الكاتب:
رفاء الرمحي
أكثر ما يشغل بال مكونات المجتمع الرسمي والمدني اليوم هو كيفية العودة للمدارس، في ظل تعقيدات تشهدها الحالة الفلسطينية في مواجهة جائحة كورونا؛ التي فرضت على العالم وعلينا واقعاَ تعليمياَ جديداَ لم يكن العالم متأهباَ له كما يجب، فموضوع العودة للمدارس هو حدثٌ سنويٌ تتأهب وتستعد له الأسر الفلسطينية، وبصفتي مهتمة بالقضايا التعليمية ,والتربوية كونها واقعة ضمن مجال اختصاصي، ومن خلال متابعتي لوسائل التواصل الاجتماعي بتّ مدركةً لحجم التعقيدات المترتبة على أي قرار قد يصدر لافتتاح العام الدراسي في ظل تعدد وجهات النظر، والنظرة الخاصة لكل طرف سواء الجهات الرسمية أو الأهالي أو التربويين.
فاليوم ليست هناك وصفة سحرية واحدة لاعتمادها لضمان انتظام دوام المدارس بسلامة وأمان؛ في ظل تفاقم الوضع الصحي وانتشار الوباء في فلسطين، فكما يعلم الجميع لم يثبت علمياً حتى الآن كيفية سلوك فايروس كورونا وانتقاله من إنسان لآخر.
وزارة التربية والتعليم من جهتها -وبقرار من مجلس الوزراء- أعلنت أن العودة للمدارس ستكون بتاريخ 6/9/2020، أي بعد انقطاع دام ستة أشهر لطلبتنا عن العملية التربوية بكامل أركانها، وهذا نذير خطر نتيجة اتساع الفجوة بين الطلبة والعملية التعليمية بمختلف محاورها؛ المعلم والمنهاج والطلبة والتعلق المكاني بالمدرسة، وهذا في حد ذاته تحدٍ جديد يتطلب تدخلات إرشادية وتربوية لتقليل مساحة الفجوة، وحتى نبقي على شخصية أبنائنا الاجتماعية الإبداعية، ولنخلق منهم حالة جديدة قادرة على التأقلم والانخراط في التجارب التعليمية الجديدة، والتي سيجدون أنفسهم مندمجين فيها دون سابق انذار أو تهيئة .
وأمام هذه المعضلة الشائكة سأستعرض بعض وجهات النظر المتناقلة بين التربويين والأهالي، فثمة وجهة نظر تطالب أن يكون التعليم وجاهياً مع أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر، ويدافع المطالبون بهذا التوجه، بأن العودة الى الحياة الطبيعية لا مفرّ منها، فالأزمة قد تطول، وتستمر لسنوات، وبالتالي؛ علينا العمل ضمن برامج توعية للكوادر التعليمية وللطلبة مع أخذ كافة الشروط الصحية بعين الاعتبار، والعمل على تغيير بعض السلوكيات الاجتماعية التي قد تكون أساس انتقال الفايروس حتى الآن كالتسليم والتقبيل.
وهناك وجهة نظر ثانية؛ تطالب أن يكون التعليم الكترونياً بالمجمل، حيث إن إصابة طفل واحد في مدرسة بالفيروس، كفيلة بنقل العدوى لعدد كبير من الطلبة والمعلمين، ما سيزيد الوضع سوءاً.
وهناك وجهة النظر ثالثة؛ تدعو إلى الدمج بين التعليم الالكتروني والوجاهي، وربما تكون وجهة النظر هذه هي الأكثر اعتدالاً، وهو ما أعلنت وزارة التربية والتعليم عن تبنيه للعام الدراسي القادم، دون الاعلان عن الترتيبات لذلك حتى اللحظة.
ولنجاح التوجه الأخير، أرى أهمية للشراكة المجتمعية، فالمسؤولية لا تقع على وزارة التربية والتعليم وحدها، وإنما على جميع مكونات المجتمع، من وزارة الصحة، وشركات الاتصالات، ومؤسسات المجتمع المدني، وأهالي الطلبة وغيرهم، فمن المهم مثلاً الحصول على إحصائيات دقيقة لمدى توافر خدمات الانترنت في بيوت كافة الطلبة والمعلمين، والعمل على توفيرها في الأماكن التي لا تتوافر فيها حتى الآن؛ من خلال التواصل مع شركات الاتصالات والداعمين لدعم بيوت الطلبة والمعلمين بالانترنت وزيادة سرعتها.
ولا يخفى على أحد أن هناك دوراً محورياً لوزارة الصحة لتكون حاضرة في التحقق من شروط وسلامة إجراءات الصحة العامة لانتظام الدوام، والأخذ بتوصياتها لمعرفة العدد المسموح به من الطلبة في الغرفة الصفية الواحدة .
وهنا لا بد من شراكة واسعة وحقيقية في اتخاذ القرارات بين وزارة التربية والتعليم، والشركاء والمتأثرين في نمط وشكل العملية التعليمية للعام القادم، ويعدّ أهالي الطلبة هم الشركاء الأكثر أهمية؛ بصفتهم الأكثر تأثراَ بالقرارات التي سيتم اتخاذها من حيث أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية، ولن نغفل ضرورة الشراكة مع الداعمين في دعم العودة للمدارس لما يترتب على ذلك من متطلبات بحاجة لتوفيرها، ومنها توفير خدمات الانترنت وأجهزة حاسوب وأجهزة خلوية ذكية لمن يحتاجها من الطلبة وبأسعار رمزية .
ويقع على عاتق وزارة التربية والتعليم أيضاً توفير وحدة دعم فني تعمل بشكل دائم لحل المشكلات التي قد تواجه المعلمين والطلبة، وعرض فيديوهات إيضاحية للأهالي من خلال موقع تواصل الكتروني تقوم الوزارة بإنشائه لتوضح للأهالي كيفية استخدام البرامج المختلفة.
هنا؛ لا بد لوزارة التربية والتعليم أيضاَ أن تبدأ وبشكل عاجل بتقديم برامج إرشاد وتوعية صحية للأهالي وللطلبة من خلال طواقم الوزارة المختصة في الإرشاد والصحة النفسية والمدرسية، لتهيئة الجميع للعودة للمدارس، فالإعداد الذهني والنفسي متطلب أساسي لنجاح الآليات الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن لامركزية الإجراء، والثقة بالكادر التعليمي والإداري في اتخاذ القرارات تكتسب أهمية مضاعفة علاوة على أهميتها أصلا في هذا المجال، بحيث يسمح لكل مدرسة أن تتصرف حسب الإمكانيات المتاحة لها، فمثلا في بعض القرى الصغيرة لا يزيد عدد الطلبة فيها عن 10 طلاب في الصف الواحد، فلمَ يتم اللجوء إلى التعلم المدمج فيها؟ طبعاً إذا كان البروتوكول الطبي يسمح بتواجد هذا العدد في مكان واحد ضمن مساحة كافية!! لذا قد يكون من المناسب اتخاذ القرار على مستوى المدرسة بالتنسيق مع مديريات التربية والتعليم.
وفي النهاية؛ أرى أنه ولنجاح التعلم المدمج، فهناك حاجة لتضافر جهود الجميع، فالتحديات كبيرة، ويقع على عاتق كل من المعلمين والأهالي ومكونات المجتمع المدني مسؤولية إنجاح العودة للمدارس بالشكل الذي نريد، وبصورة سلسة وآمنة توفّر أعلى ضمانات الأمان والاستقرار في ظل استحالة توفيرها في ظل ما نشهده من وقائع على الأرض فيما يرتبط باتساع دائرة انتشار الوباء.