السبت: 01/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

الكورونا لم تهزمنا بل عززت من وحدتنا

نشر بتاريخ: 12/04/2020 ( آخر تحديث: 12/04/2020 الساعة: 13:56 )

الكاتب: رولا سلامة

قبل أكثر من ثلاثة عشر سنة اخترت وظيفة كانت الأحب الى قلبي لأنني ومن خلالها سأطوف أرجاء الوطن وأتعرف على جغرافيته وسأحمل ما في جعبتي من أفلام ومواد تعليمية وأطوف بها بالمدارس والجامعات ، وسأعمل جنبا الى جنب مع المؤسسات والتجمعات والمجموعات الشبابية والنسوية ، سأتعرف على مجتمعي أكثر وسأسمع من أبناء شعبي عن قصصهم وحكاياتهم ، فوظيفتي كمنسقة للتواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة جست فيجن في تلك الفترة ، فتحت لي الأفاق كثيرا للعمل بالمدارس والدخول للصفوف وعرض الأفلام وادارة النقاشات حول الأفكار والقضايا الاجتماعية الكثيرة ومناقشتها مع أجيال المستقبل سواء طلبة المدارس أو الجامعات ، وكذلك مع قيادات المجتمع المحلي من نساء ورجال .

سمعت الكثير عن مبادرات مجتمعية وقصص نجاح لم تكن توثق في الاعلام ، ولم يكن يسمع بها أحد ، كانت مبادرات تنطلق صغيرة لتكبر وتكبر وتساعد وتبني ، تثقف وتوعي ، كانت مبادرات نسمع عنها في دول كثيرة فتستوقفنا ونفكر بها ونثني على من أطلقها ، لاعتقادنا بأهميتها ونتمنى أن نرى مثلها في بلدنا ، ولكنا لم نكن ندرك أن مثيلاتها كثيرة في وطننا الحبيب ، وأن هناك مئات بل الاف المبادرات التي تنطلق باستمرار في قرانا ومدننا ومخيماتنا ولكن أحدا لم يكن يهتم بتوثيقها ونشرها وتعميمها .

في حصار غزة والحرب عليها ، وفي الاجتياحات المتعددة لمدن الضفة الغربية وحصار مخيم جنين كانت المبادرات أقوى وأشمل ، وكانت كثيرة ومتعددة ومتنوعة ولا تركز على منحى واحد ، فالغالبية من أبناء شعبنا ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في العديد من المبادرات فكانت وقفات عز نرفع لها القبعات وننحني اجلالا واحتراما لها ، فمرضى قطاع غزة الحبيب في مدن الضفة الغربية ومدينة القدس كانوا ملاذا للعديد منا لنزورهم ونقف الى جانبهم وندعمهم بطرق كثيرة ، وعند حصار مدينة أو قرية أو مخيم نرى عيون الشعب تتجه الى المكان الصحيح وتبدأ المبادرات لدعمهم وتعزيز صمودهم والوقوف الى جانبهم .

وأما اليوم وفي هذه الظروف الصعبة وجائحة كورونا التي غزت العالم وقتلت الالاف ودمرت الاقتصاد العالمي ، فلم تكن فلسطين بمنأى عن هذه الكارثة ، وشاهدنا تأثير هذا الوباء على مختلف القطاعات ، وبدأت المبادرات وانتشرت وكبرت لتعم أرجاء الوطن ، فبدأت حملات التوعية تنتشر وأصبح لكل منا نصيبه ومساهمته بهذا النشاط ، وشاهدنا حملات كثيرة تدعونا للمكوث في البيت والصلاة فيه بدل المساجد والكنائس وعدم التزاحم والتجمع واستخدام المعقمات والكمامات والمطهرات ، مبادرات لتوزيع الكمامات ومواد التعقيم على التجمعات والقرى والمؤسسات ، انشلت الحركة الاقتصادية وبات غالبية الشعب في المنازل الا قلة قليلة سمح لها التحرك وفقا لقوانين صارمة ، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي ملاذنا الوحيد ، وباتت الدعوات للجميع بالتواصل عبرها بدل الزيارات ، فبعد أن كنا نشكو من انحصار الزيارات وانعدامها في معظم المناسبات واستبدال الزيارات بالرسائل والمسجات ، وبعد أن غزا الواتس اب والفيس بوك حياتنا وتبدلت تهانينا وتعازينا لتصبح عبر لايكات ورسائل ، عدنا نطالب باستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف والرسائل بدل الزيارات والقبلات والحضن الدافىء ، فكورونا غيرت ما اعتدنا عليه ولكنها حركت فينا ما غاب عنا ، وما كدنا ننساه ، من وسائل للتواصل الحقيقي والدعم الحقيقي والمسؤولية الاجتماعية الحقيقية والتفكير بمبادرات مجتمعية خلاقة ، لنحارب الكورونا معا ونقضي عليها معا ، ولنبدأ حملات توعية حقيقية ونفكر بوسائل لمحاربتها ولندعم بعضنا البعض ونقف عند مسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض وتجاه مجتمعنا ، ففي القدس العاصمه بدأت المبادرات من شبان وشابات من مختلف الأعمار تكبر وتتطور وتشمل مختلف مناحي الحياة ، وكان لي نصيب من بعض المساهمات ، فكم نحن بحاجة أن نفكر معا ونعمل معا ونقدم كل ما نستطيع لنوفر الأمن والأمان والعزل ووسائل الحماية المختلفة لأهلنا وذوينا ومرضانا بعد أن أهملنا الاحتلال وتقاعس عن مسؤولياته وبعد أن تركنا مع هذا الفيروس اللعين لنواجهه وحدنا وبعد أن منع عنا التواصل مع سلطتنا الوطنية لننسق معا ونواجه الوباء معا ، فعدنا كالأيتام علينا أن نواجه مصيرنا بأنفسنا ، وكانت هذه القضية هي المحك الأساسي لأبناء القدس فبدأت تخرج المبادرات من توزيع للكمامات والمعقمات الى دعم للأسر المتعففة من طرود وغيرها ، وبدأت المناشدات تصل من قرى ومخيمات تطلب المساعدات وتناشد المؤسسات والمنتديات لتوفير ما يلزمهم من طعام ومعقمات بعد أن تفشى المرض وتوقف العامل عن العمل وبدأنا بتجهيز أماكن الحجر وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لمن سيتم حجرهم لأيام معدوده من طلبة وعمال ، وبدأنا ننظم أنفسنا ونشق طريقنا نحو الحرية والاستقلال عن الاحتلال ، فنعم لهذه المبادرات التي خلقت جيلا نشيطا مبادرا خلاقا يخرج من رحم المعاناة أبطالا ليقودوا المرحلة ونعم لنستمر ولنستوعب العدد الأكبر من المتطوعين والمتطوعات ونعم لنستمر بهذا الطريق في عصر كورونا وما بعدها في كل أنحاء فلسطين .

الكاتبة الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن الكورونا وتأثيرها بالمجتمع الفلسطيني .