الكاتب: هبه أ. بيضون
نستند في دفاعاتنا عن أرضنا وحقوقنا على القانون الدولي، كما نستند عليه في تفنيد أي إدعاءات باطلة لإسرائيل تبرر الإستيلاء على المزيد من أراضي فلسطين بالضم، هذا الضم الذي هو فكرة قديمة جداً جدّدها نتنياهو في الوقت المناسب له، في وقت كان فيه مقبلاً على الإنتخابات وقد غرق في تهم الفساد الموجهة إليه ووملاحقة المحاكم له، وفي وقت إنشغل العالم أجمع بجائحة الكورونا، على أمل أن يحرف أنظار الإسرائيليين عن فساده ليتمكن من الفوز بالإنتخابات القادمة، وها هي الإنتخابات قد انتهت، واستمر نتنياهو في إصراره على الضم على الرغم من الرفض الفلسطيني والعربي والدولي لهذه الخطوة.
نعرف جميعاً أن إسرائيل لا تلتزم ولا حتى تلتفت للقانون الدولي، ومصطلحات مثل القانون والقانون الدولي والحقوق والشرعية والإنسانية وغيرها من المصطلحات الدارجة على الساحة الدولية، لا تعني لإسرائيل شيء، بل تعوّدت وعوّدت الآخرين على خرق كل ما هو قانوني وحقوقي وشرعي، فهي كيان لا أخلاقي وغير ملتزم وإستيطاني إحلالي، بني على أسس باطلة ومجحفة بحق الفلسطينيين، ما يجعل المراهنة على فعالية القانون الدولي وتطبيق الشرعية الدولية مراهنة خاسرة، وبخاصة أن حليفها الإستراتيجي الولايات المتحدة يدعم إسرائيل بسلاح الفيتو عند اللزوم بحيث لا يطبق أي قانون أو شرعية عليها، فهي خارج هذه المعادلة.
أما جهود الدبلوماسية الفلسطينية وكذلك الجهود السياسية والأمنية الفلسطينية متكاملة، فقد أثمرت بحشد مواقف الدول العربية والأوروبية والآسيوية برفض الضم، بل واكثر من ذلك، أن بعض الدول هدّدت بقطع علاقاتها الإقتصادية وربما الدبلوماسية في حال ضمت إسرائيل غور الأردن والمستوطنات، وكان الموقف الأكثر وزناً من وجهة نظري هو الموقف الأردني المعني والمتأثر بصورة مباشرة بهذا الضم، حيث أنه يشكل خطراً على الأمن القومي الأردني وعلى مستقبل الأردن كدولة، والمتمثل بالتهديد غير المباشر بأعادة النظر بمعاهدة السلام الموقعة بين الطرفين ( معاهدة وادي عربه)، والذي يعني كشف الغطاء الأمني عن إسرائيل القادم من الجبهة الشرقية.
أما ما يحدث على الأرض من مقاومة شعبية لشعبنا الصابر المرابط على أرضه، فهو لا يقل أهمية عن أي جهود أخرى تبذل لإحباط وإجهاض عملية الضم، إن لم يكن الأهم والأساس، فبالمقاومة على الأرض وحدها تحبط المخططات، ولكننا نتحدث عن مقاومة شعبية سلمية حتى اللحظة، وهذه المقاومة قد تتطور وترتقي إلى مستوى أعلى في حال لم تشكل رادعاً مع العوامل الأخرى لإحباط عملية الضم، ومن الممكن أن تتحول إلى إنتفاضة ثالثة تقض مضجع إسرائيل.
وعلينا ألا ننسى الجبهة الداخلية في إسرائيل، والتي تحوي أصواتاً رافضة للضم ، بغض النظر عن مدى تأثيرها على القرار السياسي.
بعد كل ما سبق ذكره فإن المنطق يقول إن على إسرائيل أن تقوم بمراجعة حساباتها، وعمل تقدير موقف، وأن تقوم بعمل جردة حساب لما يمكن لها أن تخسره جراء عملية الضم، على جميع الأصعدة السياسية والدبلوماسية والإقتصادية والأمنية، والتي قد تضعها في عزلة سياسية مع جميع الدول إلا مع الحليف الإستراتيجي، والذي أصلاً أصبح دوره يتراجع في مؤشرات واضحة على تحول العالم إلى عالم متعدد الأقطاب، خاصة بعد بروز دول كالصين والبرازيل وغيرها وإستعادة الإتحاد السوفيتي للعب دور لا يمكن تجاهله على الساحة الدولية.
ولكن بما أن إسرائيل لا علاقة لها بالمنطق، علينا ألا نعول أن تقوم بأي حسابات منطقية يمكن لها أن تردعها في الإقدام عن مخططها، وما يثبت ذلك هو أن نتنياهو قد بدأ فعلياً بتطبيق الضم على الأرض، وهو ما أسماه الوزير وليد عساف " الضم الصامت" أو يمكن تسميتة "بالضم الهادىء" ، وذلك بتهجير بعض الأهالي من أماكن سكناهم وبهدم البيوت وإغلاق المدارس وإعطاء الأوامر للسكان وإنزال العلم الفلسطيني رمز السيادة.
ولكن أي إجراءات على الأرض من قبل الكيان الصهيوني لا يشكل نهاية المطاف ولا يخيفنا، ففي معركة الكاميرات والبوابات الإلكترونية قبل بضع سنوات، كنا نراقب ما يجري فعلاً على الأرض بالصوت والصورة، وشرعت إسرائيل بتركيب الكاميرات والبوابات الإلكترونية في القدس العاصمة، وبالإرادة الشعبية ومقاومة أهلنا في القدس، أجبر الإحتلال على تفكيك كل ما قام به، وبالنهاية إنتصرت إرادة شعبنا.هذا يعني أنه مهما أخذت إسرائيل من إجراءات على الأرض، فإننا قادرون على إجبارها على التراجع وإرجاع الوضع كما كان عليه.
ومن هنا علينا أن نبدأ بالتفكير الجدي في تصعيد التحركات الشعبية وتفعيل القوى الفلسطينية لنعمل بطريقة توجع إسرائيل في الصميم، علينا أن نبدأ بتطبيق بعض الخيارات التي يتضمنها قول الرئيس محمود عباس بأنها مفتوحة ، فلا يواجه التحرك إلا بالتحرك، ولا يواجه التصعيد إلا بالتصعيد، فهذه اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل وتجعلها تعيد حساباتها.
يتبادر إلى ذهني فكرة إنشاء كتائب شهداء الأقصى، والتي تأسست عند إندلاع إنتفاضة الأقصى عام 2000، حيث أصدر رئيس هيئة أركان الإحتلال شاؤول موفاز حينها تعليمات بأنه يريد أن يتلقى كل يوم جثث لفلسطينيين، ليرى عرفات بأن عناده سيجر ويلات الدم على شعبه ، فتشكلت مجموعات لحركة فتح بصورة تلقائية وبدأت بتنفيذ إشتباكات مسلحة وعمليات داخل الأراضي المحتلة عام 1967، وعرفت تلك المجموعات في حينه بإسم "كتائب" أو " ميليشيات فتح" أو " مجموعات التنظيم"، وبعد فترة من الوقت لم تطل، أصبحت تلك المجموعات منظمة وأصبح لها قيادة في كل منطقة من مناطق الضفة الغربية، وأطلقت على نفسها "كتائب شهداء الأقصى"، وهي لم تكن الجناح العسكري الوحيد لحركة فتح، فقد كان هناك " كتائب العودة " و"كتائب الشهيد أحمد أبو الريش"، وفيما بعد "كتائب الشهيد ياسر عرفات"
بكلمات أخرى، فإن تشكيل نواة ما شكل كتائب شهداء الأقصى لم يكن بقرار رسمي، بل فرضت ذاتها أمراً واقعاً كإستجابة لما تطلبته المرحلة في ذلك الوقت، إلى أن إنتهى دورها وتم حلها عند العودة إلى طاولة المفاوضات.
صحيح أن كتائب شهداء الأقصى قد تم حلها وتسليم سلاحها مقابل إتفاق بكف مطاردة إسرائيل لأعضائها والذي نقضته في العديد من الحالات، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تعيد تشكيل نفسها بصورة تلقائية أو إعادة تشكيلها وتنظيمها وتسليحها وإعادة تفعيلها بقرار سياسي وتنظيمي من قبل قيادتنا. وليس بالضرورة أن تحمل إسم كتائب شهداء الأقصى، فقد كان في تاريخ حركتنا العظيمة " قوات العاصفة" وكان هناك "مجموعات الفهد الأسود" و"مجموعات أيلول الأسود"، يمكن أن نسميها "مجموعات مواجهة الضم" مثلاً.
علينا أن نلوح بهذا الخيار بجدية وبصورة صريحة، لتعرف إسرائيل أن الله حق، وأن لدينا من الأدوات التي قد تقض مضاجعها ليل نهار، وأننا لا نعتمد فقط على المقاومة الشعبية السلمية التي تقمعها بصورة يومية. كل ما نحتاجه هو توفر الإرادة السياسية والتنظيمية المتبوعة بالقرار السياسي والتنظيمي، فالكتائب ورقة رابحة في أيدينا علينا ألا نسقطها.
قد يقول قائل إنه لا يوجد لدينا الإمكانيات لتسليح هذه المجموعات، أجيب على ذلك بأن شعب الجبارين قادر على أن يقلق العدو ويؤلمه ويضربه بدون سلاح، فهو قادر على الإبداع يإستخدام السلاح الذي يؤدي الغرض، فهناك العديد من الوسائل والأدوات التي يمكن إستخدامها لتحقيق الهدف.
وبناء عليه، فإنه إذا اقتضت الضرورة لتشكيل جناح عسكري لحركة فتح لمواجهة مخططات الضم ولتكون رادعاً لنتنياهو ليتراجع عن قراره، علينا ألا نطمئن العدو بإستبعاد هذا الخيار، بل أن نبقي جميع الخيارات مفتوحة.