن دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ولا تنازل عن أي من ثوابتنا الوطنية في العودة وتقرير المصير، ولن يجد لا ترامب ولا نتنياهو يدًا فلسطينية تتنازل عن زيتونة أو شبر أرض فلسطينية، ولا حتى من يقبل أن يقتل حلم الفلسطيني في تشيلي وإسبانيا واليونان وبيروت وكل بقعة في العالم بالعودة إلى أرض الأجداد، تلك التي كفلها له القانون الدولي والقرارات الأممية عبر عقود طويلة، وإن كان الطفل اليهودي تربى على حلم العودة لما يسمونها أرض الميعاد (أرض إسرائيل)، فكل طفل فلسطيني في كل بقعة في العالم تربى وسيربي أولاده على حلم العودة لأرض الأجداد.