الكاتب: عبد الناصر عوني فروانة
لقد عانى الأطفال –ومازالوا- على مدى عقود طويلة من بطش وقمع الاحتلال الإسرائيلي، وكانوا دائما هدفا للاعتقال في اطار سياسة اسرائيلية ثابتة تهدف إلى تشويه واقعهم وتدمير مستقبلهم والتأثير على توجهاتهم المستقبلية بصورة سلبية.
ومنذ العام 1967 اعتقل سلطات الاحتلال ما يزيد عن (50.000) طفل فلسطيني، ذكورا واناثا، وزجت بهم في سجونها ومعتقلاتها، وجعلت من اعتقال الأطفال الملاذ الأول ولأطول فترة ممكنة، وحيث لم تخلُ السجون الإسرائيلية يوما من تمثيلهم، ومارست بحق جميعهم وبنسبة(100%) أبشع صنوف القهر والتعذيب الجسدي والنفسي، وحرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والأساسية، في المعاملة والتعليم والعلاج والغذاء والمحاكمة العادلة وظروف الاحتجاز وغيرها، دون مراعاة لصغر سنهم وبراءة طفولتهم، ودون احترام للقواعد النموذجية الدنيا في معاملة الأطفال المحتجزين.
والأخطر من ذلك أنه وخلال السنوات القليلة الماضية ناقش وأقر الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) عدة قوانين تستهدف الأطفال، وتهدف إلى تسهيل اجراءات اعتقالهم ومحاكمتهم وتشديد العقوبات بحقهم مثل: قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عاماً، قانون تشديد عقوبة الحد الأدنى على راشقي الحجارة في القدس، قانون رفع الأحكام بحق الأطفال راشقي الحجارة.
ان هذه الوقائع وغيرها الكثير، رسخت القناعة لدينا ولدى كل المتابعين، بأن دولة الاحتلال بكل مكوناتها قد شاركت وتشارك في استهداف الأطفال وتدمير الطفولة الفلسطينية، في إطار سياسة اسرائيلية ثابتة. الأمر الذي يستدعي من الجميع، وعلى وجه السرعة، تدارك الخطورة واتخاذ العديد من الخطوات وبذل كثير من الجهد والعمل من أجل انقاذ الأطفال الفلسطينيين وحماية مستقبلهم من الخطر القادم.
تلك الصورة القاتمة لم تتبدل مع انتشار فايروس " كورونا"، ولم تتغير المعاملة الإسرائيلية مع الفلسطينيين عامة ومن بينهم الأطفال، فاستمرت حملات القمع والتنكيل والاعتقال، وفي هذا الصدد سُجل اعتقال (225) طفل منذ بداية العام الجاري، وهو نفس الرقم المسجل في ذات الفترة المستعرضة من العام الماضي2019، وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز في سجونها ومعتقلاتها نحو (180) طفلا.
لم تشفع جائحة "كورونا" للأطفال الفلسطينيين من بطش دولة الاحتلال، ولم تدفع ادارة سجونها الى تغيير قواعد معاملتها لهم. فهي لم تتوقف عن ملاحقتهم واعتقالهم، ولم تجرِ أي تحسينات على ظروف احتجازهم ولم تعزلهم في ظروف خاصة، ولم يطرأ أي تحسن على طريقة معاملتهم، ولم توفر لهم –حتى اللحظة-البديل للتواصل مع أهلهم وأحبتهم بعد أن أوقفت زيارات الأهل والمحامين بسبب "كورونا".
ان جائحة "كورونا" لم تشفع لهم فحسب، وانما كشفت عن صور بشعة في التعامل الإسرائيلي معهم، حيث تجاهلت ادارة السجون خطورة "الفايروس" ولم تتخذ اية اجراءات أو تدابير للحماية وضمان السلامة، ولم توفر لهم مواد التنظيف والتعقيم ..الخ، برغم خطورة "كورونا" واختراقه لجدران السجون واصابة عدد من الضباط والسجانين والاشتباه بإصابة العديد من الأسرى هناك، مما يعكس استهتارها وعدم اكتراثها بحياتهم وأوضاعهم الصحية، في تحدي فاضح وصارخ لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
لقد دفع الأطفال الأسرى ثمناً باهظاً، على مدار سني الاحتلال، قبل جائحة "كورونا" وما بعدها، ومن يقرأ شهادات الأطفال يُصاب بالذهول والصدمة، ويكتشف أن غرف التحقيق والتعذيب ومراكز الاحتجاز، ليست سوى مسلخ للطفولة الفلسطينية وافتراس لكل ما هو جميل ورائع فيها، وأن كافة سجون الاحتلال ومعتقلاته، هي أماكن لاستهداف براءتهم وتدمير مستقبلهم، وأن حقوق الانسان وحقوق الطفل الدولية ليس لها مكان على أجندة الاحتلال حينما يتعلق الأمر بمعاملة الأطفال الفلسطينيين، حتى في زمن "كورونا"، ولا فرق بين فيروس كورونا والسجان الإسرائيلي، فكلاهما يقتحم ويُعذب ويؤذي ويقتل.
ولاشك بأن معاناة الأطفال الفلسطينيين ازدادت مع انتشار فايروس "كورونا"، وأن معاناة المعتقلين منهم تفاقمت أكثر مع تصاعد الانتهاكات بحقهم واستمرار الاستهتار الإسرائيلي وغياب اجراءات الحماية والوقاية، مما يتطلب الاستمرار في المطالبة ليس بتحسين ظروف احتجازهم فقط، أو توفير وسائل الحماية والوقاية من خطر "كورونا" فحسب، وانما الافراج عنهم جميعا ووقف ملاحقتهم واعتقالهم واحترام المواثيق والاتفاقيات الدولية في التعامل معهم.