الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة واضحة لقيادات الاحتلال

نشر بتاريخ: 02/04/2020 ( آخر تحديث: 02/04/2020 الساعة: 15:17 )

الكاتب: اللواء د. محمد المصري

لم تبق جهة ذات علاقة إلا وأشارت إلى الجهد الفلسطيني اللافت في محاصرة انتشار فيروس الكورونا، بما في ذلك جهات اسرائيلية أيضاً، وقد أشارت بعض صحف إسرائيل إلى ما قدمته السلطة الوطنية والجمهور الفلسطيني أيضاً من اضافات حقيقية وهامة من أجل حماية البلاد كلها.

والحقيقة أن السلطة الوطنية موحدة مع شعبها، وفي ظل واقع فقير وهوامش ضيقة، واستطاعت أن تفعل الكثير وان تحقق نجاحات كثيرة أهمها: العزل الناجح، ابطاء الانتشار  للفيروس، نشر الوعي الكافي، التنسيق بين الأطراف ذات العلاقة، فتح آفاق التعاون الدولي من أجل مواجهة الوباء، توفير الأدوات اللازمة في المستشفيات إلى حد ممكن، توفير أماكن الحجر الصحي، المتابعة الحثيثة لبؤرة الانتشار، ملاحقة المخالفين، التعامل الجيد مع المواطنين، بث فكرة المواطنة والالتزام بين أفراد الشعب الواحد، استغلال الوضع القائم من أجل تحسين الشروط والأوضاع، دمج الجماهير مع كل الأطراف للدعم والتبرع والتطوع.

باختصار، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء د.محمد اشتية، مدعومين بالشعب الفلسطيني أثبتوا جميعاً أنهم قادرون على إدارة معركة من نوع مختلف وبأدوات مختلفة، وهنا أخص بالذكر الجسم الصحي، ومؤسستنا الأمنية.

كانت الأزمة العميقة التي وصلت إلى أن تكون وباءً عالمياً فرصة لأن يظهر الشعب الفلسطيني قدراته الدفينة والعميقة، باعتباره شعباً عريقاً ومثقفاً وواعياً رغم كل ما يمكن للصورة أن يكون فيها بعض الغبش أو الضباب.

لهذا كله فإن ما يقوم به المحتل، من خلال تصرفات جنوده، أو وقاحة مستوطنيه، أو بعض اجراءاته العسكرية الاحتلالية، أو من خلال بعض سياساته غير المسؤولة، فإن هذه التصرفات أنما عملياً تؤدي إلى ما يلي: احباط وتدمير الجهود الفلسطينية، وتوفير بنية حقيقية لنشر المرض بين الناس، ولضرب بنية الشعب الفلسطيني وقواه ومن ثم انهاكه واضعافه في مقدمة لأستسلامه، وكذلك اضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، وتوتير الاجواء، وامكانية اندلاع اضطرابات كثيرة ومتعددة ومتنوعة، هذه هي الصورة، الاحتلال لا يرغب بنجاحنا في مواجهة هذا الوباء.

وحتى نكون واضحين جداً هنا، في رسالة واضحة وحاسمة للقيادات الإسرائيلية على كل المستويات، فإن المراهنة على نشر المرض بين الفلسطينيين، من خلال نشر الفيروس أو تعطيل وصول الأدوات اللازمة، أو تجفيف التمويل، أو ضرب السياسات والإجراءات الفلسطينية، أو كل ذلك مجتمعاً، بما فيه نقص التنسيق أو تعطيب قنوات التواصل، فإننا نقول هنا بوضوح كبير لا لبس فيه، أن هذا ليس لعباً بالنار فقط، بل هو انتحار أمني وسياسي وطبي، وأن هذا لا يضر بالفلسطينيين فقط، بل هو عدم مسؤولية انسانية أيضاً.: إذ أننا نعتبر أن من يضرب الاجراءات الفلسطينية أو يعطلها أو يعمل على تخريبها أو ابطائها أو افشالها انما يسيئ إلى جماعته أيضاً.

هذا الوباء جعلنا في سلة واحدة، وفرض قوانين وأوضاع جديدة علينا، وعلى المحتل ألا يستغل ذلك لصالحه، لا في هذه اللحظات ولا في المستقبل.

هذه فرصة لأن نغير من اتجاهات معينة ضد بعضنا البعض، وهي مناسبة انسانية أيضاً لأن يغير المحتل من رؤيته وإدارته وعلاقته للاحتلال وللشعب الفلسطيني. على المحتل ألا يعتقد وألا يعمل باعتبار كورونا هو عقاب للفلسطينيين أو وسيلة أخرى لمحاصرتهم أو تركيعهم أو استسلامهم.

هذا الوباء يضرب الجميع بلا استثناء ولا يميز، وإذا أراد المحتل أن يجعل من الوباء ذريعة لتعزيز احتلاله أو ترسيخه أو حتى شرعنته، فهو واهم لألف سبب وسبب.

فالمحتل ليس وحده في الميدان، واجراءاته ليست محكمة ولا نهائية، وجمهوره أيضاً مكشوف ومذعور، وأدواته ليست في أحسن وأفضل حالها، كما أن الفلسطيني، أياً كان موقعه، استطاع ويستطيع أن يكون عامل نجاح للتصدي لهذا الوباء، ويمكن أن يكون أيضاً غير ذلك.

رسالتنا الواضحة والحاسمة للمحتل، أن يجعل من حالة التصدي للوباء حالة انسانية نرتفع فيها إلى حالة أخرى من التعاون الانساني الذي قد يقود في لحظة ما إلى انهاء لهذا الصراع المدمي، على أساس الشرعية الدولية وانهاء الاحتلال، باعتبار ذلك خلاصاً أيضاً للاحتلال من جشعه وعدوانه.

نقول هذا الكلام ونحن نقرأ ونسمع عن المقايضة غير الانسانية التي يلمح إليها وزير الحرب نفتالي بينت، حيث قال انه يريد مقايضة أسراه الموجودين بقطاع غزة مقابل مساعدات طبية. أن هذه مقايضة رخيصة وغير عادلة وغير انسانية، يقابلها من جهة أخرى، ما قامت به وقدمته القيادة الفلسطينية على اعلى مستوى للتنسيق والتعاون من أجل حماية البلد كلها، وما فعلته القيادة الفلسطينية ليس تكريساً للاحتلال أو تطبيعاً معه، بل هو حرب ضد الوباء والاستعمار معاً من حيث دفعه إلى فضاءات انسانية أخرى.

نقول هنا بوضوح، ان المحتل عليه أن يرى في الجهد الفلسطيني والمواطن الفلسطيني والوجود الفلسطيني وجوداً دائماً وأبدياً على هذه الأرض، قبل كورونا وبعد كورونا، وعلى المحتل أن يتوقف عن اعتبار أنه هو المخول بالعلاج والمخول بالشفاء فقط.

وقد نعود للتفصيل في هذا الكلام.