الجمعة: 07/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

الطاووس الأشقر ترامب يُبشّر بنعيق الغراب

نشر بتاريخ: 13/04/2020 ( آخر تحديث: 13/04/2020 الساعة: 13:26 )

الكاتب: السفير منجد صالح

يقول المثل الشعبي "مثل غراب البين"، يُبشّر بالخراب. وهذا هو السيّد ترامب مثل غراب البين دائما يُبشّر بالمصائب والخراب. فقد بشّر ترامب مؤخّرا بأن حصيلة الوفيّات في بلاده ستبلغ من 55 ألف إلى 75 ألفا نتيجة لتفشّي فيروس كورونا على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية. وأن هذا العدد "المتواضع"، حسب ترامب، سيكون محصلّة ونتيجة الإجراءات الوقائية "الرائعة" التي أتخذها فخامته، وإتخذتها إدارته تحت "حسن" إدارته.

وهذه البشرى الجديدة نسخت بشرى قبلهاوأقدم منها كان يتوقّع فيها ترامب، حسب ما قال: "أنه إذا فقدت الولايات المتحدة مئة ألف "ضحيّة" نتيجة فيروس كورونا فإن ذلك سيعتبر "إنجازا" لإدارته.

ويمتدح الرئيس ترامب نفسه ويُثني على إدارته بأنها "سمعت صوت ذاتها" ولم يتّبع هو ولم تتّبع هي(ادارته) مثل السويد. في هذه الحالة، في حالة تطبيق المثل السويدي، كان من الممكن أن يُسجّل وفاة مليوني شخص (أمريكي) بسبب وباء الكورونا، لو إمتنع، فخامته، عن إتخاذ تدابير قاسية بهدف حماية الإقتصاد، على غرار ما فعلته السويد، بحسب ما يقول ويدّعي ويُصرّح الطاووس الأشقر.

من غير المفهوم حقيقة ماذا يُريد ترامب أن يقول أو الى ماذا يرمي ويقصد. ولماذا هو "حاذف قرده على طحين السويد"؟؟!! لكن المفهوم والمعلوم هو أن ترامب اشبه ما يكون ب "دون كيشوت"، بطل رواية الاديب الإسباني سرفانتس، "دون كيخوتي"، أي دون كيشوت، البطل البهلواني، ذو المعارك البهلوانية الوهمية المُفتعلة والخاسرة، لكن لا تخلو من الطرافة والظرافة "السوداء".

ترامب وصل الى البيت الابيض، لم يعد البيت أبيضا تماما بوجوده وإنما مائلا الى السواد، في غفلة من الزمن ونتيجة تحريض ومعادلات في الداخل الأمريكي. فالحقيقة ان الشعب الأمريكي من اكثر الشعوب ديناميكية، وربما من اقلّها ثقافة. شعب محب للتغيير يتأثّر بالخطب الرنّانة وباصوله المبنبة على ثقافة "الكاوبوي". فقد أوصل بإعجوبة باراك أوباما الى سدّة الحكم بالرغم من كونه ملوّنا و"أصوله الإسلامية"، وأوصل بعده مباشرة ترامب الى كرسي الرئاسة بالرغم من أنّه عنصري وبلطجي وفوضوي.

ومنذ الحركة الفوضوية في "كمونة" باريس قبل الثورة الفرنسية لم تنجح الفوضوية إلا في ليبيا القذافي، فهل أبالغ لو أشبّه ترامب بأنه "قذافي الأمريكيين". فلولا قوّة ورسوخ مؤسسات الحكم والقيادة في أمريكا لما توانى ترامب لحظة واحدة في تحويل الولايات المتحدة الأمريكية الى "الجماهيرية الأمريكية العظمى"!!! ولألغى كافة المؤسسات الدستورية ولأعلن عن نفسه "قائدا اوحدا مُلهما"يتمترس على الكرسي الوثير حتى اللحد، وربما كان سيورّثه لإيفانكا بعد عمر طويل!!!

وعلى غرار سياسة القذافي الذي صفى زملاءه في "مجلس قيادة الثورة" بإستثناء عبد السلام جلّود، الذي كان يبدو غارقا مُنتشيا في غفوتهوسكرته، مارس السيّد ترامب السياسة ذاتها، فمنذ وصوله الى البيت الأبيض لم يبق معه من الذين عيّنهم طاقما له ومعه ورافقوه في "حبوه" وخطواته الأولى في البيت الأبيض، إلا صهره جاريد كوشنير وإبنته إيفانكا، أما البقيّة فقد "طردهم" أو أجبرهم على الإستقالة أو "قرفهم في عيشتهم" فآثروا الإنسحاب من مناصبهم غير آسفين على "هالرفقة العويصة المُتعبة". لم "يُضاين" معه أحد لا وزير خارجية ولا مستشار أمن قوميولا مدير استخبارات ولا حتى غّلاة المتطرّفين أمثال جون بولتون ونيكي هايلي. لقد تبخّروا من حوله واختفوا "في ليلة ما فيها ضو قمر".

التاجر ترامب لملم ثروته بالمداهنة و"لعب الثلاث ورقات". فقد كان أعلن عن إفلاسه عدة مرّات في تسعينيّات القرن الماضي، لكنه "بزغ" من بحر إفلاساته المتكررة "المُتعمّدة" بثروة كبيرة مشبوهة جناها من غسيل الأموال وعلاقاته مع المافيا الروسية. وكانت حياته مجموعة من الفضائح المالية والجنسية مع "ممثلات البورنو الإباحيّات". ولقد رأيت قبل ايام على شاشة التلفاز وخلال مباراة قديمة للمصارعة الحرّة الأمريكية، قبل عدة سنوات، ترامب بالبدلة وربطة العنق والحذار اللامع وهو "يُغير" وينقضّ على أحد المصارعين خارج الحلبة ويوسعه ضربا وركلا ويوجّه له الشتائم القبيحة ويتركه "مرميّا على الارض" ويغادر وكأن شيئا لم يكن!!!

أمّا خلال حملته الإنتخابية للرئاسه وتنافسه مع مدام كلينتون، هيلاري، وطلّاته التلفزيونية ومواجهاته المتلفزة معها، فلم يترك ترامب صفة قبيحة ولا شتيمة بذيئة إلا وألحقها بمنافسته المرشحة الديمقراطية. وكنت اتساءل حينها هل من المعقول أن مثل هذا المرشّح "السوقي" سيتولى زمام الامور في القوة العالمية الأولى؟؟!! وسيقوم وقتها من موقعه كرئيس للولايات المتحدة "بتوزيع شهادات حسن سلوك" على دول العالم؟؟!!

وبحكم أنه خبير ضليع في "تبشيم الخوازيق"، فيبدو أنه "بدأ عمله مبكرا"ودقّ إسفينا في أحشاء حملة منافسه الديمقراطي المُحتمل على الرئاسة القادمة، جو بايدن، بإختلاق ادّعاء إحدى "السيّدات"، التي كانت عملت مع بايدن، بأنه "عاكسها" وتحرّش بها جنسيا قبل ثلاثسن عاما!!! وأنه "تجرّأ" حينها وأقحم يده من تحت "تنّورتها" وتحسّس "مواطن عفّتها". لكنها لم تذكر لون التنورة التي كانت تلبسها حينذاك، لأنها ربما لا تتذكّرها بعد ثلاثين عاما لكنها تذكّرتواوردت في شكواها تفاصيل مثيرة ومحبوكة للواقعة.

لقد أثبت ترامب في مدة الثلاث سنوات ونيف من تمترسه في البيت الأبيض بأنه ليس فقط شرطي فاسد يحكم أمريكا و"يحكم" العالم، لكنه ايضا سارق وناهب لثروات الشعوب، الذي يدّعي حمايتها من "خطر" جارتها. لقد اثبت ايضا انّه سارق لحقوق الشعوب وتطلّعاتها في الحرية والإستقلال، داعم ونصير وحليف لقوى البغي والعدوان والإحتلال العسكري بالقوّة وبالحديد والنار.

"غراب البين" ترامب كان وبالا وخرابا على الشعب الفلسطيني المكافح المناضل من اجل إستعادة ارضه وحقوقه المسلوبة. لقد "أهدى" ترامب بكل صفاقة وعدوان القدس العربية الإسلامية المسيحية لتكون "عاصمة الشعب اليهودي" ونقل سفارة بلاده إليها وألغى القنصلية الامريكية في القدس الشرقية التي كانت ترعى شؤون الفلسطينيين منذ اكثر من 300 عام، وجعلها "زائدة دودية" في رحم السفارة الامريكية المنقولة حديثا إلى القدس الشرقية، ويتعامل مع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وكأنه جالية وإحدى مكوّنات "المجتمع الإسرائيلي". من اجل ذلك اقفل مكتب م ت ف في واشنطن محاولا إلغاء الشخصية الإعتبارية الفلسطينية وبالتالي إلغاء حقوقها السياسية والتعامل معنا "كحالة إنسانية أو إقتصادية"!!!

العالم كلّه في مأزق هذه الايام بسبب تفشّي فيروس كورونا في دول العالم، والولايات المتحدة من أكثر المتضرّرين بشريا وإقتصاديا، بسبب "تخبّطات" الطاووس الاشقر وقفزاته "الكنغرية" من موقف الى موقف مناقض ومن تصريح الى تصريح مضاد ومن إتهام الى إتهامات أخرى ومن قرصنة الى بلطجة الى محاولة الإستحواذ على لقاح ألماني بالرشوة بمليار دولار. تصرّفات مخجلة يندى لها الجبين ويُبشّر من خلالها ترامب "غراب البين" بقرب أفول نجم الولايات المتحدة كقوّة عظمى متفرّدة على رأس هرم العالم، وربما صعود قوى أخرى أكثر اخلاقية واكثر ملاءمة لعالم ما بعد فيروس كورونا. والله تعالي أدرى وأعلم.