الخميس: 06/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

مصيرُ الخرِّيجين في زمنِ كورونا بين عُقمِ امتحان التَّوظيف ووقف فرع التكنولوجيا في الثانوية العامّة

نشر بتاريخ: 24/04/2020 ( آخر تحديث: 24/04/2020 الساعة: 13:24 )

الكاتب: د.ياسر عبدالله

يُعقدُ امتحانُ التَّوظيف في شهر أيار من كل عام؛ شهر أيّار شهرُ النَّكبةِ وشهرُ العُمّالِ وشهرُ المُناسبات الفِلَسطينيَّةِ المُتتالية. تزدادُ أعدادُ المُتقدِّمين لامتحانِ التّوظيف بمُعدَّل 5000 خريج سنويًّا، و ذلك وفق إحصائيّة أعدّها ملتقى الخريجين الباحثين، وقد كانت النسبة في العام 2010 ما يقارب 20 ألف خريج، أما آخر امتحان توظيف تم تقديمه فقد كان عام 2019 وقد بلغ عددُ المتقدِّمين حوالي 50 ألف خريج من مختَلَفِ التَّخصُّصات، وهذه الزّيادة المُخيفة في صفوفِ الخرّيجين والتي أوصلت نسبةَ البَطالة بشكلٍ عام إلى 57% ، وتجاوزت هذه النسبةُ بين خرّيجي التخصُّصات الأدبية والتربية 80% من المُتقدِّمين في هذيْن المجالَيْن، إلا أننا لم نرَ أيَّةَ قوانين أو تغييرات في السياسات للحدّ من هذه الزيادة، بل استمرَّت دونَ أي تعديل في مادة امتحان التوظيف، كما قُدِّمَ مُقترَحٌ يهدفُ إلى معالجةِ العبء المُترتِّب على عقد هذا الامتحان إلا أنَّه ظلَّ حِبرًا على وَرَق.

وقد تغيَّرت إجراءات امتحان التوظيف في زمنِ كورونا؛ لأنَّ تقديمَ الامتحان في ظل الأوضاعِ الرّاهنة يعني اختلاطَ الطُّلابِ والمُعلِّمين؛ مِمّا يُشكِّلُ خطرًا على صِحَّتِهِم، ولو تمَّ اعتماد مُقترَح تعديل امتحان التوظيف فسيكون حلًّا مُناسِبًا للحدِّ من انتشار وباء كورونا بيْنَ أوساط الطلبة والمعلمين والإداريين، بالإضافة إلى أنَّ هذا المُقترَح يُخفِّف من نفقات الصَّرفِ على الامتحان بشكلٍ كبير، خاصَّةً في هذه الظروف التي تُعاني منها الموازنةُ الماليّةُ من أعباءَ مَلحوظة.

إنَّ إيقافَ فِرعِ التّكنولوجيا يعني الرجوع إلى الوراء بضعَ خطوات، ويعني وَأْدَ طموح الشباب؛ وإن كان هناك دراسات أُعِدَّت حوْل استمرار أو وقف الفرع؛ فإن تلك الدّراسات لم تَدرس احتياجات سوق العمل للتّخصصات ذات العلاقة بالتكنولوجيا وفي كافة المجالات، ولم تأخذْ بعين الاعتبار كم تؤثر التّخصصات التكنولوجية على تحسين اقتصاد فِلَسطين وعلى مواكبةِ التَّطور التكنولوجيّ في العالم، حتى وإن كان هناك ضعفٌ في موادِ فرعِ التّكنولوجيا؛ فالأسهلُ والأنجَعُ هو أن تُشكَّل لجنةٌ من الخبراء والجامعات لإعادة صياغة تلك المواد بما يرتقى بالفرع وليس إيقافه، وإلا فأيْن سيكون مصير آلاف المُعلِّمين بتخصُّص التكنولوجيا في المدارس بعد إيقاف الفرع؟! هل أخذَت الدراساتُ على عاتِقِها مصيرَ هؤلاء في توصياتها وتشخيصها للوضع العام لفرع التكنولوجيا؟!

الدول تسعى الى اعتماد تطبيق مبدأ الحكومة الاكترونية في ادارة مؤسساتها ، ودول فلسطين تسعى الى تحقيق ذلك ؛ فهل وقف فرغ التكنلوجيا يشكل معيق مستقبلي امام احتياجات سوق العمل من التخصصات التي تستند الى فرع التكنولوجيا في الدراسة الجامعية؟

وايهما افضل ان تقبل الجامعات في التخصصات المرتبطة بالتكنولوجيا اولئك الطلبة ممن جاءوا من الفرع التكنولوجي ام من الفروع الاخرى ؟

بادرَت الجامعاتُ في فترةِ انتشار فايروس كورونا ومن خِلال تَبَنّي مُبادرات الطلبة، إلى اكتشافِ أجهزةٍ ومعدّاتٍ لمُكافحةِ الفايروس ، وجميعها كانت تدخل في مجالِ التكنولوجيا، وكانت هذه المبادرة ناجحة وتستحق دعمَ وتبنّي الجهاتِ المعنيّة؛ للارتقاءِ بفِلَسطين إلى مقامِ الدُّول المتقدِّمة .كما شكَّل التعلُّم الإلكتروني مَنفذًا للجامعات والمَدارس في فترة فايروس كورونا، وكذلك الأمر لدى العمل الإلكتروني في المؤسسات والشركات وكافة القطاعات؛ فقد خلقَ فُرَص عمل للكثير من الناس في مجال التسويق الإلكتروني والأبحاث والدراسات والإعلام، بالتالي فقد كانت التكنولوجيا نافذةَ أمَلٍ للشّباب للاستمرار في أعماله وإبداعاته.

وإن نظرْنا نَظرةً ثاقِبَةً إلى التَّعليم في الدُّوَل المُتقدِّمة وفي الكيان الصهيوني- إسرائيل- لنرى كيف تمكَّنَت تلك الدُّوَل من انعاش اقتصادها من خِلال تركيزها على التكنولوجيا في كافة المجالات، فقد استطاع الاحتلالُ بيْعَ التّكنولوجيا لدولٍ عُظمى ودولٍ غنيَّة؛ كونه يُصمِّم أنظمةً للتعليم التكنولوجي للطلبة منذ الصفوف الأساسية لاكتشافِ العباقرةِ منهم، وللبحث عن الطلبة ذوي الميول التكنولوجي على اختلاف جوانبه، لتوظيف ميولِهم فيما بعد في صناعة التكنولوجيا وتطوير الاقتصاد والأمن ثمَّ التفوق على الدول العُظمى في هذا المجال؛ فالعالم يتحول إلى تكنولوجيا الأشياء؛ حيث إنَّ كلَّ شيءٍ أصبح يتحول تدريجيًا إلى تكنولوجيا ومواكبة التطوّرِ الحاصل في العالم يحتاج إلى استحداثِ صفوفِ التكنولوجيا في المرحلة الأساسية ومنذ الصف السابع وليس إيقاف فرع التكنولوجيا!

بالتالي فإنَّ امتحانَ التَّوظيف في فترة انتشار فايروس كورونا يشكِّل خطرًا على حياةِ الطَّلبةِ والمُعلِّمين،حتى لو اقتصر على المقابلات فهذا خطرا ايضا، وإيقافِ فرعِ التّكنولوجيا في عصر التكنولوجيا الرَّاهِن يعني إعادة التعليم في فلسطين إلى الوراء عُقود، والتَّسرع في القرارات يعني صعوبةً في العودةِ إلى الصَّواب، إلا أنَّ التراجعَ عن القرارات يظلّ أفضل من الاستمرار في الأخطاء، فقد يُكلِّفُنا التّردُّدَ مالا تُكلِّفنا الخطوةُ الخاطئة.

بعضُ الدُّوَلِ تسعى إلى مسابقةِ الزّمن في التعليم التكنولوجي، ودولٌ أخرى تسعى للسيطرةِ على العالم من خلال تركيزِها على التكنولوجيا، ودُوَلٌ مازالت تفكرُ في الإجابة عن سؤال: هل التكنولوجيا احتياج أم هي مادة إضافيّة في المدراسِ والجامعات؟! ودُوَلٌ توقِف أيَّ فُرصَةٍ للنّهوضِ بالواقع التعليميّ التكنولوجيّ في مؤسساتها التعليمية. إذن فلنقف عند سؤال: إلى أيِّ مدى نُواكب التعليمَ التكنولوجيّ في العالم؟! وإلى أيِّ مدى نتخذُ قراراتٍ تخدمُ ذلك؟!

المستقبل لِمن يملكُ أجيالًا من المخترعين والعلماء في مجال التكنولوجيا، أجيالًا سيبرانية!

وأخيرًا، لقد تحوَّلَت فكرةُ التعليمِ الإلكترونيّ إلى نافذةٍ لإنقاذ العمليّة التعلميّة برمَّتِها سواءً في المدارس أو الجامعات أو حتى في المؤسَّساتِ الحُكوميّةِ والأهليَّةِ والخاصّة، وأصبحَ العالمُ يدرس مصيرَ التعليمِ في فترةِ ما بعدَ كورونا، وإمكانيّةَ دمجِ التَّعليمِ الإلكترونيّ والتقليديّ في نظامٍ تعليميٍّ جديد، ونحنُ في دولةِ فِلَسطين نأملُ دائمًا أن ننظرَ إلى الأمامِ ونستشرفَ المُستقبلَ التعليميِّ العالميّ، ونوظِّف التّجربةِ التَّعليميَّة في أزمة كورونا لِما هو نافعٌ للعمليَّة التعليميّة في فِلَسطين مُستقبَلًاـ، وأن يكونَ فرعُ التّكنولوجيا خطًّا أحمرَ لا يُمكن تراجعه ولا إيقافه، وإنّما العمل على أن يتقدمَ إلى الأمامِ ويتطوَّر ويستمرّ في مواكبة التطوُّرات العالميّة التي خلقتها أزمةُ كورونا لنكون جاهزين لِما بعد كورونا مِن تغيُّراتٍ دَوليَّةٍ وإقليميَّة.