الكاتب: د. ياسر عبدالله
انتشرَت هرطَقاتٌ لبعضِ المنبوذين داخل المجتمع السعوديّ على مواقع التواصل الاجتماعيّ خلال السّنوات القليلة الماضية، تعرِضُ تهجُّمًا على فِلَسطين وشعبِها والمسجدِ الأقصى وكافّة المُقدَّسات الفِلَسطينيّة، كما مَجّدَت اليهودَ ككيانٍ إسرائيليٍّ صهيونيّ. وأصحاب تلكَ الهرطقات لا يُمكن وصفُهم إلا بالخارجين عن أصالةِ الشَّعبِ السُّعوديّ وعن أخلاق أهلِ السُّعوديّة وثقافتهم وقيَمهِم الأخلاقيّة والدّينيّة التي عَهِدناها طوال مشوارنا الصّعب مع احتلال الإسرائيليين لأرضِ فِلَسطين، فقد كانت للسعودية مواقفُ داعمةً للقضيَّةِ الفِلَسطينيّة، فكثيرًا ما استقبلَت السُّعوديّةُ عشراتِ الآلافِ من الفِلَسطينيين، وسمحَت لهُم بالعملِ فيها كأبنائها، كما لم تُقصِّر يومًا بحقِّ الشَّعبِ الفِلَسطينيّ؛ لذا يستوجب الرَّد على هؤلاء المُهرطِقين، وعلى كُلِّ مَن يُحاول أن يستهدفَ السُّعوديَّةَ بكاريكاتير ساخر لإثارةِ الفِتنة والبَغضاء بينَ الشَّعبين، السُّعوديّ والفِلَسطينيّ.
وإذا ما حاولنا استرجاعَ التَّاريخ، سنجدُ أحداثًا مليئَةً وحافلةً بالمواقف الوطنيَّةِ للقيادةِ السُّعوديّةِ مع الشَّعبِ الفِلَسطينيّ، ومنها رَدّ المَلِك فيصل بن عبدالعزيز قبلَ خمسينَ عامٍ حينَ زارَ" كسنجر" السُّعوديَّةَ بطائرتهِ الشَّخصيّة، ونزلت على أرض السعوديّة، فطَلَب من الملك عبدالعزيز أن يملأها لهُ بالوقود السُّعوديّ، فكان ردُّ الملكِ ردًّا وَطنيًّا وعربيًّا مُزلزلًا وأصيلًا ما زال يحفظهُ التَّاريخُ. يُذكَر أنَّ هِنري كسنجر بدأ حديثَه مع الملك فيصل بنَوعٍ منَ المَرَحِ قائلًا: " إنَّ طائرَتي تقف هامدةً في المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعدٌّ للدَّفعِ بالأسعار الحُرَّة"، فأجابهُ المَلكُ: " وأنا رجلٌ طاعنٌ في السِّن, وأمنيَتي أن أصلِّي ركعتَين في المسجد الأقصي قبل أن أموت، فهل تُساعدني على تحقيقِ هذه الأُمنية؟"
أما بالنِّسبةِ إلى مقاطعِ الفيديو التي ظهرَ فيها المَدعوّ "عبدالحميد الغيبن" وقَبلَهُ المَدعوّ" الشمري" يتهجَّمان فيها على فِلَسطينَ وأهلِها ومُقدَّساتها فما هي إلّا هَرطقات غَير أخلاقيّة لا تُعبِّر إلّا عن أخلاقٍ رَذيلةٍ تُمثِّلُ أصحابَها ولا تُمثِّل الشَّعبَ السُّعوديّ والقِيادةَ السُّعوديَّةَ، كما يجب على الوَعي العربيّ أن ينتصرَ على مثل هذه المقاطع السّاذَجَة التي تَستَهدِف العلاقاتِ السُّعوديةَ الفِلَسطينيَّةَ وألّا يتعاطى مع التّحريض الصُّهيونيّ في إعلامِه وسَعيِه إلى تأجيجِ الأمورِ بيْن الشَّعبين اللذَيْن تربطهُما علاقاتٌ تاريخيَّةٌ مُشرِّفَة. وعلى أولئكَ النُّشطاءِ على مواقع التّواصل الاجتماعيّ أنْ يَخجلوا من أنفسِهِم حين يَستهدفوا أيَّ قُطرٍ عربيٍّ أو أيَّ شخصيَّةٍ عربيَّةٍ في ظِلّ مرحلةٍ تشوبُها المخاطر، ومرحلةٍ تستهدفُ الكُلَّ العربيِّ؛ : لهذا ينبغي على اتحادات الكتاب والأدباء والصحفيين في الوطن العربي أن تصدر قرارات واضحة وتتبنى مواثيق شرف لمنع أعضائها وتحذير كل من يكتب في الصحافة ووسائل الاعلام العربية من كتابة أي منشورات تسيء للعلاقات العربية البينية أو تروج للفتنة والتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني وتخدم اهداف أمريكا وإسرائيل بخَلْقِ انقساماتٍ في أفكار الشُّعوب العربيَّةِ بما يخدم صفقةَ القَرنِ والمطامع الأمريكيّة الصهيونيّة في الهيمنة على الوطن العربي؛ فالشُّعوبِ العربيّةِ أكثر وعيًا وعليها تحمُّل مسؤوليَّتِها اتجاه تلك التَّهديدات من خلال الوعي بما يُنشَر على مواقع التَّواصل الاجتماعيّ .
وفيما يخصُّ الكاريكاتير الذي عبَّر عن سعر النِّفط العربيّ بموضوعيَّةٍ وحِيادٍ دون أن يقصدَ الإهانةَ والتَّحقير، فإن الخطرَ يكمنُ في تناقلِ التَّعليقات الجاهِلة على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ حولَ هذا الكاريكاتير، مما خلقَ حالةً من الاستياء السُّعوديّ أكثرَ منَ الكاريكاتير نفسه، لأنَّ هذه التَّعليقات كانت سببَ الإشكال الفِلَسطينيّ السّعوديّ.
وقد ردَّت القيادةُ الفِلَسطينيَّةُ والشَّعبُ الفِلسطينيُّ على الرَّسام الفِلَسطينيّ مُستنكرينَ كاريكاتيرَه، على الرّغم من توضيحه -المَكسوّ باعتذارٍ ضِمنيٍّ- لفكرةِ الكاريكاتير، فقد كان ردُّ الرَّسامِ الفِلَسطيني على محاولة الإعلام الصُّهيونيّ إثارة الفِتنةِ بيْن الشَّعبَيْن وخَلق التَّفرِقَة والعداء بينهما منطقيًّا ويعكس أصالةَ الشَّعبِ وعُمقَ الانتماء الفِلَسطينيّ للعروبة وللعلاقة السّعودية شعبًا وقيادةً، وأعتقد أنَّ ردَّه يكفي لِلَجْم الإعلام الصهيوني ولَجْمِ كلِّ مَن انجرَفَ وراءَ التَّحريض الصهيونيّ أمثالَ عبدالحميد الغيبن الذي يُمثِّل نفسَه فقط، كما عليه أن يعتذر عما بدَرَ مِنه؛ لأنَّ فلسطين والسعودية قيادةً وشعبًا يقفونَ يدًا بيد لدعم القضيَّةِ الفِلَسطينية، وحماية مَطالب الشّعب الفِلَسطينيّ.
وقد عبَّر الرَّسامُ الفِلَسطينيّ عن فكرته قائلًا:
"توضيحٌ واجب: مع انهيار أسعار النِّفط العالميّة، قمتُ برسم كاريكاتير وتمّ تداوله بشكلٍ كبير حتى أصبحَ "ترند" في المَملكة العربيّة السّعودية؛ لذا أحببتُ أن أوضِّحَ بعض النقاط:
أولًا: أي رسم أرسمهُ يُمثِّلني شخصيًّا ولا يُمثِّل جنسيَّتي ولا أيَّ جهةٍ أعملُ معها.
ثانيًا: لم أقصد برسمي هذا السّعودية على وجهِ التَّحديد، بل قصدتُ أنَّ ’المواطنَ العربيّ‘ من أكثر المُتضرِّرين جرّاء انهيار أسعار النِّفط"
هذا موقفٌ ارتقى به الرَّسامُ الفِلَسطينيّ لثقافةٍ عربيَّةٍ أصيلةٍ يعكس من خلالِهِا عُمقَ الوعي العَربي، والأجدرُ بنُشطاءِ مواقع التَّواصل الاجتماعيّ أن يتداولوا توضيح الرَّسامِ على صفحاتهم بدلَ تداولِ المَنشورات التي تُشوِّه الفكرةَ وتُعمِّق الأزمة، كما يتوجَّب على الإعلام السّعوديّ أن يحذوَ حَذوَ الرَّسام الفِلَسطينيّ وأن يُوضّح ردَّةَ فعله غير المُبرَّرة، وأن يعتذرَ عن تهجُّمِه على فِلَسطينَ وشعبِها؛ فالمسؤولية تقع على الجميع ولا مُبرِّر لمن أخطأ، وعلى الحكومات أن تُعرِّضَ هؤلاء للمُساءَلةِ؛ لمعرفة إنْ كان ما صدر عنهم كان بسبب جهلٍ ونقصٍ في الوعي أم أنَّ هناك جهات تُحاول أن تدعم أمثالَهم في خلق أزماتٍ عربيَّةٍ بيْنَ الحين والآخر. إن محاولات بذر الخلاف والشقاق بين فلسطين والسعودية، وترويج أصوات او كتابات تسيء لعلاقة الشعبين الشقيقين هي مصلحة إسرائيلية خالصة، وعلينا ان لا نستبعد أن وراءها جهات مشبوهة ومنها جيش السايبر الاستخباري الصهيوني، الذي يحاول الترويج للتطبيع والتحريض على الفلسطينيين أو السعوديين والخليجيين، وهو ما قد ينطلي على الجهلاء، الأمر الذي يجب ان يوضع في نصابه ولا ينفخ به وألا يسمح له بالانتشار والتأثير على علاقات التضامن العربية بين الأشقاء.