السبت: 01/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

نحو استراتيجية وطنية لتوظيف التعلم عن بعد في المدارس ما بعد الكورونا

نشر بتاريخ: 26/04/2020 ( آخر تحديث: 26/04/2020 الساعة: 18:06 )

الكاتب: سامية عمر الديك

يعد التعليم الجيد والمنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع أحد أهم أهداف التنمية المستدامة فهو صالح عام وحق أساسي من حقوق الإنسان وأساس يستند إليه لضمان تحقيق الازدهار البشري. ومع ظهور جائحة الكورونا وما أحدثته من تحولات، وما فرضته من تحديات لإحداث نقلة نوعية في نظم التعليم، وجعل التعلم عن بعد نقطة انطلاق تحتاج الى إعداد أفراد ذوي كفاءة واقتدار في عالم رقميّ اللغة وتكنولوجيّ الاتجاه، مما يستلزم استمرارية التعلم وإكساب الطلبة المعارف والمهارات، وبما يكفل صحة نفسية سوية لهم؛ لأن تنمية الموارد البشرية التي تنتج هذه المعارف هي العامل الحاسم في تحديد قوة المجتمعات، وقد أصبح الاستثمار في مجال التربية والتعليم أكثر الاستثمارات عائدا، وهو أحد أهم المرتكزات والأهداف العامة لسياسة التعلم في فلسطين، وذلك إذا ما أخذنا بآخر ما توصلت اليه التقنية على مستوى العالم، بالتزامن مع الطموح المتزايد في المحافظة على المستوى الأكاديمي الذي يميز شعبنا كأحد الشعوب الأكثر اهتماما بالعلم والعلماء. ومما لاشك فيه أن كثيرا من دول العالم قطعت شوطا لا بأس به في مجال استخدام التكنولوجيا في التعليم سواء كمادة تعليمية، أو من خلال استخدامها في إدارة شؤون الطلبة والمعلمين، أو وسيلة تعليمية.

ونتيجة للظروف الراهنة بدأ البحث عن طرق جديدة تحقق وتدعم أهداف العملية التعليمية التعلمية وظهرت مبادرات جادة، ومحاولات للحفاظ على صلة الطالب بمدرسته ولكن الأسئلة التي يجب طرحها:

هل كان هنالك يقظة جدية ورؤية مستقبلية واضحة في نظم التعليم داخل المدارس تنسجم مع المعطيات السابقة ذات العلاقة بالتطور التكنولوجي ورقمنة التعليم قبيل زمن الكورونا؟

هل نحن بحاجة لبلورة سياسات واستراتيجيات توظيف التكنولوجيا لإعداد الخطط وتنفيذ المشاريع لدفع الجهود البحثية والتطويرية في مجالاتها ونشر استخدامها في المنظومة التعليمية؟

هل يجوز ترك التوظيف للتعلم عن بعد لهذه التلقائية والعفوية؟ وهل سننظر الى المستقبل من حيث ما سيكون عليه التعليم ما بعد الكورونا؟

إذا كان التعليم هو المدخل الحقيقي للتنمية الشاملة يجب رسم خريطة واضحة لتطويره، وعلينا أن نسخر قوى العلم والتكنولوجيا، وتحويل سياسات التعلم الراهنة إلى سياسات متقدمة تمتلك القدرة على التخطيط لوضع استراتيجية وطنية توظف التعلم عن بعد في الظروف العادية، وأن تُهيّأَ كل الإمكانيات المادية والبشرية، فلم يعد تحصيل المعرفة هو الأهم؛ لوجود مصادر متعددة للتعلم، بل أصبحت تنمية المهارات والحصول عليها وتوظيفها وتوليد المعارف الجديدة هي المطلب الرئيس، وهذا يتطلب وجود مناخ تعليمي مناسب يعي ويستوعب الإمكانيات الحديثة لأسلوب التعلم عن بعد وتكنولوجيا الوسائط المتعددة، والمعامل الافتراضية، والمكتبات الالكترونية؛ لتحسين المتغيرات المستقبلية لمنظومة التعليم . وهذا يعيد النظر في ضرورة تصميم المناهج التعليمية والدروس الالكترونية بما يحقق معايير الجودة، وبما يمكن الطالب من الوصول إليها كيفما يشاء ومتى يشاء، وبما يتناسب وتفريد التعلم، بحيث تتضمن أنشطة تعليمية متنوعة ومهمات تقويمية، وبدائل مختلفة ذات هدف محدد تراعي أنماط التعلم والذكاءات المتعددة والفروق الفردية، ووجود خطط بديلة لمن لديه ضعف في مهارات القراءة والكتابة والمشاكل صحية كالبصرية والسمعية، والطلبة ذوي الاعاقة، مع ضرورة تنوع في الاساليب التي ينفذها المعلم في التعلم، والعروض التفاعلية التي يقدمها لطلبته حيث سيصبح المرشد والموجه والمصمم. مما يتطلب تطوير مهارات الطالب في نظم تشغيل الحاسوب، والتعامل مع الوسائط المتعددة بكفاءة وفاعلية، وتنمية قدراته في التصفح والبحث، وتطبيقها في الظروف العادية والوقوف على أهم التحديات التي تواجه كل مدرسة على حِدة؛ لأن لكل منها خصوصية تختلف عن الأخرى.

ولاستثمار هذا النوع من التعلم نحتاج لخطة متكاملة، واستراتيجية واقعية ترتكز على أربعة مجالات رئيسة وهي : - إدارة التعلم عن بعد: ضرورة تحديد جهة رسمية تخضع برامج التعلم عن بعد وبما تتضمنه من تجهيزات وبرمجيات لإشرافها ومتابعتها، وبما يحقق معايير الجودة ومتابعة مدى امتلاك المعلمين القدرة على تصميم الدروس الإلكترونية التي يجب أن لا تتجاوز مدتها عن سبع دقائق، وتوزيع المسؤوليات مع وصف دقيق لأداور كل من مدير المدرسة والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور، ووضع الآليات المناسبة لتقييم أداء الطلبة والمعلمين، وإدارة المدارس، وتدقيق مستوى البرمجيات والتطبيقات من حيث المنهجية المتبعة وصحة اللغة ودقة المضمون العلمي، وهذا يتطلب المرور بمرحلة التحديد والتصميم والتحقيق والتنفيذ، ثم مرحلة التصدير والتقييم، ثم توجيه المشاريع في اتجاه تحقيق وتطوير برمجيات تعليمية في المباحث المختلفة

  • كفايات التعلم عن بعد: تحديد بدقة المعارف والمهارات والقيم الأساسية التي يجب أن يكتسبها الطلبة .
  • التدريب والدعم الفني للتعلم عن بعد: فمن المهم تحديد الاحتياجات التدريبية للعاملين في قطاع التعليم وللطلبة، وتوفيرالتدريب وبما يتناسب والتغيرات السريعة للمعرفة والعلوم، وحاجة سوق العمل، وتضمين مواد التدريب للمهارات الأساسية الواجب تنميتها عند الطلبة كالبحث والتقصي والاكتشاف والتعلم الذاتي والاتصال والتواصل والعمل بروح الفريق (التعلم التعاوني) والقدرة على حل المشكلات المجتمعية مع ضرورة وجود فرق الدعم الفني وكوادر بشرية متخصصة تمتلك من المعرفة العلمية والتكنولوجية ما يؤهلها الى تحديد الأولويات وتنفيذ التقييم والتقويم في كل من بنية التعلم أو السياسات والتشريعات أو في التدريب وبناء القدرات أو في المنهج وأساليب التعلم، وأخيرا في التربية الموازية.
  • البنية التحتية للتعلم عن بعد : تتطلب إصلاح وتهيئة البنية التحتية التكنولوجية وبناء شبكات اتصالات حديثة ضمن تكلفة محددة ومخفضة تحقق العدالة، وتوفير الصفوف الافتراضية والمكتبات الإلكترونية، والمنصات الإلكترونية، والبرمجيات التعليمية، والدروس الالكترونية، مع ضرورة الحفاظ على الإرث العلمي، وحماية الملكية الفكرية والخدمات الطلابية، وتهيئة الموارد البشرية بما ينسجم مع التغيرات المتسارعة والحاجات المستقبلية للمجتمع الفلسطيني. كما أنه من الضروري الوقوف على حجم الأمية الرقمية في المجتمع الفلسطيني، ومدى تقبله للتفاعل مع التعلم عن بعد، والتطوير المستمر للمناهج بما يتواءم وحاجة المجتمع، وضمن إطار عالمي بمعايير عالمية بحيث يتضمن موضوعات إلزامية ذات علاقة بالأهداف التربوية، وموضوعات اختيارية تحقق حاجات الطلبة ورغباتهم وميولهم. وتفعيل دور الإعلام في نشر الثقافة المعلوماتية والتكنولوجية، وتعزيز عمل مراكز البحوث والتطوير، ووجود خطط تدريبية في الجامعات؛ لتخرج كوادر علمية متخصصة بمختلف مجالات التعلم عن بعد (مدير مشروع، شبكة، مصمم برامج، مخطط فني، مبرمج خبير، وسائط متعددة، مخرج فني ).

إن استشراف المستقبل ليس نوعا من التنبؤ السطحي، ولكنه يستند الى تجارب ودراسات علمية مبنية على فيض من المعلومات، وتوليد واستكمال البياناتإيمانا بأهمية استثمارالعلم والتكنولوجيا لمسايرة التقدم، ومجابهة التحدياتوبما لا يلغي التعلم النظامي بل يتكامل معه، ويحدث استثمارا أمثل في تحقيق الأهداف المرجوه من العمليةالتعليميةالتعلمية .

* باحثة تربوية ومشرفة تدريب العلوم بالمعهد الوطني التابع لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية