نشر بتاريخ: 02/04/2020 ( آخر تحديث: 02/04/2020 الساعة: 16:10 )
الكاتب: الكاتب: د. مجدي وائل الكببجي
يواجه العالم حاليا تطورات متسارعة تتعلق بتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، وتسعى دول العالم مجتمعة إلى اتخاذ إجراءات احترازية ووقائية للحد من انتشار الفيروس والتخفيف من آثاره، ولعل من أهم تلك الإجراءات للحد من انتشاره هو تجنب المخالطة المباشرة والتجمعات المتقاربة بين البشر الى أقصى درجة ممكنة وتطبيقات الحجر الصحي, بما في ذلك أيضا وقف شبه كامل للتبادلات التجارية والتعاملات المصرفية والسفر. إن مثل تلك الإجراءات وغيرها على أهميتها قد ألقت بتأثيرها على بيئة الأعمال في جميع دول المنطقة، بحيث لم يقتصر تأثير وباء فيروس كورونا على البشر فحسب, وانما هو أيضا وباء على النظام الاقتصادي العالمي برمته، الأمر الذي استدعى العديد من المنظمات المهنية والشركات العالمية الى قياس ودراسة الأثر المالي العالمي لهذا الفيروس على اقتصاديات تلك الدول.
ان واقع تأثير هذا الوباء على الشركات وبيئة الأعمال استدعى أيضا معظم شركات المحاسبة والتدقيق العالمية Big 4 - Deloitte, PricewaterhouseCoopers (PwC), Ernst & Young (EY) and KPMG, الى الالتفات الى واقع المعايير المحاسبية الدولية لإعداد التقارير المالية في ظل تفشي فيروس كورونا, باعتبار أن مهنة المحاسبة والتدقيق هي المترجم الفعلي للأزمات المالية, عبر سن التحديثات للقوانين والمعايير الدولية في علم المحاسبة والبيانات المالية, في سبيل توجيه الشركات والمؤسسات عموما الى التوجيه الصحيح والدقيق للمعالجات المحاسبية الحالية والمستقبلية في ظل الأزمات المالية التي ترمي بظلالها على الواقع والمستقبل.
لذا فقد تناولت شركات المحاسبة والتدقيق العالمية في اصداراتها وتقاريرها المستحدثة الاثار المحاسبية المحتملة على التقارير المالية في ظل وباء فيروس كورونا, والتي يجب أن تسترشد بها الشركات عموما في اعدادها للتقارير المالية وكذلك شركات المحاسبة والتدقيق.
وكوننا في ظل نهايات الفترة المالية للعام 2019 وبدايات العام 2020 وما ينادي به معيار المحاسبة الدولي رقم (IAS-1) في العديد من العناصر والمكونات من أجل ضمان عرض القوائم المالية العرض العادل Fair Presentation, وبما يخدم مستخدمي القوائم المالية في الحصول على المعلومات التي تساعدهم في تجسيد وفهم واقع الشركات, وتساعدهم على التنبؤ بالتدفقات المستقبلية للمنشأة وتوقيتها ودرجة التأكد من تحققها, وتميل الشركات العالمية في حكمها حال وجود تأكيدات أو مخاوف كبيرة لدى ادارة الشركة بخصوص تأثير فيروس كورونا تفيد بعدم قدرة الشركة على الاستمرار لوجود نية لدى الادارة اما لتصفية الشركة أو التوقف عن العمل, يتوجب على ادارة الشركة الافصاح عن ذلك وعن الظروف التي أدت لهذه الحالة, كما يوجب على الشركات تقديم افصاحات أخرى متعلقة بالالتزامات المحتملة ( الطارئة) Contingent Liabilities بموجب معيار المحاسبة الدولي رقم (IAS-37), وكذلك الافصاح عن أهداف وسياسات ادارة المخاطر المالية. اضافة الى نظرة شركات المحاسبة والتدقيق العالمية لمعيار الابلاغ المالي الدولي رقم (IFRS-13) فيما يتعلق بقياس القيمة العادلة للأصول والالتزامات والتي تبين للشركات في ظل فيروس كورونا بأن تتم اعتبارا من تاريخ القياس والتي كانت سائدة في تاريخ التقارير المالية وليس بتاريخ ما سيحدث مستقبلا بسب الفيروس. اضافة الى نظرة شركات المحاسبة والتدقيق العالمية الى ضرورة قيام الشركات بالإفصاح الكمي والنوعي لخسائر الائتمان المتوقعة Expected Credit Losses للأصول المالية التي لا يتم قياسها بالقيمة العادلة وفق منهجية التدني Impairment في ظل تفشي الوباء لتمكين مستخدمي القوائم المالية من فهم تلك المخاطر وفق معيار الابلاغ المالي الدولي رقم(IFRS-9). اضافة الى أهمية المعيار الدولي رقم (IAS-10) خلال الفترة الحالية لتفشي وباء كورونا, والمرتبط بالأحداث اللاحقة بعد فترة اعداد التقارير المالية Events after the Reporting Period والتي تقع بين تاريخ اعداد القوائم المالية وتاريخ التصريح Authorization Date بإصدار القوائم المالية والتي يكون لها انعكاسات على محتوى القوائم المالية, وميول بعض الآراء الى اعتبار حدث فايروس كورونا بموجب معيار المحاسبة الدولي رقم (IAS-10) حدث ناشئ بعد تاريخ اعداد القوائم المالية 31/ 12 وبالتالي يعد من الأحداث (غير المعدلة) ولا يعبر عن ظروف كانت سائدة بتاريخ القوائم المالية, وغيرها من المعايير المحاسبية الدولية لإعداد التقارير المالية والقضايا المحاسبية والمالية التي نوقشت على مستوى العالم من قبل شركات المحاسبة والتدقيق العالمية والمفكرين وأصحاب الرأي.
في الختام, ان ما تم استقراؤه من تقارير واصدارات وتصريحات مالية تفيد بارتفاع وتيرة عدم اليقين واللجوء الى الحلول المحاسبية والمالية القصيرة والمتوسطة الأجل, ذلك ما يمكن تبريره بسبب حالة عدم الاستقرار في الأسواق المالية والنقدية والاثار الاقتصادية السلبية المتوالية على الدول, والترقب الاقتصادي لأقطاب الاقتصاد العالمي في ادارة الأزمات في ظل سيطرة فيروس كورونا على الصحة البشرية والحالة الاقتصادية, الأمر الذي يصعب من حالة التنبؤ بالحلول المالية في المدى البعيد, اضافة الى ما ستؤول اليه اثار ذلك الفيروس على اقتصاديات الدول المهيمنة والدول الأخرى, وذلك بعد الاحتواء والسيطرة على ذلك الفيروس بإذن الله, الأمر الذي يستدعي من كل دولة وضع استراتيجياتها المالية والاقتصادية والسياسية في المدى المنظور للتعامل مع الظروف الحالية والمستقبلية, ويستدعي من جميع شركات الأعمال دراسة الاثار المحاسبية المحتملة على واقعها وتقاريرها المالية, ومتابعة التعديلات والتغييرات المحاسبية الدولية المحتملة وقياس تأثيرها على تقاريرها المالية المرحلية للعام 2020 والأعوام المقبلة, فتصريح دولة- قطب الاقتصاد - كالصين "ان العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبل كورونا" بحاجة الى التوقف عند ذلك التصريح والتفكير العميق.
والحمد لله رب العالمين...