الكاتب: اللواء الدكتور محمد المصري
اللواء د. الجائحة التي يمر بها شعبنا الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وهي جائحة لم نتعود عليها، فهي جديدة في توقيتها وحجمها ومخاطرها وتحدياتها وحتى نتائجها، ولهذا السبب، فإن التعامل ومواجهة هذه الجائحة تستوجب منا إعادة النظر في طريقة التعامل والرد والمواجهة وحتى الان فإنه يمكن القول أن قيادتنا تعاملت مع الأمر منذ بدايته بما يستحق، وفي تفصيل ذلك، فإن من الواجب القول أن الرئيس محمود عباس قد أعلن حالة الطوارئ منذ البدايات في إحساس صادق وإحساس بأن الأمر خطير ويستحق المواجهة في أقصى صورها وأكثر أدواتها حضوراً واستعداداً، وقد توالت إجراءات الحكومة بكل أذرعها التنفيذية، بما فيها أجهزة الأمن والقضاء والإعلام وكذلك أطراف متعددة من المجتمع المدني، وقد تميزت تلك المبادرات حقاً، فقد تداعى أهل الوطن من الغور وسلفيت وجنين بتقديم ما يمكن تقديمه للمدينة الرقيقة التي يحبها كل سكان العالم، ألا وهي بيت لحم، ومع اشتداد وانتشار الوباء ، فقد كان لزاماً على الحكومة أن تشدد في إجراءاتها وتوسع منها باضطراد، إذ أن منافذ الوباء تعددت وتكاثرت، ولم يعد من المستطاع مواجهتها بما تم اتخاذه من إجراءات، لهذا توسعت تلك الاجراءات وتعمقت اكثر فأكثر.كان امام القيادة الفلسطينية، بكل اطرافها ومكوناتها وأذرعها واجهزتها، مدعومة بشعبها ان تثبت للعالم انها تشترك مع الاسرة الدولية على قدرتها على مواجهة هذا العدو الجديد، وأنها رغم فقر واقعها وقلة مواردها وهوامشها الضيقة، قادرة على ان تقدم نموذجاً رفيعاً لسلوك " الدولة" وقدرة " رجال الدولة" وكذلك صورة " الشعب الملتزم والواعي والناضج" في تقديم كل ما يلزم من اجل حماية البلد والشعب وكذلك الاقليم من هذا التهديد.وكما في كل العالم، فإن ما تم من اجراءات، مثل الحجر المنزلي وتعطيل الاعمال وتخفيف ساعات الدوام، والتباطؤ في الاقتصاد، فإن ذلك يعني خسارات هائلة على مستوى الدخل الفردي والقومي.ونحن لا نختلف في ذلك عن كل المجتمعات التي ضخت في اسواقها مليارات الدولارات من اجل مواجهة هذا الوباء، وحتى تبقي على الاقتصاد المحلي يتنفس في الحد الادنى على الاقل.ومن هنا جاءت دعوة رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، حيث كان واضحاً وشفافاً، عندما قال ان مواردنا الوطنية ستنقص الى الضعف تقريباً، وهو وضع يستدعي كل الحيطة والحذر واعداد الخطط من اجل التقشف ووضع البدائل منذ الان.نحن في معركة، هكذا قال الدكتور اشتية الذي اراد له القدر ان يقود تحت رعاية الرئيس محمود عباس مواجهة هذا الوباء بكل ما يجر معه من تحديات ليست فقط اقتصادية ولكن على مستوى الحياة اليومية والاجتماعية، ولهذا كان الدكتور اشتية واضحاً في قراراته وطلباته ورؤيته، فقد قال انه سيوقف التقاعد المالي في قطاع غزة بناءً على قرار من السيد الرئيس اطال الله في عمره، وفي هذا تخفيف للأزمة المستعجلة وتوحيد للصف وتقريب لوجهات النظر وربما وضع لبنة جديدة على طريق المصالحة. كما قال الدكتور إشتية أن هناك نية لاستقطاب أطباء جدد ومتقاعدون ومتطوعون للمشاركة في الجهد الوطني من أجل مواجهة هذا الوباء، الى ذلك فقد طالب الدكتور رئيس الوزراء أصحاب رؤوس الاموال والشركات بالتبرع من اجل الوطن والمواطن، لمقارعة العدو الجديد المتوحش الذي ينهش في لحمنا. ان هذا الطلب يعني ان نحمي بعضنا البعض، وان اوقات الشدة، فإننا بحاجة الى كل جهد يمكن ومستطاع، فالرأسمال الوطني في حالات الرخاء لا يتوانى ولا يتوقف عن جمع ارباحه، في ظل سهولة في القانون والتعامل والحماية، والان، على رأس المال هذا ان يدفع ضريبة حريته وحركته وحمايته. عليه ان يقدم ضريبة المحبة والمواطنة والانتماء.برأيي فإن الفصائل الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح يمكنها ان تدير هذا الامر بطريقة ناضجة وناجحة، أي ان تشكيل لجان محددة وعلنية وتنسق جيداً مع الجهات الحكومية لجمع التبرعات من كل مقتدر ومن كل محب للوطن.لا داعي لأن تكون عالة على الأخرين، خاصة أن الأخرين سيكونون مشغولون جداً بشؤونهم الخاصة، ولا داعي لأن نستسهل المساعدات او الإعانات، ونحن قادرون جداً.القيادة الوطنية الفلسطينية تثبت مرة أخرى أنها قيادة تليق بدولة، وبالتالي فإن واجبهم الان إثبات ذلك مرة أخرى من خلال دمج كل الجهات من أجل المواجهة، وتطوير القدرات ودمجها وتناغمها وأن تقديم الجميع أفضل ما لديهم من أجل إثبات أننا قادرون، وليس على هزيمة الوباء وإنما على صنع مستقبل أفضل.هذه تجربة مؤلمة وقد تأخذ منا الكثير، ولكننا في المقابل سنعطي وطننا الكثير أيضاً.