الجمعة: 31/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

كورونا وكبار السن ... حمايتهم واجبنا

نشر بتاريخ: 19/07/2020 ( آخر تحديث: 19/07/2020 الساعة: 20:29 )

الكاتب: رولا سلامة

على مدار الأشهر الماضية ، عاش العالم بحالة من الذعر والترقب ، حالة من المتابعة والمراقبة والخوف الشديد بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا قد فتك بمئات الاف الأشخاص وأصاب الملايين وأن العلاج الفعال غير متوفر لهذا الفيروس بعد ، وأن هناك العديد من المحاولات للبحث عن دواء أو علاج فعال ما زالت قائمة .

تغير العالم من حولنا ، وتغيرت اهتماماتنا وعاداتنا وزياراتنا وبرنامجنا اليومي ، فقد تم الغاء رحلات الحج والعمرة والصلاة في الجوامع والكنائس ، وأغلقت المدارس والجامعات ، وفرض نظام منع التجول والتنقل ، وشلت عجلة الاقتصاد ، واغلقت مطارات العالم ، وقلت الروابط الاجتماعية والزيارات في المناسبات والأفراح وأغلقت بعض أماكن العمل وأصبح لزاما علينا أن نبقى في منازلنا حماية لنا ولأفراد عائلاتنا ولمجتمعنا ، حماية لشيوخنا وكبارنا قبل صغارنا فمناعتهم قليلة وأمراض الشيخوخة كثيرة وهم أكثر شرائح المجتمع تأثرا بالجائحة ، وقد جاء الوقت لنقدم لهم كل الحب والتقدير والاحترام والاهتمام ، وأن لا ننسى أبدا أنهم كانوا معنا ساعة بساعة في صغرنا واهتموا بنا وقاموا برعايتنا وتربيتنا ، ولا ننسى كذلك أنهم من حافظ على أرضنا وقاوم ليحميها ودافع عنها وتحمل القتل والاعتقال والابعاد وأنهم بصمودهم وصبرهم وتحملهم وبفضلهم نحن هنا باقون .

تشير العديد من الدراسات والأبحاث والمعلومات أن هذا الفيروس الفتاك خطره يكاد يكون الأشد على كبار السن لأن معظمهم يعانون أصلا من أمراض الشيخوخة من ضغظ وسكري وقلب وأمراض بالجهاز التنفسي وأحيانا الهضمي وأن مناعتهم قليلة وأنه كلما تقدموا بالعمر تبدأ فعالية جهاز المناعة بالانخفاض تدريجيا وهذا ما يبرر وفاة الغالبية الكبرى ممن أصابهم المرض وهم بسن متقدنة ، لذا كانت المناشدات من كافة الجهات في معظم دول العالم للكبار بالسن بالالتزام المنزلي وعدم الخروج خارج المنزل الا للضرورة وأن الخروج مرهون بلبس الكمامات على الفم والأنف وكذلك بالحفاظ على التباعد الاجتماعي وعدم التردد على الأماكن المكتظة ،وعدم تلبية دعوات الفرح والمناسبات الأخرى ، فحمايتهم تكون بمنازلهم ، وحمايتهم تكون بالابتعاد عنهم قدر المستطاع ، فلا عناق ولا قبلات ولا اقتراب أكثر من اللازم ، فالأجداد وكذلك الجدات يرغبون دوما باحتضان الأحفاد وعناقهم واللعب معهم ، ولكن الخطر يزيد عليهم في حال انتقال الفيروس لهم ، فمسؤوليتنا بحمايتهم وتوفير كل ما يلزم من وسائل النظافة والمعقمات والكمامات والقفازات والمقويات والطعام الجيد الصحي للحفاظ على صحة المسن وكذلك باعطائهم قسط كافٍ من النوم، وشرب الماء والسوائل سواء البارده أو الساخنه ومراعاة كافة وسائل النظافة وترطيب اليدين وغسلهما باستمرار .

وهنا علينا أن نفصل تماما بين قضية التباعد الاجتماعي والمكوث بالمنازل لكبار السن حماية لهم ، وما بين ترتيب برنامج ترفيهي لهم لقضاء الوقت معهم وبصحبتهم مع الاحتفاط بالتباعد الاجتماعي قدر الامكان ، فلا يمكن أن نطلب من أبائنا وامهاتنا وأجدادنا وجداتنا أن يبقوا في المنازل دون أن نقضي الوقت معهم وبصحبتهم ، فعلينا أن نسليهم ونتحدث اليهم ونشرح لهم عن هذا الفيروس وعن أعراضه وأسبابه دون التهويل من وقعه ودون أن نشعرهم بالخوف ونترك لديهم انطباعا أنهم في حال اصابتهم فسيموتون ، وكلنا يعي تماما أن معظم كبار السن يخافون من الموت ويتوترون في حال المرض ويرتفع الضغط لديهم في حال الخوف الشديد أو التفكير بالمرض والموت، وعلينا أن نضع برنامجا لتسليتهم وقضاء الوقت معهم ، لنستمع لهم ونتحدث اليهم ، ولنشاركهم قصصهم وأحاديثهم بحيث لا يشعروا بالملل والضجر ، وكذلك حتى نحفزهم على التذكر والحديث والتفكير فتركهم لوحدهم لبضع ساعات باليوم دون الحديث معهم ودون محاولة انعاش ذاكرتهم يساهم في مرضهم وعزلتهم وكذلك تزيد فرصة اصابتهم بالخرف والاكتئاب والتوتر وعندها تضعف مناعتهم أكثر فأكثر وتقل شهيتهم للطعام ويضعف جسدهم وتقل مقاومتهم فيموتون ، لذا، لا يجب تقليل أهمية التواصل الاجتماعي مع المسن ودوره في تعزيز صحته وتقوية جهازه المناعي وحماية وتنشيط ذاكريته .

ومن هنا نرسلها لكل الشباب والصبايا ، في ظل هذه الجائحة بات علينا مسؤوليات جسام ، وبما أن الحياة التعليمية توقفت نوعا ما أو فلنقل أنها قلت نوعا ما ، وبما أننا بتنا على غير العادة نجلس في البيت لساعات ، فواجبنا أن نتشارك بالمسؤولية وأن نحاول قدر المستطاع أن نقضي الوقت من أبائنا وأمهاتنا ، مع أجدادنا وجداتنا ، أن نسليهم ونقص عليهم القصص التي ترفع من معنوياتهم ، قصص لا تشبه كورونا ولا تشبه المعاناة اليومية للمريض ، ولا نقترب من ذكر قصص الموت ، ولنحاول أن نكون معهم أصدقاء ، وأن نستوعبهم ونتحملهم ، فهم من تحملونا لسنوات وحملوا وما زالوا همنا منذ ولادتنا للممات .

هكذا هي الحياة ، لن تعطينا كل ما نريد ولن تسعدنا بقدر حلمنا وتخطيطنا ، ولكنا بالحب نحيا وبالمشاركة نحيا ومسؤولياتنا تتجاوز الحدود ، ونحن سنحمل الأمانه معا وسندعم بعضنا البعض ، ونرددها دوما " على هذه الأرض ما يستحق الحياة ".

الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن الكورونا وتأثيرها بالمجتمع الفلسطيني .