الكاتب: د. محمد محمود الدشت
من الواضح أن الإجراءات التي إتخذتها الحكومة بشكل مبكر والتزام الناس في هذه الإجراءات الى حد ما، قد نجحت في الحد من إنتشار فيروس كورونا بشكل ملحوظ مقارنة مع دول أخرى، فلم يحدث أي تفاقم في عدد الإصابات وبقيت وتيرة تفشي الفيروس تحت السيطرة ولله الحمد. ولكن في المقابل فإن الإجراءات التي تم إتخاذها منذ الرابع من آذار الماضي وحتى نهاية شهر رمضان المبارك، كان لها آثار كبيرة وواضحة على مختلف القطاعات الإنتاجية وبالتالي إنعكست هذه الآثار سلباً على الاقتصاد الفلسطيني، ما دفع الحكومة الى البدء بالتخفيف التدريجي لإجراءات العزل وتقييد الحركة على مبدأ "الموازنة بين متطلبات الصحة العامة والاقتصاد". من هنا، لا بد من الإنتباه إلى ثلاثة حقائق ماثلة أمامنا، الاولى هي أن قدرات نظامنا الصحي متواضعة مقارنة مع الدول الاخرى، ولا يحتمل أعداد كبيرة من الاصابات. والثانية متعلقة بالاقتصاد، فجميعنا يعلم أن إقتصادنا متواضع ولا يمكنه الصمود طويلا أمام إغلاق القطاعات الانتاجية. أما الحقيقة الثالثة فهي متعلقة بالفيروس نفسه، فقد بات شبه مؤكد أن الفيروس سيمكث معنا فترة طويلة قد تمتد الى سنوات حسب بعض الخبراء، وقد يتحول الى فيروس موسمي مثل الانفلونزا وعلينا التعايش معه.
وإذا ما أمعنَّا النظر في كيفية تعامل دول العالم وإدارتها للازمة، يمكننا الاستنتاج أن الجميع يقوم بتطوير خططه وبرامجه بما يتناسب مع تطورات الازمه مع الاخذ بالاعتبار أن الفيروس سيستمر في الإنتشار، وحتى لو تمت السيطرة على الوباء في هذه المرحلة فهناك مخاوف حقيقية وتحذيرات من ظهوره مجددا خلال الخريف القادم وقد تضطر الدول الى الإغلاق الكامل مجددا وهذا ما حذر منه الكثير من الخبراء ومنظمة الصحة العالمية. وعليه لا بد من الاستعداد للسيناريو الاسوأ والذي يتمثل في إنتشار الفيروس ليصيب أعداد كبيرة من المواطنين تفوق الطاقة الاستيعابية للنظام الصحي الفلسطيني، عندها سيكون النظام الصحي معرض للانهيار.
لذلك لا بد من العمل على طرح حلول طويلة الاجل وتتناسب مع الوضع الفلسطيني، بهدف مواجهة هذا الوباء والتعايش معه بواسائل مجتمعية يسهل تطبيقها في فلسطين، ومن هذا المنطلق وانسجاما مع كل ما تقدم سوف نقوم من خلال هذا المقال بطرح (برنامج الرعاية الصحية عن بعد لمصابي كورونا) والذي يأتي بدافع الحفاظ على المنظومة الصحية في فلسطين ومنع المصابين من الوصول المرافق الصحية إلا من خلال بروتوكول وزارة الصحة المطبق في هذا المجال، وذلك لضمان إستمرار عمل المستشفيات والحفاظ على حياة الطواقم الطبية والمرضى والمصابين إذا تفشى هذا الفيروس أو غيره من الجائحات مستقبلاً.
يهدف البرنامج بشكل أساسي الى صناعة خط دفاع أول متقدم من أجل حماية الطواقم الطبية ومن أجل ضمان إستمرار عمل المنظومة الصحية بكفاءة عالية وبشكل آمن في حال تفشى الفيروس لا قدر الله، ويمكن حصر أهداف البرنامج في نقطتين، الاولى تتمحور حول تطوير نظام محوسب لإدارة عمليات المتابعة الصحية للمصابين وعلاجهم عن بعد بإشراف طواقم وزارة الصحة، والثانية ترتكز على تطوير بروتوكول العلاج المنزلي للمصاب، وتنفيذه من خلال "مرشد العلاج المنزلي" تحت إشراف طبي عن بعد.
ولتحقيق أهداف البرنامج لا بد من إعتماد مجموعة من الآليات القابلة للنتفيد كما يلي:
أولاً: تشكيل فريق من خبراء الحاسوب والبرمجيات وتكليفهم بتطوير نظام المتابعة الإلكتروني، بحيث يشمل: قاعدة بيانات مرتبطة بسجل الأحوال المدنية ووزارة الصحة، ويتضمن النظام تطبيق للهاتف المحمول، وتطبيق لسطح المكتب، ويشترط في هذا النظام تحقيق المطلبات الوظيفية الكاملة لكل من: مدير النظام، والطبيب، والفاحص، والمصاب، ومرشد العلاج المنزلي، والمواطن.
ثانياً: تشكيل فريق من الأطباء وخبراء التغذية العلاجية وتكليفهم بإعداد بروتوكول العلاج المنزلي للمصاب بفيروس كورونا، بحيث يتم تطويره على شكل برنامج تدريبي " لوكلاء العلاج المنزلي" الذين سيقدمون الرعاية الصحية للمصاب في المنزل، ويشترط في البروتوكول إعتماد أفضل التجارب العالمية في هذا المجال، ويحدد مايلي:
ثالثاً: تكليف البلديات بتجهيز مراكز دائمة للحجر الصحي تحت إشراف وزارة الصحة وحسب المعايير الدولية، بحيث تكون هذه المراكز في مختلف الاحياء في المدن والبلدات والقرى، وتكون مخصصة لإستيعاب المصابين الذين يتعذر حجرهم في المنزل لأي سبب.
رابعاً: تقديم بروتوكول العلاج المنزلي على شكل برنامج تدريبي " لمرشدي العلاج المنزلي"، ومن الممكن الإستعانة بالجامعات لتنفيذ التدريب، بحيث تكون الفئات المستهدفة من: طلبة الجامعات، المعلمين والموظفين الحكوميين، ثم يتم تسجيل كل من يجتاز البرنامج التدريبي بنجاح "كمرشد علاج منزلي معتمد" في قاعدة بيانات نظام المتابعة.
خامساً: تنفيذ مشروع حقيبة العلاج المنزلي لمصابي كورونا، وفي هذا المشروع يتم تجهيز حقيبة مستلزمات العلاج المنزلي والتي تحتوي على (كمامات، كفوف، فيتامينات ومدعمات غذائية، جهاز فحص الاكسجين المحمول، نشرات وزارة الصحة الإرشادية الخاصة بالعزل ... الخ)، وتُسلم حقيبة واحدة للمصاب أو "مرشد العلاج المنزلي المعتمد"، ومن الممكن تنفيذ هذا المشروع على مراحل.
سادساً: تشكيل فريق من الطب الوقائي (ومجموعات كافية من الفرق المتنقلة) لأخذ العينات من المواطنين في منازلهم، وإتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع المشتبه في إصابتهم من الوصول الى مرافق وزارة الصحة، من خلال التركيز على التوعية وإرشاد المواطنين الى كيفية التصرف عند الإشتباه بالإصابة.بالاضافة الى عزل نقاط الفحص الأولي في المستشفيات ومنع الدخول المباشر الى المستشفيات والمراكز الصحية. وكذلك سرعة الإستجابة وتحريك فريق الفحص المتنقل للوصول للمشتبه في إصابتهم.
سابعاً: إنشاء مراكز إتصال للأطباء والمختصين والطب الوقائي من خلال صفحه ويب تفاعليه وتطبيق تفاعلي للهاتف المحمول، لتمكين الطواقم الطبية من متابعة الإصابات المسجله لدى وزارة الصحه عن بعد ومن خلال (مرشد العلاج المنزلي المعتمد) الذي يشكل نقطة الإتصال بين الطبيب والمريض وكذلك الرد على الإستشارات الطبيه المتعلقة بالوباء.
وفي الختام، في حال تم تبني الفكرة بشكل رسمي من جهات الاختصاص، سيترتب على ذلك تشكيل فريق عمل متكامل (من عدة تخصصات) من أجل كتابة برنامج تنفيذي مفصل يشمل وصف الكادر وتكوينه ثم توضيح المعارف والمهارات الضرورية لكل من مرشد العلاج المنزلي والطواقم الصحية المشاركة في تنفيذ البرنامج، وكذلك تحليل النظام المحوسب ووصف المتطلبات وإعداد وثيقة المحافظة على خصوصية المعلومات الشخصية والصحية، وإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية.
* كلية تكنولوجيا المعلومات وهندسة الحاسوب- جامعة بوليتكنك فلسطين