الإثنين: 03/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

يا جماهير الصمت ...

نشر بتاريخ: 15/06/2020 ( آخر تحديث: 15/06/2020 الساعة: 13:58 )

الكاتب: يونس العموري

( لقطر الندى ..) صرخة مدوية في حواري الزقاق ولها ان تتألم من وجع اللحظة فقد جاءت ساعة الحقيقة لتكتشف ان الزيف سيد الموقف والاغتصاب المُعلن على الاشهاد قد بات واحدا من طقوس المرحلة ، والمزاد العلني جهارا نهارا يمارس بكل الامكنة على الجسد المُعتق المُتاجر به بكل المناسبات ، لقطرى الندى ان تغضب في ظل لغة الصمت ...

فيا جماهير الصمت والوجع والقهر والالم، يا جماهير هذه الجغرافيا الممتدة من تلك الرابية في اقاصي الشمال، الى النقطة الفاصلة مع البحر في جنوب الصحراء ، والذي يُراد لها أن تنطق بالعبرية المُعبرنة الجديدة ... يا جماهير الصمت المتجولة والمتخبطة في ثنايا تلك العباءات الآتية من رحم الصحراء ومجاهيلها لتتلو مزاميرا كانت أن اندثرت في غياهب تيه الظلامية وفي ظل زهر اللوز الذي يحاول أن يتألق ويزهو، وحينما تصدح اهازيج فرح متسللة الى بيوت الفقراء بليل العراء عند النار الموقدة المعلنة عن قدوم الفلاحين البسطاء، قد كانوا للتو هناك يحرسون القمر الساطع على حقولهم ويمارسون لعبهم وفرحهم ويهمسون بالشجن احزان الثكالى ... ويباغتهم ذاك الصوت النشاز متوعدا بجهنم وبئس مصيرهم ... حينها تطل تلك الشاردة من وقائعها ووقائع اللحظة الراهنة حيث المطاردة لتطاير خصلات شعرها وهو رجس من فعل الشيطان ... وتستمر المطاردة لطفلة ابتسمت في زقاق الحواري لفتى حاول ان يقول ما قال اسلافه الأولين حينما تغنى ادم بحواء وهبط ببقاع المعمورة ملتهما التفاحة وحواء كانت الجالسة خلسة وافسد الحسابات وتلك المعادلات لتتكون ادميته وبشريته بثوبها وشكلها....

يا جماهير الصمت المنشغلة بحسابات الربح والخسارة ، وحسابات السلطة تتوالى بحسبة اخرى ليس لها علاقة بحساباتكم ، وقد تجيء ثورة العبيد مباغتة لكم ، وهذه المرة لن يظهر للعيان سبارتاكوس ليقول كلمته بالجمع ويحاول ان يجمع البسطاء من حوله ولن يستعرض امامكم بطولاته وبالرماح لن يسقط اعداءه وانتم بالصمت تعتصمون ... فقد كان سبارتاكوس يرمي بكلماته منذ مئات السنين في افئدة المؤمنين بضرورة اسقاط الفرعون والمملوك والأتي الى الحكم لا لشيء الا لكونه ابن ابيه ...

يا جماهير الصمت والخنوع ، ( سبارتاكوس .. ) استجمع كل الفلاحين وهؤلاء المقهورين والتواقين للعيش فوق الارض لا تحتها واقتنعوا وظنوا وقرروا انهم للخوف طاردين واسقطوا كل الجدران والقلاع وكان السقوط مدويا والعروش ما هي الا كرتونية وهشة كهشاشة الطين ...

وحينما يسقط الخوف لابد من الردع والقتل بأمر أخر غير الآمر المعهود فجاء النعيق ممن يدعون الطهارة وممن يركضون ويتراكضون خلف اوامر السلطان واولي الامر، والأمر بالمعروف يبقى امرا حصريا لولاة يأتون من خلف السراب. والليل اعلن عن حلكة سواده حينما اعتلى الكلام واحدا ممن يرى بالتغير واسقاط الطاغية نصرا الهيا واذنا ربانيا لمطاردة الفريسة تلك التي لا ترتدي حجابا ومن لا تؤمن بأحقية ارضاع الكبير وان صوتها عورة ولابد من اعادة عصر الرقيق والجواري وسبيهن جزء من تنصيب الحق واحقاق البيعة ... واما الجوع ومن يقضي يومه في سبيل العيش وكسرة الخبز فهذا جزء من الصراع الحياتي الطبيعي في ظل تصارع الحياة وان ترى الحفاة العراة فذاك صراع الاضداد ومنطق الاشياء في الخلق والخليقة وحتى يستوى العيش فالفقر من الامور البديهية والذاتية بعمق الحضارة البشرية ... وكل هذا على الاشهاد يا عباد ... فذوي الدين الجديد قد صار لهم مكان تحت القباب ولهم ان يقولوا وبالقوانين الآتية من تحت عباءتهم ان يتمنطقوا ... ويدعون انما بارادة الله يتلفظون ... وعند هذه اللحظة يصبح للواجب منطق اخر وعصر الحريم سيسود وحينها لابد من مطاردة الفريسة حتى ترتدي الحجاب وان كان الطفل في الحواري لا يرتدي حذاء ....

عندما يختلط الحق بالباطل، ويصبح الباطل سيد الموقف، لابد من اعادة لتمركز المفاهيم وتعريفها والاتفاق على شكل وطبيعة منطلقاتها، وتحديد المعايير والمقاييس التي من خلالها من الممكن تحديد حقيقة الموقف، وطبيعة المعادلة الفعلية لخارطة التناقضات الحاكمة للفعل ولردات الفعل، وللحدث وتاثيراته على مختلف المستويات، وطبيعة صناعة المواقف تجاه ايا من القضايا المتفاعلة على مختلف الساحات، حيث اننا نعيش بعصر ما عدنا من خلاله نستوعب الحدث وبالتالي صارت الخربشة اذا ما جاز التعبير سيدة الموقف.
وليس أدل على ذلك الا ما بتنا نتلمسه بظرفنا الراهن وتراجع اولويات الوقائع اللحظية ، وهذا ليس تجني بقدر ما هو حقيقة .....

استطيع ان استوعب حجم الخربشة التي يعايشها المواطن اللاهث اليوم، فكل شيء بات متغيرا وعلى الأقل غير مفهوم بل انه غير منضبط السياق في اطار الفهم المنطقي والمتسلسل لقياس الأبيض والأسود وببساطة الأشياء لماهية الأبيض وذاك الأسود وما هو الصالح وما طبيعة الطالح بمعنى ان ثمة فوضى كبرى تغزو وجدان التفكير لدى الكثيرين من البسطاء وحتى ممن يدعي انه يعي قوانين اللعبة الدائرة رحاها الآن في برقعة جغرافيا الوطن ، فهناك انقلابات كبرى تحدث في انماط التعاطي والتعامل مع مسائل الشأن العام عموما .وطبيعة مناهج ادارة الازمات التي تعج بها الخارطة الوجودية لمعانينا ، وتلك التي بلا شك قد صارت جزءا من فعل التاثر والتاثير حيث صار من الطبيعي ان نشهد الكثير من المفاجأت التي قد تصل الى درجة التحول في الفهم وانقلاب المفاهيم المنطقية للأمور، وكان يتصدر صغار القوم والقوى والمتاجرة بصمت جماهير اللحظة الراهنة المشهد ويتقلدون اوسمة سبارتاكوس الجديد ...

يا جماهير المرحلة وانتم تشاهدون المشهد القريب هل لكم ان تتسألوا كيف من الممكن ان تصبح تجارة المواقف وبيعها وشراءها واحدة من النمط العام الذي يسود الأن بين ثنايا وجودكم بيومياتكم ..؟؟ والعلاقات بتلك التجارة الرائجة ما بين العرض والطلب وتحديد الأسعار المدفوعة فيكم وعليكم هي جوهر خلافاتهم وماهية الاثمان وطبيعتها وحقيقة تسميتها .

يا جماهير الصمت في الارض السمراء ، قد اصبح القتل فيما بينكم على الاشهاد فهل انتم مدركون ..؟؟ يا جماهير عاصمة السراب والمدن المحاصرة والمضمومة والمنتظرة لقوت العيش لابد من ان تعوا ان الثابت الوحيد هو المتغير في عوالم تحكمه مصالح البزنس والإتجار بالشعوب واحدة من اساليب الفهلوة والتشاطر على صناعة الحدث بأسلوب التلصص وشراء الذمم وبيع الموقف وحتى بيع الانسان قد يصبح الحقيقة الراسخة بهذا الفهم المتجدد الجديد ، وان يتم استهداف من يحاول ان يقرأ التاريخ ويغوص بجمالية الانسان الأول بخان الزيت وبأسواق ام المدائن العتيقة قد صار موضة تستوجب فعل القتل لإثبات الوجود ....
يا جماهير الصمت ، الفوضى هي الحاكمة الآن بلا منازع وفن الحوار ىالعصري الحديث وان كان مع العدو هو النهج السائد لحل الخلاف ولا مكان لمن يمارس الصراخ بوجوب الحياة ان استطاع الى ذلك سبيلا ولا مكان لفقراء الليل تحت الشمس فأما ان تكون ضمن الجماهير الصامتة الخانعة الفافدة للقدرة والتأثر والتاثير والمنتظرة للعطايا من البنوك ، او ان ترتضي لذاتك مكانا في صفوف الخونة والتخوين .. وان اردت ان تكون هناك بالمكان الذي ترتضيه لنفسك ولذاتك ولانسجامك ومفاهيم الأبيض والأسود وتداخل الألوان فيما بينها فلابد من ان تكون عبثيا تارة وكافرا احيانا ومن الممكن ان يستباح دمك على مذابح قراءة التاريخ للمدينة العتيقة .... وام المدائن لا تنتمي لأي ممن ينطقون اليوم بأسمها فهي الفقيرة لعشاقها والحاضنة للصراخ المرتد عن جدرانها واسوارها ولا تكفر احدا من روادها والكل لديها سواء ومعيارها صمودها وبقاؤها وهي الجميلة وتحب الجمال والعاشقة الحبيبة لعشاق ليلها وتحنو على صراخ رجالها وغير معنية بالعبث العبثي من وراء القول العبثي بحضرتها ....

اذن نحن نعايش عصر اللافهم الآن وعصر انفلات القوى من عقالها والقول الفصيح بالكلام المباح بكل الاتجاهات وهو كلام لصناعة البلاغة ليس اكثر لتسجيل النقاط على الخصم الكافر او ذاك العبثي بحضرة الوطن ... والوطن قد يكون ظالما او مظلوما لا فرق ما دام الانسان مستباح ووقود لتأجيج نيران صناعة الزعامات والمماليك بكل الإقطاعيات المُمزقة لجغرافيا الوطن ....