السبت: 01/02/2025 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
وصول الاسيرين "عوفر كالديرون وياردين بيباس" إلى إسرائيل
الصليب الأحمر في طريقه إلى ميناء غزة حيث سيتم إطلاق سراح الاسير الاسرائيلي "كيث سيجل"
تسليم الأسير الإسرائيلي الثالث ستجري في ميناء غزة

بين النكبة والفزعة ومحاولات الضمّ القادم وإلى أين نحن سائرون؟

نشر بتاريخ: 16/05/2020 ( آخر تحديث: 16/05/2020 الساعة: 13:38 )

الكاتب: وليد الهودلي

فزعة وعنتريات أبي جهل في غزوة بدر وقفت أمام قوة البناء ودقة التخطيط وعمق الانتماء للفكرة ووضوح الرؤية وعظمة الرسالة والهدف للجيش المقابل فانتصرت الفكرة على الفزعة، وبعيدا عن المقارنة فإن فزعة وعنتريات العرب عام النكبة أو النكسة وقفت عاجزة مدحورة مهزومة أمام العصابات المنظمة والمدرّبة للحركة الصهيونية والتي أتقنوا فيها التخطيط والسعي نحو الهدف بخطوات مدروسة وموزونة بشكل صحيح، حتى إذا واجهت الفزعات العربية الارتجالية كانت نتيجة المعركة محسومة.

إذا هناك مساران: مسار الفزعات الارتجالية الملغومة بثقافة واهمة مغرورة لا ترتكز على معادلات الانتصار والقدرة العملية للوصول الى الأهداف والنتائج المرجوّة، ومسار علمي مدروس يسير حسب السنن الكونية والموضوعية التي تحشد المقدمات المطلوبة للوصول الى النتائج المرجوّة، وهذه السنن لا تحابي أحدا وقد أعطتنا غزوة أحد درسا بليغا في هذا المجال إذ عندما حاد المسلمون عن هذه السنن والمعادلات ونزلوا عن الجبل للغنائم حصلت المصيبة ووقعت الهزيمة.

فالنكبة حصلت بعد أن نزلنا عن الجبل واردنا الغنيمة بحالة من الراحة والاسترخاء والركون على الدول العربية التي لم تكن بحال أحسن مما كنا عليه، فكان عدد الثوار ووفود جنود الدول العربية التي جاءت لصدّ العدوان لا تتجاوز خمسة وعشرين جنديا وثائرا بتجهيزات قديمة وتدريبات تعيسة، في مواجهة ما قدّر بخمس وسبعين الف مقاتل مدرب ومجهّز بأحدث الأسلحة حينها، ثم يأتي من يعلّق على العوامل الخارجية قبل أن يسبر غور الهزيمة التي سكنت أعماقنا ، والهزيمة الساحقة عام سبع وستين سبقها تجهيز الضفة الغربية لقمة سائغة حيث خلت من الثوار والمقاومة الا في حدود ضيقة جدا لا تتناسب مع حجم المعركة أبدا.

والاجابة على السؤال اين نحن سائرون؟ يجب أن نحدد موقعنا جيّدا : هل ما زلنا على الجبل( القضية والاستمساك بحماية ظهر الثورة والمقاومة) أم أننا نزلنا الى حيث الغنائم والمكاسب، هل ما زلنا نرابط في معادلة النصر أم أننا قطعنا شوطا في ميادين الهزيمة وتهيئتنا لنكون لقمة سائغة هنية رضية للمحتلّ الذي لم يترك فرصة لتقوية نفسه في معادلة القوة إلا واهتبلها خير اهتبال. وعلى ماذا نراهن؟ هل نراهن على الفزعة والهبّة الارتجالية أم على الخطة المدروسة؟ حتى ان حصلت الهبة أو الانتفاضة فهل نحن جاهزون لالتقاطها والاستثمار فيها بما يولّد خطوة نحو الانتصار؟ أم أننا محترفون في تضييع الفرص التاريخية بارتجاليتنا وعفويتنا السياسية الواهية؟

أعتقد أننا أمام نموذجين فلسطينيين: واحد مرابط على الجبل يبذل قصارى جهده رغم قساوة الظرف وانسداد الأفق ويدخل معادلة الردع وصراع الادمغة والارادات بكل ما يملك من إمكانات متواضعة بل ومتواضعة جدا إذا ما قورنت بإمكانات الأعداء. والثاني نزل عن الجبل وراهن على مفاوضات واتفاقيات كانت نتيجتها أن كبّلت العمل المقاوم وهيأت الضفة الغربية الى ما يشبه ما قبل حرب حزيران، منزوعة السلاح ولقمة سائغة تنتظر الضم والالتهام من قبل الأعداء.

إذا هي بكل موضوعية وتجرّد معادلة ومقدمات للضمّ وحسن الختام، وما يحمينا من ادعاءات ضغط الأصدقاء وضغط الراي العام لدول العالم المناصرة لنا ما هي الا ذرّ للرماد في العيون ولا تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار او الدعوة الى العودة الى طاولة المفاوضات، لم يرتكز الرهان على الاعتماد على الذات وتشكيل الموازنات الرادعة كون هذا العدو لا يفقه سوى لغة القوّة وحسابات الأرباح والخسائر، أما أن نتجاهل كل سبل التمكين له على الأرض وفرض وقائع جديدة لصالحه ونسير قدما نحو حتفنا ثم بعد ذلك لا نتوقع منه الضمّ القادم فهذا حسن ظن في غير محلّه أو أن نصل الى درجة من لا يدري انه لا يدري حقيقة هذا العدوّ.

لقد نزلنا عن الجبل كثيرا وطويلا:

  • نزلنا عن الجبل عندما سلكنا طريق المفاوضات وآمنا بأنه البديل وترجمنا ذلك الى سلوكيات على أرض الواقع حوّلت الثورة الى سلطة تحت ظلّ الاحتلال سياسيا واقتصاديا ومعيشيا.
  • نزلنا عن الجبل بعد أن تحوّلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى أداة من أدوات السلطة بدل العكس.
  • نزلنا عن الجبل وتركنا سلاحنا هناك عندما تحوّلت القضية الى مغنم وكعكة كل يريد أن يقضم طرفا منها وكأن الحرب قد وضعت أوزارها بينما أعداؤنا لم يتخلّوا عن عدوانهم وما أن يخرجوا من حرب إلا ليستعدوا الى الحرب القادمة.
  • نزلنا عن الجبل بعد أن تخلينا عن وحدتنا واستشرى الانقسام فينا وأصبح واقعا لا مناص منه ولا مخرج إلا أن يشاء الله.

وليس شرطا لحدوث النكبة الجديدة أن تجتمع هذه الأربعة، واحدة فقط كافية. يجب أن لا نخدع أنفسنا فأوضاعنا ما قبل النكبة الأولى شبيهة بهذه الأوضاع، والمطلوب أن نصحو من منطق الفزعات ونتجّه الى حيث معادلات القوة وتحقيق الانتصار وعدم النزول عن الجبل مهما شدّنا بريق الغنائم وتداعيات منتصف الطريق، هذا ان أردنا أن نأخذ العبرة من ذكرى النكبة ووضع حدّ للنكبات القادمة من هذا العدو الذي لا يكلّ ولا يملّ في مناصبتنا العداء.