الكاتب: بسام الصالحي
في معرض مواجهة التحديات الراهنة استوقفتني مقارنة لا غنى عنها ،خاصة ونحن امام التحدي الخاص بالاسرى واسر الشهداء الفلسطينيين وحساباتهم في البنوك ،ومردها الاساسي التقدير ان كل الصيغة الاسرائيلية للسلطة الفلسطينية وحتى لاتفاق اوسلو صممت من وحي تجربة العلاقة الاسرائيلية بالحركة الاسيرة وبتجربة السجون التي شهدت معارك نضالية طاحنة واستقرت في اطار مكتسبات تعرفها وتذود عنها دائما الحركة الاسيرة .
يمتد دور اللجنة النضالية او لجنة الحوار والتي تنتخب ممثل المعتقل الذي يمثلها امام ادارة السجن ،الى ادارة معظم تفاصيل الحياة اليومية داخل المعتقل ،من ادارة مبلغ (الكانتينا ) الذي يرد الى المعتقلين من الاهالي وكيفية صرفه على مشتريات صندوق الاسرى الى ترتيب موضوع النظافة العامة ،الى الاشراف على مكتبة السجن ،الى الاشراف على المطبخ ،الى تنظيم دور الزيارات ، الى ترتيبات برنامج (الفورة ) ، والى ادارة المفاوضات مع ادارة السجن ،وكل التفاصيل اليومية داخل السجن .
وهذا الدور تقوم به باقتدار كبير اللجنة الاعتقالية ومن يمثلها من التنظيمات التي تختار اعضاءها بصورة ديموقراطية وفي اطار شراكة وتعاون مثمر في اغلب الاحيان .
واما الدور الاخر التنظيمي والثقافي والتعبوي فهو يجري ايضا باقتدار كبير فتتحول بموجبه السجون الى مدارس نضالية بدل ان تكون كما يخطط الاحتلال معازل لكسر ارادة المناضلين ،وحتى على المستوى الابداعي تفتحت الاف الطاقات داخل السجون وترجمت كتب وروايات و قصائد المبدعين منهم وسيرتهم النضالية الى لغات عدة ،وحازت روايات الاسير باسم الخندقجي على سبيل المثال على جوائز عدة ،كما يحوي متحف الاسرى في جامعة القدس تراثا ثقافيا وابداعيا ضخما لابناء الحركة الاسيرة الفلسطينية .
المهمة الوحيدة التي لا تدخل في جدول اعمال اللجنة النضالية او الاعتقالية او لجنة الحوار التي تمثل الاسرى في كل سجن والتي تنسق دورها بين السجون ،هي التحرر من السجن ،واما ما عدا ذلك فانه يدخل في صميم نضالها اليومي ،وهو امر جوهري تحقق نتيجة معاناة كبيرة وتضحيات وشهداء وحرمانات في العزل وفي الانفرادي وفي الاضرابات الطويلة عن الطعام وغيره من اشكال مقاومة حركتنا الاسيرة .
واما هذا الدور في التحرر من السجن فهو منوط وفقا لادراك الحركة الاسيرة بالحالة النضالية العامة للشعب الفلسطيني ،وبنضاله التحرري الشامل او بصفقة لتبادل الاسرى ،او بحل شامل لقضية الاسرى مرتبط بعملية سياسية تعد بالافراج عنهم كاستحقاق الزامي لابد منه ،وفي كل هذه الحالات فان الحركة الاسيرة تنتظر تحقق هذه القضايا من طرف اخر خارجها ،وهي امتداد ه وهو امتداد لها ،وبالتالي تتطلع الى دور الفصائل في ذلك و لدور منظمة التحرير الفلسطينية كقائد لثورة التحرر الوطني من اجل تحقيق ذلك ،وهي تدرك انها قامت بما عليها من واجب نضالي ومن ادارة واقعها اليومي داخل الاسر على افضل ما يكون وفي معركة مجابهة يومية ،واما عبء مهمة التحرر من الاسر حتى وان طال فهو عبء تلك القيادة وهذه الاطر ،ولا يدخل في اطار مهام او دور اللجنة النضالية داخل السجن .
هذه هي الاضافة النوعية للدور القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية عن الدور الابداعي والنضالي لقيادة الحركة الاسيرة،فالمهمة الاساسية هنا هي التحرر من سجن الاحتلال ،وقيادة الشعب الى التحرر الوطني ،وهذه هي الميزة الاضافية التي تمتلكها والتي تعطي زخما نوعيا لدورها .
يراودني الاعتقاد او اليقين ،ان النموذج الذي صممه الاحتلال للسلطة الفلسطينة ولمنظمة التحرير الفلسطينة ولاتفاقات اوسلو برمتها ،هو نموذج سحب هذه الاضافة النوعية لدور منظمة التحرير عن دور قيادة الحركة الاسيرة ،كي تتحول مهمة الجميع الى ذات المهمة ،وهي في احسن الاحوال ومع تجاوز كل السلبيات في ادارة السلطة ،تنحصر في افضل ادارة وطنية ونضالية لظروف السجن ولا تحقق التحرر منه.
هذا الدور النضالي للحركة الاسيرة مرده واقع حجز حرية المعتقلين الاجباري بالسجن وسعيهم للتغلب على ذلك بممارستهم النضالية داخل السجن ،اما وان يصبح ذلك دور منظمة التحرير وسلطتها الوطنية في اطار مكبر ،فهذا خيار بالغ الخطورة ،واذا ما تكرس فانه يعني مع كل مزاياه الكفاحية ،اغلاق افق التحرر من السجن ،وانتظار ذلك من مجهول المجتمع الدولي الذي لن ياتي ، حركتنا الاسيرة لا يمكن تحميلها عبء مهمة تحررها من السجن بل على العكس هي تحمل فخر التضحية والمواجهة اليومية داخل السجن ،اما منظمة التحرير وسلطتها الوطنية فلا يمكن لها استبدال مهمتها في انجاز التحرر بمهمة الادارة اليومية لظروف السجن ،مهما كان (ابداعها ) في هذه الادارة .