السبت: 01/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

حول العلاقات الفلسطينية اليونانية وزيارة رئيس وزراء اليونان المرتقبة الى إسرائيل

نشر بتاريخ: 14/06/2020 ( آخر تحديث: 14/06/2020 الساعة: 18:02 )

الكاتب: *مروان اميل طوباسي






خلال اليومين القادمين ستجري زيارة رئيس وزراء إليونان لإسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال " ، الذي تَعلن بلادهِ عن اتباع سياسة التوازن وتعدد امتداد علاقاتها بالسياسة الخارجية لبلاده ، وتعلن تاييدها لمبداء حل الدولتين ، وفق حدود ٤ حزيران عام ٦٧ وتأييد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، وفقا بذلك لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تلتزم بها اليونان.

تاتي هذه الزيارة كأول زيارة لرئيس الوزراء اليوناني خارج بلاده ، بعد انتشار وباء الكورونا، وكأول زيارة يقوم بها رئيس وزراء أجنبي الى إسرائيل بعد تشكيل حكومة الوجهين ذات العملة العنصرية والاستعمارية الواحدة، هذه الزيارة ستتم قبل أيام من بدء إسرائيل بتنفيذ إجراءات الضم الكولنيالية.
وفق ما تم الإعلان عنه ستكون الزيارة بمشاركة لفيف من وزراء الحكومة اليونانية الذين التقى بهم سفير إسرائيل باثينا خلال الأيام الماضية ، بهدف التحضير لهذه الزيارة التي يصفونها بالهامة والاستراتيجية ، وإلتي ترتبط كما أعُلن، بعلاقات تعاون بين البلدين في مجال قطاعات اقتصادية مختلفة، التي ليس لنا شأن التدخل بها، وهي من حق اليونان أن تختارها كما تشاء كدولة ذات سيادة.
إسرائيل تلك الدولة التي ما زال يقول عنها بعض المسؤولين الأوروبيين بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط ، هي الدولة التي تمارس سياسة الاضطهاد والتمييز العنصري وفق قانون القومية اليهودي وغيره من قراراتها ، بحق مليون ونصف فلسطيني من المسيحيين والمسلمين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ممن بقوا في وطنهم كاصحاب الأرض الأصليين، بعد تهجير مليون فلسطيني منها عام ١٩٤٨، وبحق خمسة ملايين فلسطيني آخرين تمارس عليهم أشكال القمع و الاحتلال والاستيطان.
كنا نأمل على الاقل بان تتم الزيارة للمنطقة بزيارة دولة فلسطين أيضا ، رغم اننا قد اُبلِغنا برغبة رئيس الوزراء اليوناني بزيارة دولة فلسطين في وقت قريب لاحق ، الأمر الذي نرحب به دائما ونأمل ان يتم سريعا.
اليونان هذا البلد العريق ومنشاء التقاليد الديمقراطية الذي استقبل الرئيس المؤسس الراحل ابو عمار عند خروجه القسري، مع قوات الثورة من بيروت عام ١٩٨٢، اليونان هذا البلد أيضا الذي وخلال زيارة الرئيس محمود عباس في ديسمبر ٢٠١٥ صوت برلمانه باِجماع كافة أعضائه لصالح قرار بالتوصية أمام الحكومة اليونانية للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ٦٧ ، القرار الذي ما زلنا نتطلع ان تقوم الحكومة اليونانية بتنفيذه ، لان الوقت لا يسمح بالانتظار ولأن ما يجمعنا مع اليونان وشعبها يُفتَرض هذا الإجراء منذ زمن، مع الأمل بان يتم ذلك بالسرعة الممكنة حاليا لامكان انقاذ فرص السلام المتبقية والاستقرار .
اليونان، هذا البلد الذي يقع ضمن المجموعة المصنفة" الثانية "لدينا من بين ستة مجموعات تضم الدول الأوربية وفق منحى تصويتها الايجابي على قرارات هيئة الأمم المتحدة بشأن الحقوق الفلسطينية خلال السبع سنوات الماضية، كانت قد صوتت بالايجاب لصالحنا بنسبة ٨٠٪ إضافة إلى تصويت اليونان مؤخراً لصالح قبول فلسطين عضواً في اليونسكو والإنتربول وغيرها من المنظمات الدولية.
اننا نحرص دائما على أن تكون علاقاتنا قائمة ليس للحفاظ على علاقات تاريخية مميزة نتغنى بها فقط رغم أهميتها ، بل أيضا من أجل الارتقاء بتلك العلاقات التي نهتم جدا بتطويرها الى مستويات استراتيجية تحقق المصالح المشتركة بيننا، ومن أجل دوام التواصل بين قيادة البلدين السياسية للإطلاع على الأوضاع بفلسطين و التشاور بشأن مستقبل فلسطين التي تخضع للاحتلال منذ ٥٣ عاما ومن أجل تجديد فرصة الاطلاع على رؤية الرئيس محمود عباس للسلام العادل والثابت، وكذلك التشاور في شأن مجريات وتطور الأحداث في شرق المتوسط، الذي نحرص على ان يكون مكانا هاما للتعاون بين الجميع من أجل حفظ السلام والامن الدوليين الذي نحرص جدا نحن على ضمانه .
فلسطين الذي يكن شعبها كل المحبة والتقدير للشعب اليوناني الصديق ، على ثقة بان يتم الضغط الجاد خلال زيارة رئيس الوزراء اليوناني على حكومة الاحتلال من أجل انصياعها لمبادئ القانون الدولي والقرارات الأممية ، حتى تتوقف عن كونها دولة مارقة واعتبار نفسها فوق القانون.
ونحن على ثقة أيضا بحكم التزام اليونان بالقانون الدولي أن يرفض رئيس الوزراء اليوناني بوضوح ، قرارات الضم وسياسات الاستيطان بل وإدانة استمرار الاحتلال كجريمة متواصلة منذ ٥٣ عاما، والمطالبة بانهائه حتى يتحقق مبدأء حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وتنفيذ القرارات الأممية ذات العلاقة كافة من أجل أن يسود سلام عادل.
من المعلوم لدى اليونان، ان القدس الشرقية هي مدينة محتلة منذ عام ١٩٦٧ وفق كافة الاعراف والقرارات الدولية، وخاصة منها قرار مجلس الأمن الدولي بالخصوص، وهي جزء من اراضي دولة فلسطين المحتلة، التي صوتت اليونان الي جانب قبولها دولة مراقب غير عضو بالامم المتحدة عام ٢٠١٢.
هذا الأمر يفترض وفق العلاقات القائمة بيننا وسندا للمكانة القانونية للقدس الشرقية كمدينة محتلة ، بما فيها دار بطريركية الروم الأرثوذكس وكنيسة القيامة، انه في حال الرغبة بزيارتها خلال الأيام القادمة، ان يتم ذلك وفق الترتيبات اللازمة مع منظمة التحرير و/او مؤسسات دولة فلسطين، أصحاب الحق فيها وفق الشرعية الدولية، الأمر الذي نعرب عن استعدادنا له والترحيب به نحن بالقدس ، تلك المدينة المقدسة التي كانت تعج بسكانها الفلسطينين المسلمين والمسيحين، والذين تدنى عددهم ووجودهم نتيجة سياسة الاحتلال الإسرائيلي ، التهويدية والتهجيرية بحقهم بهدف تفريغها من سكانها الأصليين، وحصارها بجدار الفصل العنصري والمستوطنات البشعة.
بالقدس وبمدن أخرى الى جانب مكونات شعبنا جاليات يونانية أصبحت جزأ من شعبنا، كانت تنتظر ان يقوم رئيس وزراء بلادهم بزيارة فلسطين للالتقاء بهم وزيارة الكنائس الأرثوذكسية في بيت لحم مهد السيد المسيح وفي اريحا وبمدن أخرى، التي ما زالت الإعلام اليونانية ترفرف على مباني مقدساتها وكنائسها ، والتي تتعرض اوقافها وممتلكاتها الى سرقة الاحتلال ومستوطنيه لها، كما يجري في دير كريميزان بيت جالا وفي دير مار يوحنا وباب الخليل ودير مار الياس بمدينة القدس الشرقية عاصمة دولتنا العتيدة ، وغيرها من الممتلكات التابعة للكنيسة الأرثوذكسية بالقدس، التي أنتمي أنا لها، كما الكثيرين من ابناء شعبي، وينتمي لها السيد رئيس الوزراء اليوناني وكافة الاصدقاء اليونان ، تلك الممتلكات التي تستوجب حمايتها .
بعد أيام ستبداء دولة الاحتلال بتنفيذ مخططات الضم لأراضي ومناطق فلسطينية محتله تجاوز مساحتها اكثر من ٣٠٪ من مساحة الأراضي المحتلة عام ٦٧، بكل ما يحمله ذلك من تعدي وتحدي وقح للشرعية الدولية والقانون الدولي وحقوق شعبنا الغير قابلة للتصرف ، بهدف قتل اي فرصة باقية للسلام ولحل الدولتين وبهدف تنفيذ مشروعهم الاستيطاني في أرضنا.
لذلك فإننا ننتظر لأن تكون زيارة رئيس الوزراء اليوناني لدولة فلسطين المحتلة قريبة ، التي ما زال شعبها يسير في درب الالام الذي أجبِر السيد المسيح على عبوره قبل أن يصلبه أعداء الإنسانية على جبل الجلجلة بالقدس ، لأن توقعاتنا من هذا البلد الصديق اليونان هي بحجم تلك العلاقات التاريخية، التي جمعتنا على امتداد عمر الاحتلال البشع ،هذا البلد اليونان الذي تجمعنا به قيم ومبادئ مشتركة تتمثل في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والكرامة ، التي تنتهكها دولة الاحتلال يوميا، كان آخرها قبل أيام بإعدام شاب فلسطيني مُقعد بدم بارد من قوات الاحتلال بمدينة القدس، كما تقوم قواتها وعلى مدار عقود بالقتل و التدمير والتشريد لابناء شعبي .
إن ما يجمعنا كذلك مع اليونان هو حرص الطرفان في انفاذ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بشأن قضايا الصراع وبؤر التوتر في منطقتنا، الأمر إلذي التزمنا به وفق مبادئ سياساتنا الثابته وواقع حياتنا الذي اكتوى بالاحتلال، منذ أن كنا شركاء مع شعوب وحركات أخرى في مقارعة الاستعمار، هي حققت حريتها ونحن ما زلنا على الطريق .
ان اليونان التي تحتل موقع جيوسياسي هام في شرق المتوسط، وكعضو فاعل في الأسرة الدولية بما فيها الاتحاد الأوروبي الى جانب شركائها الأوروبيين، ان ينتقلوا من موقع الأدانة والشجب الى اتخاذ إجراءات فاعلة وعقوبات رادعة بحق دولة الاحتلال ، لكي يتحملوا
المسؤولية التاريخية والسياسية و القانونية والاخلاقبة عن انهاء احتلال عمره ٥٣ عاما، وتحقيق وتجسيد معادلة حل الدولتين التي يؤمنون بها، من خلال الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية ، واعادة النظر في اتفاقية الشراكة الأوروبية الاسرائلية ، لما تحمله سياسات دولة الاحتلال من انتهاكات لمبادئ نشؤ الاتحاد الأوروبي نفسه، ولقيم الدستور اليوناني وتقاليد الشعب اليوناني الصديق الذي عانى الاحتلال والديكتاتورية العسكرية وما حملته تلك الفترات من جرائم بحق شعب يوناني شجاع ضحى بأرواحه من أجل حريته واستقلاله بالدم.
لقد قام الاتحاد الأوروبي ودوله
بفرض عقوبات على دول إنتهكت القانون الدولي ومارست أشكال التمييز العنصري او حالات الضم ، وحتى يتسم نفاذ قيم ونصوص القانون الدولي بالعدالة ، وحتى لا يقال ان الدول تكيل بمكيالين، على الاتحاد الأوروبي بنفس القدر إيقاع العقوبات على دولة الاحتلال لامتيازها بالانتهاكات المذكورة وغيرها من الجرائم منذ بداية النكبة الفلسطينية قبل ٧٢ عاما وإقامة دولة على حساب وجود شعبها الأصلي وحقوقه الوطنية بعد أن تم تشريده في اصقاع الأرض. متمنياً دائما لليونان التقدم والازدهار.

*سفير دولة فلسطين لدى اليونان