الكاتب: داوود ابو لبدة
داوود ابو لبدة
أربعة أشهر مرت على انتشار فيروس كورونا المستجد والذي بدأ انتشاره في الصين ومن ثم الى معظم أنحاء العالم ولا زال يتفشى بشكل متزايد يوما بعد يوم خصوصا في اسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الامريكية بحيث تجاوزت أعداد الوفيات الألف يوميا في هذه الدول. حتى اللحظة لم يتم التوصل الى أساليب علاجية للتخلص من الفيروس على الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها العلماء في مختبرات كثيرة حول العالم من أجل تطوير لقاح يقضي على الفيروس، من الجدير بالذكر أن أجهزة الاستخبارات العالمية تحاول من خلال عمليات التجسس وجمع المعلومات أيضا مساعدة العلماء في التوصل الى طرف خيط حول مصدر الفيروس وهل هو فعلاً طور نفسه بنفسه أم أن الفيروس تم تطويره في مختبرات احدى الدول لأهداف معينة وفي مرحلة معينة فقد مطوري الفيروس القدرة على السيطرة على الفيروس.
اعتادت أجهزة الأمن والاستخبارات في العالم على تركيز قدرتها الاستخباراتية في متابعة التهديدات الإرهابية ومواجهة الإرهاب العالمي خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 , ومنذ حينها تعمل الاستخبارات العالمية على رصد ومراقبة تحركات التنظيمات الإرهابية في محاولة منها للحد ومنع أي هجوم إرهابي مماثل لأحداث سبتمبر أو أي عمل إرهابي يستهدف الدول ومواطنيها , ولكن في مرحلة متقدمة تحول التهديد الإرهابي في العالم من عمليات إرهابية يقوم بتنفيذها عناصر في تنظيم إرهابي معين الى إرهاب الكتروني أو ما يسمى بحرب السايبر بحيث أصبح الإرهاب الالكتروني يشكل تهديدا صريحا للمنظومة الأمنية العالمية وباتت الدول بأجهزتها الأمنية والاستخباراتية تعمل على انشاء شبكة أمنية الكترونية لحماية مصالحها من أي هجوم الكتروني .
انتشار فيروس كورونا سيدفع الدول الى تغيير مفهوم الأمن القومي الخاص بها وستعيد الدول بناء المنظومة الأمنية والاستخباراتية بشكل يضمن ادخال الأمن الصحي لمنظومة الأمن القومي وخصوصا لدى الدول العظمى، بحيث ستعمل تلك الدول على تطوير مفهوم الأمن الصحي والتركيز على هذا الجانب خصوصا بعد الدمار الهائل في المنظومة الاقتصادية والبشرية العالمية كنتيجة من انتشار فيروس كورونا.
من الممكن قوله أن مفهوم الأمن الصحي لم يكن على سلم أولويات أجهزة الأمن والاستخبارات في العالم لأنه لو كان كذلك لاستطاعت الدول تخفيف النتائج والآثار السلبية لفيروس كورونا الى حد ما, وخير مثال على ذلك ألمانيا والتي لم تتضرر كباقي الدول المجاورة لها مثل إيطاليا واسبانيا ويعود ذلك الى نجاح أجهزة الاستخبارات الألمانية بالتنصت على أجهزة الاستخبارات الصينية , ومعرفة أن الفيروس منتشر في الصين , وحصلت على تفاصيل الفيروس وأعراضه وقامت بإبلاغ المؤسسات الصحية في ألمانيا قبل أسبوعين من اعلان انتشار الفيروس, استباق الحدث للاستخبارات الألمانية وحصولها على تلك المعلومات ساعدها في انشاء شبكة أمن صحي لها ولمواطنيها .
من جهة أخرى وحتى اللحظة لم يتم حديد هوية الفيروس هل هو فيروس قام بتطوير نفسه أم أن الفيروس تم انتاجه وتطويره بشريا وهنا سيكمن الخطر الأكبر والذي سيضع أجهزة الاستخبارات أمام خطر وتهديد حقيقي ألا وهو امكانية قيام أي منظمة او تنظيم إرهابي في العالم بإنتاج فيروس قاتل ومدمر في المستقبل واستعماله ضمن حرب معينة لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية محددة وهنا يصبح العالم أمام خطر الإرهاب البيولوجي والذي ستكون مخاطره كبيرة مقارنة بأنواع الإرهاب الذي مر به العالم في السنوات الماضية.
مؤخراً بدأت أجهزة الأمن والاستخبارات في العالم بتقديم معلومات استخباراتية وتقارير أمنية تتعلق بفيروس كورونا ومن أهم الأمثلة الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين حيث نشرت الاستخبارات الأمريكية تقريرا يتهم الصين بإخفاء تفاصيل تتعلق بمدى انتشار فيروس كورونا في مراحله الأولى بل وأخفت الأعداد الحقيقية للضحايا الذين لقوا مصرعهم في الصين نتيجة لأصابتهم في الفيروس. من جهة أخرى الصين تتهم الولايات المتحدة الأمريكية بالوقوف وراء انتاج وتطوير الفيروس وفق معلومات استخباراتية صينية حسب قولهم الا ان كل ذلك يبقى في دائرة الاتهام ولا توجد مصادر مؤكدة تثبت الاتهامات الموجه من الطرفين. مثال آخر ألا وهو قيام جهاز الموساد الإسرائيلي وتحت مسمى عملية أمنية بجلب مواد وأجهزة طبية وأدوية من دول لا توجد بينها وبين إسرائيل علاقات دبلوماسية لمكافحة فيروس كورونا وهذا يؤكد على أن الأمن بات يقوم بأعمال وزارة الصحة وهنا يطغى مفهوم الأمن الصحي في عملية من هذا النوع ويعزز التوجه الجديد في المنظومة الأمنية لدى بعض الدول.
إذا نحن اليوم أمام ظهور نوع جديد في المنظومة الأمنية والاستخباراتية في العالم أجمع، ألا وهي الاستخبارات الصحية التي ستكرس اهتمامها للحفاظ على الأمن الصحي للدول ولمواطنيها، وسيكون لهذا النوع من الاستخبارات أولوية بالنسبة لصناع القرار على الصعيدين السياسي والاقتصادي. هذا النوع من الاستخبارات لن يكون سهلا وسيواجه أعباء كبيرة لأنه يحتاج تطوير أجهزة وتقنيات قادرة على تحري الأوضاع الصحية في مكان ما والبحث عن التهديدات البيولوجية.
على الاستخبارات الصحية العمل على تحليل كل المعلومات التي يتم الحصول عليها من مراقبة الهواتف أو من النشاط على وسائل الاعلام الاجتماعي أو من خلال كلمات البحث المستخدمة في الانترنت وغيرها، هذا النشاط من قبل أجهزة الاستخبارات سيقابل بفيتو من منظمات حقوق الانسان بذريعة خرق الخصوصية الشخصية، ولكن في وجهة نظري الخصوصية الشخصية لا تقل أهمية عن الأمن الصحي والذي يجب ان يصبح عنصر من عناصر الأمن القومي للدول وبشكل مساو لباقي عناصر الأمن القومي وهي السياسة والمجتمع والبيئة والطاقة والموارد الطبيعية والاقتصاد.