الكاتب: رولا سلامه
قديما قالوا ، الأرض كالعرض ، وذلك للتدليل على أهمية الأرض وأن التفريط بها كالتفريط بالعرض ، وقديما كانت الأرض والاعتناء بها وفلاحتها وزراعتها الشغل الشاغل للناس ، فما بين الزراعة ورعي الأغنام كان الاقتصاد وكانت التجارة ، وخلال سنوات الانتفاضة الأولى كانت بيانات القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة تكرر باستمرار الدعوة للعودة الى الأرض والاعتناء بها وحمايتها وتحصينها وزراعتها والاستفادة من خيراتها ، فكانت المناشدات لمقاطعة البضائع الاسرائيلية مربوطة مباشرة بالعودة للأرض والزراعة ، وكانت بعض الاسر تعتمد على هذا النوع من الزراعة اعتمادا أساسيا ، فكل احتياجات المنزل أو الجزء الأكبر منها متوفر في الأرض ، وكانت الاستعانة بخبرات الجيران والأقارب للمساعدة في تعليم الأسرة الزراعة والفلاحة والتلقيط والري وكل ما يتعلق بالأرض والفلاحة من دروس .
كم اشتقنا لتلك الأيام وذكرياتها ، وكم فرحنا عندما سمعنا عن بعض المبادرات الشبابية لاحياء الأرض والاستفادة منها وزراعتها والحفاظ عليها من الاستيطان والمصادره خاصة في ظل جائحة كورونا وارتفاع نسبة البطالة والاغلاقات وتردي الأوضاع الاقتصادية ، فكان الحل هو التفكير لايجاد فرص عمل والتقليل من البطالة بين صفوف الشباب ولنتمكن من ايجاد محاصيل زراعية فلسطينية لنحقق الاكتفاء الذاتي ونقلل الاعتماد على المنتج الاسرائيلي ، فهذه تعاونية أرض الشباب تنطلق من مجموعة من الشباب بعضهم من خريجي الجامعات والبعض الأخر ممن ما زال على مقاعد الدراسة واخرون ممن تعبوا من البحث عن فرصة للعمل فسدت بوجوههم الأبواب ، وهنا يقول أمجد وهو أحد المشرفين على هذه التعاونية " جلسنا سويا لنتباحث ونفكر في مستقبلنا ، فخطر على بالنا فكرة انشاء تعاونية زراعية ، واستصلاح أرض كانت متروكة لسنوات دون اهتمام أو عناية " وبالتأكيد لم تكن لتتوفر بها مقومات النجاح لولا الارادة القوية التي تمتع بها فريق الشباب ، ويضيف أمجد " قمنا بوضع الخطط وبدأنا تنفيذها ، ليقوم كل منا بتحديد مهمته وعمله ، فبدأت عملية تشييك الأرض لحمايتها من قطعان المستوطنين ومن جنود الاحتلال وكذلك من الخنازير البرية التي يتركها المستوطنون لتتجول وتتلف المحاصيل والأراضي الزراعية ومن ثم انتقلنا للأرض لتبدأ عملية تأهيلها وتجهيزها للزراعة وجمع الأحجار وقطع الحشائش " .
وفيما يتعلق بالتحدي الأكبر الذي واجه التعاونية ، يقول أمجد " القضية الأصعب التي واجهتنا هي قضية المياه ، فقمنا بوضع خزانات المياه لتتبعها عملية البحث عن مياه للري ، وبما أن الأرض تقع في منطقة " ج " أي انها تابعة للاحتلال ضمن تقسيمات لا نعترف بها أصبح من الصعب جدا ايجاد المياه وكذلك الكهرباء للأرض ، وأصبح الهدف الرئيسي أمامنا البحث عن المياه ، فتواصلنا مع بعض المؤسسات لنطلب المساعده ، وبالفعل حصلنا على تمويل لبناء بئر مياه ليساعدنا ويساعد المزارعين من حولنا ، فمنذ اليوم الأول قررنا جميعا أن نكون وحده واحده ونتعاون مع المزارعين من حولنا ونتعلم من خبراتهم ونضيف عليها ، بدأ المشروع يرى النور وبدأت الخطط والأفكار تتلاحق ليكبر المشروع ويصبح الاهتمام أكثر بتعميم الفكرة على مجموعات اخرى ، وبالفعل كان هذا من أهم أهداف المشروع منذ انطلاقته ، أن يبدأ العمل وينجح لتعمم الفكرة على باقي المجموعات ولنحمي مساحات أكبر من أرضنا المهددة بالمصادرة وكذلك لنوفر فرص عمل للشباب الذي سئم البطالة وتعب من البحث عن عمل .
وهنا ينضم محمد ليشاركنا بالحديث ويضيف أن التحدي الأكبر كان أن ننتهي من عمل اللازم في القطعة الأولى لننتقل للقطعة الثانية ومن ثم الثالثه ، وبالفعل حصلنا على تشجيع من الأهل وكذلك من كل من شاهد التعاونية وشاهد الانجاز ، وبدأنا بتعميم الفكرة على القرى المجاورة ، ويضيف محمد : اننا الان نزرع عدد لا بأس به من المنتجات الزراعية العضوية مثل البازيلاء والكوسا والفقوس والحمص وبالتأكيد القمح .
ان الحديث عن هذه التعاونية مشوق للغاية ويفتح الافاق أمام الشباب للبدء بمشاريعهم الزراعية خطوة تلوها خطوة وسنجد حولنا مجموعة من التعاونيات يشرف عليها ويديرها الشباب وبذلك نعزز فكرة حماية الأرض والحفاظ عليها والاستفادة من مساحات شاسعة من أراضينا التي تركت بفعل ضغوطات الحياة وممارسات الاحتلال والمستوطنين .
ان تعميم مبدأ استصلاح الأراضي والاهتمام بها والعودة للأرض وزيادة التركيز على الزراعة لما لها من أهمية كبيرة عندنا في فلسطين هو مبدأ وطني بامتياز وبحاجة لدعم كل الجهات الحكومية والخاصة وبحاجة للعمل بجد لتطوير وسائل الزراعة ليصبح لدينا زراعة تنافس المحاصيل العالمية وتغزو الأسواق المحلية والعالمية لنقلل الاعتماد على المحاصيل والمنتجات الاسرائيلية .
اليوم موعدنا مع الأمل ، موعدنا مع الشباب ، موعدنا مع صناع الحياة ، وموعدنا مع فكرة بدأت بحلم راود مجموعة من شبابنا وحولوها الى حقيقة ، نزلوا للأرض وفلحوها ، اعتنوا بها وسيجوها ، من قطعة أرض صغيرة الى مساحات شاسعه وخضار ومحاصيل متنوعة ، يساهموا من خلال مشروعهم هذا بدعم الأسر الفقيرة ويزودوها باحتياجاتها من الخضار ضمن ايمانهم بمسؤولياتهم الاجتماعية في مجتمعهم كما وأنهم يتعاونون مع جيرانهم المزارعين ويساعدوهم في تسويق محاصيلهم وبيعها وينشروا فكرة أن لا مستحيل مع الحياة ومع العمل وأننا بارادتنا نصنع الأمل .
الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .