الكاتب: د.ايناس عبد الرحمن عباد
فيروس كلمة يونانية وتعني السم، وقد اطلق عند محاولة العلماء دراسة أسباب تبرقش أوراق التبغ، واعتقدوا أن السبب هو نوع من السم تطلقه البكتيريا. فأطلقوا عليه مسمى فيروس.إلا انهم لم يتمكنوا من رؤية الفيروس ذاته حتى عام ١٩٣١ وذلك بعد اختراع المجهر الالكتروني. فالفيروسات صغيرة جداً، لدرجة لا يمكن رؤيتها إلا بالمجهر الالكتروني الذي تصل قوة تكبيره إلى ٢ مليون مرة.وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن الفيروسات كائنات حية، إلا أنها ليست كذلك، بل انها حلقة الوصل بين الكائنات الحيّة والجمادات "بين الحياة واللاحياة" اذ لا يمكنها التكاثر إلا داخل الخليّة الحيّة، أما خارجها فهي أقرب للجمادات، ولا تستطيع القيام بأي وظيفة حيويّة، لذا عند دراسة الفيروسات لا بد من زراعتها داخل خلايا كائنات حية.تتكاثر الفيروسات بعملية تدعى التناسخ، وربما لا يتوجب تصنيفها على أنها تكاثر، بسبب اعتماد الفيروس بشكل رئيس على الخليّة الحيّة التي يتطفل عليها ويتزود منها بالطاقة، والمواد العضويّة التي يحتاجها خلال تكاثره.وبطريقة اخرى يمكن القول بأن الفيروس أشبه بالمُوجّه للخلية الحية التي يتطفل عليها، فهو يحمل تعليمات التناسخ ، وما إن يدخل إلى الخلية الحية حتى يقوم بتوجيه نشاطاتها بحيث تخدم عملية التناسخ (التكاثر)، مما ينتج عن ذلك المزيد من الفيروسات التي تنتشر لتصيب خلايا أخرى.وتعتبر الفيروسات كائنات متخصصة؛ فالفيروس الذي يصيب جهاز المناعة مثلاً لا يصيب الجهاز العصبي، وقد عمل العلماء بطرق شتى لتصنيع اللقاحات، أو مضادات الفيروسات، وتمكنوا من خلالها القضاء على فيروسات مثل شلل الأطفال، بنسبة 98%. إلا أن هناك فيروسات خطيرة جداً، مثل فيروس إيبولا، الذي اكتشف في الكونغو عام 1976، قرب نهر "الإيبولا" والذي ينتقل من الحيوانات البّرية للإنسان، وتحديداً خفافيش الفاكهة، أو عن طريق سوائل الجسم أو دم المصابين بالفيروس، وقد اجتاح ليبيريا عام ٢٠١٥ مسبباً وفاة ما يزيد على ٤٠٠٠ شخص. أما فيروس نقص المناعة المكتسبة، فلم يجد له الباحثون لقاحاً أو علاجاً شافياً منذ اكتشافه، سوى عقاقير مضادة للفيروسات، للمساعدة في السيطرة على الفيروس ومنع انتقاله، وقد تسبب هذا الفيروس بوفاة ما يقارب 32 مليون شخص منذ اكتشافه عام 1980، وهو من الفيروسات التي تنتقل عن طريق السوائل الجسدية من الأشخاص المصابين، مثل الإفرازات المهبلية، والسائل المنوي والدم، مستهدفاً جهاز المناعة، ويعد الأيدز هو مرحلة متقدمة من الإصابة بفيروسHIV .أما فيروسات الإنفلونزا فهي الأشهر عالمياً بين الفيروسات، وكغيرها من الفيروسات، فمنها الخطيرة، ومنها سريعة الانتشار أو قد تجمع بين الخطورة وسرعة الانتشار، فقد تسببت الإنفلونزا الإسبانية عام 1915 بوفاة ما يقرب من 50 مليون شخص، أي ٤٠٪ من السكان آنذاك.ولكي تُكمل الإنفلونزا دورة حياتها يجب أن تطور نفسها في عدة مراحل؛ فقد أثبتت الدراسات أن تطور فيروس الإنفلونزا يتم من خلال الفيروس نفسه، ويعاني الملايين سنوياً من الإعياء الشديد عند اصابتهم بالإنفلونزا وقد تسبب الموت أيضاً، والذي يصيب كبار السن غالباً؛ أو الاطفال دون سن الخامسة.أما فيروس كورونا، وهو الذي يتصدر عناويين العام ٢٠٢٠، فهو من الفيروسات التاجية، الشائعة والتي تصيب الجهاز التنفسي، والذي اكتشف لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، وهو من الأنواع شديدة الخطورة وسريعة الانتشار. وقد ظهر كنوع جديد في كانون الأول2019؛ في مدينة ووهان الصينية، وانتقل إلى عدة دول مثل كوريا الجنوبية واسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، وصولاً إلى بلادنا، ووصلت حصيلة الوفيات في العالم حتى صباح اليوم إلى ما يزيد على ٢٧ ألف حالة وفاة.وتنتقل الكورونا مثل الإنفلونزا العادية عن طريق رذاذ الفم، أو ملامسة يد المريض، أو التواجد في الأماكن المكتضة وبين الحشود. كما أن لها نفس أعراض الانفلونزا تقريباً ، الأمر الذي جعل الكثيرين يعتقدون أنها نوع من أنواع الانفلونزا المتطورة أو الطفرة.والحقيقة أنها تنتمي لعائلة مختلفة من الفيروسات والتي تصيب الانسان والحيوان، وتتكاثر بسرعة أكبر من الفيروسات الأخرى.فيروسات كورونا هي فصيلة فيروسات واسعة الانتشار، تسبب أمراضاً مختلفة في شدتها، تتراوح بين نزلات البرد المعروفة، إلى الأمراض الأشد فتكاً، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (السارس)، ويعتبر فيروس كورونا المسبب لمرض Covid-19 هو سلالة جديدة من الفيروس لم يسبق اكتشافها لدى البشر. وتوصي منظمة الصحة العالمية بإجراءات وقائية مثل: نظافة اليدين باستمرار، طهي اللحوم جيداً قبل تناولها، الابتعاد عن المصابين وكل من تظهر عليه أعراض مثل: السعال والعطس.ويمكن الادعاء أن معركة البشرية ضد الفيروسات لم تنتهي بعد، لكننا في كل مرة نستفيد من تجاربنا السابقة، على أمل العثور على لقاح لعلاج فيروس كورونا.وحتى يتم الكشف عن اللقاح المناسب، ليس لدينا خيار سوى التزام بيوتنا ....