بقلم: أحمد طه الغندور.
شتّان لفظة في اللغة العربية ـ لغة القرآن الكريم ـ بمعنى افترق وبعُد، وجاءت هذه الكلمة الصغيرة اليوم لتساعدني في التفريق بين أمرين هامين وخطيرين تمر بهما القضية الفلسطينية.
فشتّان بين نُصرة القضية الفلسطينية في ساحة القضاء الدولي، وبين استخدام سياسة "كي الوعي" عبر "منصات" في الإعلام العربي؛ في محاولة يأِسة لكي ينسى العرب تاريخهم، وثقافتهم، وهويتهم، وانتماءهم العقائدي للقضية الفلسطينية!
نُصرة القضية الفلسطينية تمثلت هذا الأسبوع فيما أعلنته السيدة " فاتو بنسودا " المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية في "لاهاي" مجدداً؛ أن للمحكمة صلاحية جغرافية أو مكانية للتحقيق في “جرائم الحرب في فلسطين”!
في إشارة واضحة حول إمكانية " دولة فلسطين " في نقل الاختصاص الجنائي على أراضيها إلى "المحكمة الدولية"، من أجل محاكمة "الاحتلال" وجلب "أفراده" إلى ساحة العدالة الجنائية الدولية، جراء ما ارتكبوا من جرائم خطيرة في حق الشعب العربي الفلسطيني، وبذلك تم هدم "الوهم" المتمثل بأن "الاحتلال" و "رموزه" فوق القانون!
هذه " النصرة " لم تكن فقط عبر هذا القرار الذي مهد له العديد من الوثائق والمراسلات القانونية الرائعة ـ التي حق أن تكتب بماء الذهب ـ والتي تم تقديمها للمحكمة من خلال الإجراء المعروف باسم " Amicus Curiae" أو " أصدقاء المحكمة"، وهو الإجراء الذي يتيح لأي شخص أو مؤسسة أو حتى دولة ليست طرفاً في القضية في أن تقدم وجهة نظرها الخاصة حول القضية للمحكمة.
هذا " الإجراء " قدم العديد من الأسانيد التي تدعم " الحق الفلسطيني " منذ البدايات قبل أن تفرض "المؤامرة الدولية" "كياناً مسخاً، وخارج عن القانون" على أرض فلسطين العربية!
كما جاءت هذه " النصرة " عبر بيان "المقرر الخاص" المعني بحالة حقوق الإنسان في فلسطين "مايكل لينك" الذي انتقد "خطة الاحتلال" لضم أراض في فلسطين المحتلة.
وأضاف: " إن تنفيذ "إسرائيل" مخطط ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية إلى سيادتها سيقضي على أي احتمال متبق لتسوية عادلة مع الفلسطينيين، وسيخلق سلسلة من العواقب الوخيمة على حقوق الإنسان، وسيقوض أي احتمال متبق لتسوية عادلة متفاوض عليها".
بمعنى أنه يُحذر من تحويل فلسطين إلى " بانتوستان" جديد لا يعرف إلا نظام "الأبارتيد" من قِبل الاحتلال!
هذه نماذج مُشرفة للدعم الحقيقي والفاعل للقضية الفلسطينية المؤسس على الحق، والبعيد عن العاطفة، وهو ليس الدعم الوحيد، فهناك الدعم الأصيل والمتجذر للدول الإسلامية، والعربية والصديقة؛ الذي لا تشوبه شائبة، والذي يزداد ويتواصل مع الأيام، فهل من الممكن أن نقارن كل ذلك مع "سقطات مقصودة" في الإعلام أو على منصات التواصل الاجتماعي!
بالطبع لا، خاصةً إذا ما عرفنا الهدف من هذه "السقطات"!
إذا ما أدركنا أن هذه "السقطات" تستخدم كما سبق القول لـ "كي الوعي" العربي في محاولة يأسِة لفصله عن محيطه وعن قضيته المركزية، كما يأتي هذا الأمر دعماً لـ "قاطن البيت الأبيض" في حملته الانتخابية في ظل فشل إدارته في تقديم إجابات شافية للقضايا الداخلية؛ وأهمها معالجة تفشي وباء الكورونا على الأرض الأمريكية، وكذلك في التنازع على القيادة العالمية مع عدد من القوى البارزة أهمها الصين!
بالأمس تم "تدليس" فوز "ناتنياهو" بـ "رئاسة الوزراء" ولو لفترة محدودة بدعم "ترامبي" منقطع النظير، فلماذا لا يتم رد الجميل؛ ودعم "ترامب" في السباق الانتخابي القادم!
إذن ما هو السبيل إلى ذلك؟
فقط من خلال "الإعلام الساقط" يمكن "كي الوعي" ويمكن تشويه الحقيقة بأن هناك نجاح لما يُسمي "صفقة القرن"، وأن التطبيع بين "الاحتلال" وبين "الأعراب" ـ الذين هم أشد كفراً ونفاقا ـ أصبح واقعاً في العالم العربي!
هذه "السقطات المقصودة" لا يمكن أن تُشكل واقعاً في عالم الحقيقة كقرارات المحاكم والمؤسسات الدولية!
في عالم "الميديا" يقيسون النجاح أو "الترند" حتى من خلال "الشتائم" فلو ـ لا سمح الله ـ شتمت شخصاً ما أو مسلسل على سبيل المثال فإن ذلك يعمل على رفع "الترند"، ويعتبر ذلك نجاحاً!
فشتّان ما بين " نصرة الحق " و "كي الوعي"
فإن لله عباداً يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره، وإن كانوا في كل مكان إلا أن قلوبهم معلّقة بـ " القدس " ومكانتها في العروبة والإسلام!