الكاتب: رولا سلامة
بعد قرابة نصف العام من انتشار جائحة كورونا وما أحدثته من دمار للحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وبعد أن تغير نمط حياتنا وتغير برنامجنا اليومي وأنشطتنا المتعددة وبعد أن فرض علينا جميعا ما يشبه نظام منع التجوال حيث منعنا من اقامة الاحتفالات والمهرجانات والتجمعات والاستقبالات ، قررت الحكومة قبل أيام أن نعود لممارسة حياتنا الطبيعية بحذر ، مع ارتداء الكمامات وغسل الأيدي والحفاظ على التباعد الاجتماعي ، وأن تقام صلاة الجمعة في الاماكن العامة والمفتوحة ، أن يعود الموظفون لدوامهم وحياتهم العملية ، وأن تفتح المطاعم والمحال التجارية أبوابها كالمعتاد ، وكذلك تم الغاء القرار السابق بمنع التنقل بين المحافظات في نهاية كل اسبوع ، وهذا القرار الذي انتقده الكثير من الناس والتجارسابقا ورحبوا به الأن حيث أن الحركة الشرائية تشتد عادة أيام عطلة نهاية الأسبوع ، وهذا ما أثر كثيرا على الحركة الشرائية والنشاط الاقتصادي في مختلف المحافظات ، وهذا ما يؤكده أبو رامي مدير أحد المطاعم في مدينة رام الله حيث قال أن الحركة بدأت مباشرة بعد قرار الحكومة بالعودة للحياة الطبيعية والسماح بالتنقل بين المحافظات والغاء الاغلاقات أيام الجمعة والسبت من كل اسبوع ، حيث قمنا باستدعاء العمال والموظفين للعودة لعملهم فورا بعد انقطاع دام عدة أشهر ، حيث شهدنا خلال اليومين الماضيين حركة جيده نسبيا مقارنة مع الأسابيع القليلة الماضية والتي حرمنا خلالها من افتتاح المطعم واستقبال الزبائن وخدمتهم ،ويضيف أبو رامي أن المطعم يعيل أكثر من عشرين اسرة تقطعت بهم السبل وعانوا كثيرا خلال الفترة .
قضية ما زالت شائكة ومصدر قلق وغضب للكثير من أصحاب القاعات المخصصة للمناسبات والأفراح ، حيث أن قرار الحكومة الجديد بالابقاء على القاعات مغلقة ، فهم وحدهم تركوا دون قرار منصف يحمي مشاريعهم من الافلاس ، فموسم الأعراس قارب على الانتهاء وما زالت القاعات مقفلة بقرار حكومي منعا للتجمع والتجمهر وحماية للناس جميعا من انتشار الفيروس ، فالتباعد هو الحل وعدم الاختلاط هو ما تسعى له الحكومة من قراراتها السابقة وقرارها الخاص باستمرار اغلاق قاعات الأفراح ، ولكن الخوف والقلق والغضب ما زال هو السائد بين أصحاب القاعات الذين اجبروا على الغاء الحجوزات للافراح وارجاع قيمة الحجوزات وأصبحوا يعيشون حالة من القلق المستمر على مستقبلهم ومستقبل مشاريعهم وهم باتوا القلة القليلة التي لم يشملها تقديم الدعم المالي لاسنادهم وحماية مشاريعهم أو حتى بايجاد الحلول لهم قبل انتهاء موسم الأعراس والمناسبات ، وهذا ما أفادنا به صاحب احدى القاعات في مدينة البيرة حيث أكد أن عملية الصيانة للقاعة وترتيبها وتحديث الأثاث قد كلفه مبالغ كبيرة جدا لم يستطع خلال هذا الموسم أن يحقق أي دخل يذكر وأنه اضطر الى تسريح العمال الذين يعملون لديه منذ سنوات .
وللتذكير فقط ، أن العودة للحياة الطبيعية لن تكون طبيعية بالمطلق في ظل انتشار فيروس كورونا والذي ما زال يحصد حياة الالاف من الناس حول العالم وفلسطين واحده من هذه الدول ، ولعل ما تعلمناه في الفترة السابقة خلال الأسابيع الأولى من انتشار الفيروس والتركيز على طرق الوقاية والحماية ، طرق النظافة الشخصية وكيفية استعمال المعقمات والكمامات والقفازات ، وأصبح الصغير قبل الكبير يعلم تماما كيف يهتم بنظافته الش خصية ، وكيف يضع كمامته على وجهه ليغطي فمه وأنفه جيدا ، وكيف يتجنب السلام والقبل ، وكيف يخلع حذاءه قبل دخول المنزل ، وكيف يلبس قفازاته ومتى يخلعها ، وأصبح الشغل الشاغل لجميع المؤسسات والجمعيات والوزارات والمجموعات الشبابية والنسوية ورجال الدين والاعلام بكافة أشكاله وأنواعه بث الاعلانات والدعايات والبرامج المختلفة لتوعية الناس وتثقيفهم والشرح لهم عن اليات العمل .
بعد هذا كله ، كان علينا أن نتحمل المسؤولية ونجهز لاستقبال حياتنا الجديدة ولو مؤقتا للتعايش مع هذا الفيروس ، وأصبح كل منا مسؤول عن نفسه وعن اسرته وعن مجتمعه ، فلا يعقل أن نبقى لنصف عام أخر منقطعون عن الحياة وعن التعليم وعن العمل ، لا يعقل أن تتوقف حياتنا مطلقا ولا يعقل أن نوصي بشرطي أو رجل أمن ليقف على عتبة منزل كل منا ليذكره بالوصايا والواجبات ، ويذكره بلبس الكمامة والقفازات ، لا يعقل أن ندمر جيلا ينتظر أن يساهم في بناء الوطن ،ولا يعقل أن يستمر اغلاق المدارس والجامعات والمساجد والكنائس والوزارات والمكاتب والجمعيات لأجل غير مسمى ، لقد دربنا وتدربنا على حماية أنفسنا والاعتناء بها ، وأصبح علينا التطبيق والممارسة الفعلية وكذلك المراقبة والمتابعة لمن نعيش معهم والى جانبهم .
نعم ، ستعود الحياة من جديد كسابق عهدها ، وسنعود لممارسة طقوس يومنا ، سنرافق أبناءنا لمدارسهم وسنكون الى جانبهم بداية الأمر وسيعتادوا على البرنامج الجديد وعلى الدمج ما بين التعليم الألكتروني والوجاهي ، وستمر الأيام وستتغير الأحوال ، وسنتخلص من هذا الفيروس اللعين ، وستصبح هذه القصص من الماضي نتذكرها ونتعلم العبر منها .
الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .