الكاتب: نبيل دياب
ثمانية عشر عام مضت على انطلاقة حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية التي أسست نهجها السياسي و النضالي بشقيه التحرري الوطني و الاجتماعي على أسس و قواعد ثابتة وفق ما تتطلبه مقتضيات الحالة السياسية ، و حرصت على أن تكون تلك القواعد متصلة التكاملية في التوجه و الأداء لتحقيق الأهداف الوطنية السامية التي أسس بنيانها و أرساها ثلة من القادة الوطنيين من أبناء شعبنا .
فضلا عن أنها جاءت كتعبير مكثف عن ضرورة الخلاص من حالة تشخيص الواقع و المراوحة في الطرح النظري و ارتهان القضية على وعودات وهمية ؛ فحقق تأسيسها في 17/6/2002 الذي جاء بعد عامين على زخم الكفاح الشعبي و الجماهيري إبان اندلاع انتفاضة الاقصى و الاستقلال نقلة نوعية للخطوات العملية الأكثر تأثيرا على الاحتلال و تقصيرا لأمده القهري ؛ كأهمية بناء القيادة الوطنية الموحدة اللازمة لقيادة مسيرة شعبنا المنتفض من أجل التحرر و الاستقلال يلازمها تعزيزا حقيقيا لصموده بمختلف شرائحه الوطنية و الاجتماعية و تصعيد وتيرة المقاومة الشعبية بأشكالها و أساليبها المختلفة بما في ذلك توسيع دائرة المقاطعة لدولة الاحتلال العنصرية ، و استنهاضا جادا للطاقات النضالية الكامنة بمخزونها الكفاحي المتأصلة في غزة و في الضفة بما فيها القدس و الداخل الفلسطيني و في الشتات و توطيد علاقة التلاحم و الترابط الشعبي بين تلك المكونات التي لا يفصلها عن بعضها إلا عنصرية و سياسات الاحتلال الذي لطالما دأب مستشرسا لفصلها و عزلها و قد فشل و لن ينجح ، غير أن حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية تخوض غمار نضالا مشروعا ضد العنصرية و سياسة الابارتهايد التي تحاول دولة الاحتلال تكريسها ليس فقط في الضفة و في غزة ؛ بل في فلسطين إضافة إلى أهمية تطوير حركة عالمية للتضامن الدولي لإعادة الاعتبار لدعم و إسناد قضيتنا الوطنية و نضالنا التحرري في ظل تراجع ذلك الدعم إزاء اختلال موازين القوى العالمي و تزييف الاحتلال للرواية الحقيقية و تضليل العالم و مخادعته عن حقيقة اجرامه و فاشيته و عنصريته ، فباتت هذه القواعد تشكل الأساس المتين لنهج نضالي زكت صحته مآلات الحياة السياسية ووقائعها اليومية على مدار السنوات الثمانية عشر و حتى يومنا هذا .
و في كل يوم و مع ازدياد المشهد السياسي تعقيدا أكثر ، فإننا أحوج ما نكون لاعتماد هذه المنهجية التي بات غالبية عظمى من ساسة الشعب الفلسطيني و قواه السياسية في إقرار واضح لتفاصيلها ذات الأهمية القصوى .
فأي أحد يدرك خطورة ما تواجهه قضيتنا الفلسطينية لا يستطيع إنكار حاجتنا الماسة لقيادة وطنية موحدة لتحقق التفافا حول استراتيجية كفاحية موحدة لمواجهة تلك المخاطر و تعمل ما بوسعها دون تقاعس لإسقاط المخططات التصفوية فيما بات يعرف بصفقة القرن و محاولات فرض " الضم" للضفة الغربية و الأغوار الفلسطينية ليس ليحقق نتنياهو أهدافه الخبيثة ؛ بل لتحقق الحركة الصهيونية تلك الأهداف و هذا يؤكد حقيقة مواجهتنا لسياسة صهيونية عنصرية فاشية ، قيادة وطنية تلتصق بالناس و تتلمس معاناتها و تنشغل بجهود مضنية لرفع تلك المعاناة و الآلام عن كاهلها في السياقات المختلفة اجتماعيا و اقتصاديا و تنتصر لحقوقهم و تدافع عنها و تصونها و تحفظ لهم كرامتهم الإنسانية و الوطنية و تحقق لهم العدالة و المساواة و تحافظ على التوازن بين الحقوق و الواجبات خاصة في حرية الرأي و التعبير و الحريات العامة و إشاعة الديمقراطية في أوساط مجتمعنا و مؤسساته المختلفة .
لقد كان لتأسيس حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية و هي تنتهج نهجا نضاليا وطنيا و اجتماعيا أثرا واضحا في إحراز العديد من الإنجازات و ودورها النضالي البارز في ابتكار أسلوب المقاطعة من خلال حملات المقاطعة و فرض العقوبات على دولة الاحتلال معاقبة على جرائمها الوحشية بحق شعبنا و الإسهامات الخلاقة في تصويب الأداء و الفعل الفلسطيني إلى حد كبير و إضافة نوعية للحركة الوطنية الفلسطينية ؛ فأصبحت رقما وطنيا مميزا في معادلة العمل الوطني و السياسي الفلسطيني تتمسك بالمبادئ و المثل و القيم السامية التي أرسى قواعدها مؤسسوها الأوائل المناضل الوطني الكبير الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي و الدكتور مصطفى البرغوثي و المهندس إبراهيم الدقاق و المفكر الدكتور الراحل إدوارد سعيد و معهم جيش من الوطنيين المخلصين للوطن و للقضية و لم يكن هذا إلا من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني و قضيته العادلة مؤمنة بحتمية انتصاره رغم التحديات الجسام .
و إن الدرس الأكبر الذي يجب التعلم منه في سياق إحياء هذه الذكرى - ذكرى الانطلاقة المجيدة - يتمثل في كيفية الاستفادة من رؤيتها السياسية و توظيفها لصالح عقلنة السياسة الفلسطينية خاصة في الجمع الإبداعي الخلاق ما بين النضال الوطني التحرري و النضال الاجتماعي و ما بينهما لصالح الحفاظ أمام العالم على الواجهة المثلى لشعبنا المضطهد صاحب القضية الوطنية و الحقوق و الأرض المسلوبة عنوة و ليست قضيته بقضية اغاثية أو إنسانية لمجموعة لاجئين حلت بهم كارثة ما ؛ بل إنها قضية سياسية بامتياز للمواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض
الحقيقيين في فلسطين و قد اقتلعتهم يد الظلم و الاستبداد و العنصرية الصهيونية و شتتهم في مخيمات اللجوء في الوطن و الشتات و أن من حق هؤلاء اللاجئين العودة إلى ديارهم و تعويضهم عن سنوات الضياع و التشريد دون أي انتقاص .
و لتحقيق غاية الشراكة السياسية في صنع القرار و رسم السياسات الوطنية فإنها آمنت بقناعة راسخة بأهمية إرساء قواعد النهج الديمقراطي في الهيئات و المؤسسات و اللجان الفلسطينية على مختلف مشاربها و حماية الحق في التداول الديمقراطي على قيادتها بالترشح و الانتخاب النزيه خاصة لجان و هيئات منظمة التحرير الفلسطينية لتفعيل و تطوير أدائها انسجاما مع المتغيرات المتلاحقة و إحداث نقلة نوعية فيه و كذلك المجالس المحلية و البلدية و بما يضمن شمولية متميزة لخدمة شعبنا التواق لتحقيق ذاته أسوة بشعوب المعمورة ، التواق للعدالة للحرية و الإنصاف و الخلاص من ظلم و اضطهاد الاحتلال و الانعتاق من عنصريته و فاشيته و تجسيد الاستقلال الوطني على أرضه الفلسطينية .
** القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية