الكاتب: وليد الهودلي
زرت صديقا لي في قسم الامراض القلبية في المستشفى الاستشاري وكان بجواره مريضا أُصيب بجلطة له قصّة غريبة، قصّها عليّ ابنه الواقف على رأسه:
منذ أن أقيمت مستوطنة عوفر "قدّس الله سرّها" على أرضنا في بلدة عين يبرود وهم جيراننا عنوة وزورا، أبي لا شأن له بالسياسة ولا طاقة له بمقاومة أو أية مواجهة لا من قريب ولا من بعيد، سوى الدعاء وتخزين القهر والغضب في صدره وسياسة رعي الغنم، يغدو ويروح في رعي غنمه التي هي رأس ماله في هذه الحياة، هي وبيته وزريبة الغنم كلّ ما تبقى له من معاني الصمود والوطن. هم يتطاولون في البنيان ويتمدّدون في تزييف الأرض والمكان وتضخيم حجم الزور والبهتان، وهو قائم متشبث في هذه الزاوية التي حشروه فيها ولم يبق إلا أن يحاسبوه على حجم الهواء الذي يتسلّل إليه، ولعلّهم أبقوه جارا ليبقى لأطفالهم وأحفادهم مضربا للمثل عن العربي الذي لا يعرف سوى الغنم بينما هم الاسياد وأصحاب العلم والقلم.
أطلت عليكم وأنتم تنتظرون إجابة السؤال: كيف جُلط جار المستوطنة راعي الغنم؟!
في مساء يوم نحس أضل الحمار الطريق أو لعلّه أحبّ أن يخرج عن السطر بعد أن ملّ روتين الرعي أو أن يغرّد خارج السّرب أو أن يتسكّع في المستوطنة، المهم ساقه قدره ودخل بوابة المستوطنة، أغلقوا عليه واقتادوه إلى رئيسهم حيث خضع للفحص الأمني واستجوبوه وأحالوه للتحقيق، ولمّا ثبتت براءته وعرفوا انه لجارهم العربيّ الراعي، وطبعا حق الجار على الجار قاعدة ذهبية عندهم، لذلك فقد قرّروا الاتي:
تحرير مخالفة بخمسة الاف شيكل بسبب جرأة الحمار وتعدّي حدوده، وارباك الامن والسكينة التي يتمتع بها سكان المستوطنة.
أمّا السبب المباشر في جلطة صاحبنا فليس هذا فحسب وإنما قرّروا أيضا مصادرة الحمار ونقله الى مكان مجهول لتنفيذ حكم الإعدام وليكون عبرة لكلّ حمير المنطقة.
قلت لراوي القصة: أنظر يا رجل فيما تقول أحدث هذا بالفعل؟ أوصل بهم صلفهم الى هذه الدرجة؟ فأشار إلى أبيه، هذا أبي ليقدّم لك شهادة مشفوعة بالقسم، ثم إن الحمار قد أعدم بلا رجعة، والمخالفة أيضا شهادة مكتوبة.
لم تبدو هذه القصّة غريبة؟ هي قصتنا مع الاحتلال على مرّ زمانه معنا:
(أن يدخل الحمار المستوطنة حجة كافية لإنزال العقاب علينا.)
فالمستوطنة هي هذا العقل الصهيوني الفذّ! والحمار هو كل ما يتشبثون به لانزال عقابهم وجبروتهم وغطرستهم وصلفهم علينا دونما الحاجة الى مبرر أو سبب وجيه. من أين نبدأ ؟
وسيبقى الاحتلال يتصرّف على مواصفاته ومقاييسه الفريدة التي لن تجد في العالم مثيلا لها.
ومن فوائد جرأة هذا الحمار أنه يكشف طبيعة العقل الذي يدير المستوطنة.