الكاتب: د. أحمد كبها
في ذروة المواجهة مع العدو الإسرائيلي وفي أصعب مفترق تمر به القضية الفلسطينية، وفي ظل الموقف الفلسطيني الرافض للسياسة الإسرائيلية القائمة على قضم الأرض وتهجير أصحابها، وفي ذروة البلبلة الإسرائيلية من جراء الموقف الفلسطيني الصلب والموحد الذي أصابهم بالمفاجئة والدوار، فإن آخر ما نتوقعه أن يخرج من داخلنا من يشتت الجهود ويربك الساحة الداخلية.
في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، يخرج علينا البعض بهجوم غير مُبرَّر على وزير الخارجية والمغتربين الدكتور رياض المالكي الذي شهد بنجاحه وتميزه القاصي والداني على الساحة الدولية، حيث مثَّل وفي كل المراحل والمواقف الإلتزام المطلق بتوجيهات وتعليمات فخامة السيد الرئيس محمود عبَّاس وفي كل ما يقع ضمن إختصاصه في قيادة العمل الدبوماسي، والتي كان آخرها إدارته المتميزة ومتابعته الحثيثة لملف الكورونا الخاص بالمغتربين الفلسطينيين وتتبع أحوالهم بأعلى درجات الكفاءة والمسؤولية، هذه الإدارة المتميزة التي عجزت عنها دول عظمى، والتي شهدت لنا بها العديد من المنظمات الدولية.
في ظل هذا الموقف التاريخي الفلسطيني الشجاع والصامد تجاه السياسة الإسرائيلية والداعي لرص الصفوف عربياً وإسلامياً من أجل مواجهة هذا العدو المتغطرس وتجنيب شعبنا ويلات شر وصلف هذا العدو الذي يتخذ من مواقف الإدارة الأمريكية ودعمها غطاء لتنفيذ إرهابه وتحقيق مصالحه المعادية لشعبنا ومصالحه وتطلعاته بإنهاء الإحتلال ونيل الحرية وتقرير المصير، كما يخرج علينا البعض باتهام لا أساس له من الصحة للوزير الدكتور المالكي، وبفهم مغلوط لما جاء في مقابلة إذاعية عن دور الأصدقاء الروس ومحاولاتهم لإعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لمائدة المفاوضات على أساس ومرجعيات عملية السلام الدولية وبإشراف دولي متعدد الأطراف.
والفاجعة الكبرى أنهم وبشكل غير مقصود تأثروا بالتحريف والتشويه المتعمدين من جانب الإعلام العبري حول تلك المقابلة والتي هي في الاساس كانت قد أجريت مع إذاعة صوت فلسطين الرسمية. فقد كانت القناة السابعة الإسرائيلية وصحيفة "إسرائيل اليوم" قد نشرت تزيف وتلفيق وتشويه نُسبت للمالكي حول جهود روسية ترمي لإعادة الطرفين للجلوس حول طاولة المفاوضات.
إن التصريحات المنسوبة للمالكي أُخرجت من سياقها الصحيح فأصبحت مختلفة جملة وتفصيلا، وتأتي في إطار تفتيت الموقف الفلسطيني التاريخي وغير المسبوق في وقف عملية التنسيق، ووضع الطرف الإسرائيلي في أكثر المواقف حرجاً على مدى العقود الماضية.
لقد كانت إجراءات وقرارات القيادة الفلسطينية الأخيرة في غاية الجذرية والصلابة في رفضها للسياسة الإسرائيلية، فكان من الطبيعي أن يبادر الطرف الإسرائيلي عبر وسائله الدبلوماسية والإعلامية المختلفة إلى اتباع شتى الوسائل من أجل شق وحدة الموقف الفلسطيني، ولكن ما كان غير طبيعيا أن ينخدع البعض منا بهذا التشويش الإسرائيلي. وإننا نعجب أشد العجب أن تنطلي هذه الخدعة المكشوفة على من يعرفون خبث الماكنة الإعلامية الاسرائيلية وأدواتها المتعددة.
كيف خطر ببال البعض أن المالكي يمكن أن يخرج بهذا الموقف الغريب والناشز وسط سياسة وطنية فلسطينية رافضة وصارمة وجذرية. لعلنا نتفهم أن مثل هذه الخدعة الإسرائيلية المكشوفة يمكن أن تنطلي على عامة الناس، ولكن ليس على أؤلئك العارفين والمتمرسين في فهم الدسائس والحروب النفسية والإعلامية التي يقودها الجانب الاسرائيلي منذ اللحظة الأولى لنشوء الصراع.
على العموم فإننا نود طمأنة كافة التيارات الوطنية والفعاليت الأخرى أن ما نُشر على لسان الوزير المالكي مختلق جملة وتفصيلا، وأن وزارة الخارجية والمغتربين ماضية في مقاضاة الجهات الإعلامية التي قامت بفبركة هذه الأخبار الكاذبة، والتي هي فبركات خطيرة لها تداعياتها الإقليمية والدولية.
ما كان ضر البعض لو قرؤوا أو سمعوا نص المقابلة التي أجراها الدكتور المالكي مع صوت فلسطين قبل أن يتعجلوا ويدعوا المالكي للاستقالة، ويطالبوا كلا من سيادة الرئيس ودولة رئيس الوزراء بإقالة المالكي بشكل فوري؟!. هل يُعقل أن يبادر البعض إلى بناء هذا الموقف الخطير، وفي قضية خطيرة كهذه، وفي ظرف تاريخي بالغ الخطورة كهذا، على إشاعات إسرائيلية؟!. إن ما جاء في مقابلة الوزير المالكي مع صوت فلسطين يدور بالكامل حول مجابهة القرار الإسرائيلي الخاص بضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية. وقد أفاض المالكي في هذه المقابلة في شرح السياسة الفلسطينية المرتكزة على بلورة إدانة دولية لعملية الضم، وحتى الحصول على إدانة من أطراف إسرائيلية رافضة لهذا القرار التعسفي. إنها فرصتنا التاريخية أيها الرفاق في النضال أن نرص الصفوف من أجل تركيع المتغطرس الإسرائيلي من خلال سد الآفاق والبدائل أمامه.
لقد قامت الحكومة الفلسطينية بإجراءات فعالة عبر إدخال الطرف الإسرائيلي في حالة من الفراغ الكامل أدت إلى خلخلة موقفه، ونحن نأمل أن تؤدي هذه الخلخلة إلى كسر تعنته وانصياعه لعملية السلام القائمة على الإعتراف بالحقوق الوطنية القائمة على قرارات الشرعية الدولية التي يؤيدها الإجماع الدولي.