الكاتب:
هبه بيضون
لم يكن تقاعس الأمين العام لجامعة الدول العربية المدعو أحمد أبو الغيط في الرد على طلب دولة فلسطين في عقد إجتماع طارىء لمناقشة موضوع التطبيع الإماراتي الإسرائيلي آخر الخذلان ، ولم تكن مماطلته في تعميم مشروع القرار الفلسطيني لإدانة الإتفاق التطبيعي بين الإمارات وإسرائيل الذي سيتم التوقيع عليه رسمياً في منتصف الشهرالحالي في واشنطن ، مقابل الإسراع في تعميم الطلب الذي تقدمت به البحرين بعدم بحثه آخر خيبات الأمل، ففي إجتماع أعمال الدورة الـ154 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي عقد إفتراضياً يوم أمس الأربعاء ، كان الموقف العام مخزياً وغير مشرفاً ومخيباً للآمال.
فإسقاط جامعة الدول العربية مشروع القرار الذي تقدمت به فلسطين في الإجتماع أمس كان ضربة موجعة لفلسطين، على الرغم من أن البيان الختامي تضمن أن الوزراء العرب متفقون على ضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، مؤكدين رفضهم لخطة السلام الأميركية الخاص بالشرق الأوسط، إلا أن هذه الديباجة هي مجرد إسكات للفلسطينيين والعالم الحر.
لا أفهم هذا التناقض في الموقفين، فكيف يتفقون على حل الصراع وفق مبادرة السلام العربية، في الوقت الذي يشرعنون فيه وجود الكيان الصهيوني قبل حصول الفلسطينيين عل حقهم، وكيف سيكون وضع يدهم بيد دولة الكيان وتسليم رقابهم لها في مصلحة القضية الفلسطينية، هل يعتقدون أنه بعد أن تسيطر دولة الكيان على عقولهم ومواردهم ، ستكون في موقف ضعف يمكنهم من المساومة معها!!!
لم أتفاجأ بموقف بعض الدول التي رفضت المشروع، ولكن تفاجأت بموقف البعض الآخر ممن رفضه، حيث كان بإمكانهم إلتزام الصمت والحياد بحده الأدنى، للأسف لم تتمكن دولة عربية واحدة من أن تدعم مشروع القرار الفلسطيني المقترح، والذي لا يتعلق بشيء سوى إدانة التطبيع مع الكيان الصهيوني بما يخالف الإجماع العربي.
أكاد أشك في أن دولنا العربية قد استقلت فعلاً، أو ربما علينا أن نعيد تعريف مفهوم "الإستقلال" ليضع محدّدات تجعل الدول العربية تابعة بقرارها السياسي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل ومن يواليها ويدعمها من أميركان وغيرهم .
لا أرى فيمن رفض مشروع القرار إلا إحدى حالتين: إما متواطئاً أو ممهداً لما سيقدم عليه قريباً وهو ركوب ذات الموجة التي ركبتها الإمارات، وإما خائفاً على عرشه وحريصاً على مصالحه الخاصة بغض النظر عمّا يعنيه ذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية والفلسطينيين، وعندما يتعلق الأمر بالعروش والكراسي، قد لا نستطيع اللوم وأن نتفهم موقفهم.
وقد أكد أبو الغيط موضوع المصالح بتصريحه وتأكيده على أن كل دولة لها الحق السيادي في مباشرة سياستها الخارجية بالصورة التي تراها، وأكد أن ذلك لا جدال فيه، وأن المجلس يحترم هذا الأمر ويقره ، ما يعني أن كل دولة تقرر سياستها الخارجية وفق مصالحها ووفق مفهومها الخاص لهذه المصالح، وبغض النظر عن مصلحة قضية العرب المركزية.
لقد أثبت إجتماع الأمس بأننا كفلسطينيين لا ظهر لنا وأننا وحدنا، ويجب ألّا نثق أو نعتمد على دعم أي دولة عربية سياسياً، لأن السياسة قذرة ومتغيرة ومتلونة حسب المصالح، في عالم تغيرت فيه المفاهيم والمقاييس، قد لا يكون ذلك خطأ في العرف السائد، حيث لا أخلاق تحكم سلوك بعض الدول، وإنما إتفاقيات قد تفسر لاحقاً بعد سنوات من توقيعها وقد تنقض، بإيجاد مبرر بما يتناسب مع مصلحة كل دولة، ومن هنا أقول بانه لا قيمة للإتفاقيات بما أنها غير ملزمة، أو ربما يجب أن تحدد كل إتفاقية ثنائية ، ثلاثية أو متعددة الأطراف بتاريخ صلاحية محدد.
لم تتجرأ دولة واحدة من الدول الحاضرة أن تتخذ موقفاً مشرفاً ، وربما سيطلب البعض تعريف ما هو الموقف المشرف، ليصل بالنهاية إلى أن الموقف المشرف لدولة قد لا يكون مشرفاً لدولة ثانية، وخاصة للفلسطينيين، أصبحنا في زمن تغيرت فيه المفاهيم واختلفت، بما فيها مفهوم " الإجماع العربي".
أصبحنا في زمن سياسي خال من الإلتزام إلا على الورق، وخال من المواقف المشرفة إلا في الشعارات والخطابات والإعلام الموجه. ما لا تعرفه الدول العربية هو أن فلسطين وضعت ثقتها بكم، وتأملت بكم خيراً، لم نطلب سوى الإدانة لما أنتم متفقون أنه لا يتفق والإجماع العربي، وأنه سيضر بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطينين ولكن للأسف خذلتم فلسطين قيادة وشعباً.
لم نرد منكم إلا موقفاً، والموقف يكون بالكلمة التي تخرج من فم الرجال، والتي تترجم بعدها إلى فعل، وبما أن أحداً منكم لم يتمكن من هذا الإلتزام ، فلماذا نلتزم نحن معكم؟ وإذا برر أبو الغيط الذي أفاق من سباته العميق، بأن الدول حرة في سياستها الخارجية، أسألكم عندها ماذا تقولون في أن فلسطين حرة أيضاً ، وان لها الحق من الآن وصاعداً في أن تقرر سياستها الخارجية وفق مصالحها ، وان توسع تحالفاتها بجميع الإتجاهات ووفق ما يضمن لها مصالحها من الحصول على كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي والسياسي، بما يساهم ويسهم في دعم تحقيق مشروعنا الوطني، هل سيكون موقفكم وموقف أبو الغيط ذات الموقف في أن للدول الحق في إقرار سياساتها، أم أنكم ستقاطعون فلسطين وتستنكرون وتشجبون وتكيلوا وقتها بمكيالين!!!
في حال ارتأت فلسطين في يوم من الأيام أن توسع تحالفاتها وتتجه نحو إيران وتركيا وقطر، على جميع الدول العربية الصديقة والتي أثبتت درجة صداقتها وصدقها معنا في اجتماع الأمس، أن تتفهم موقفنا وألا تحاسب أو تعاقب أو تلوم فلسطين، فنحن أصحاب القضية، ونحن أصحاب الحق، ونحن من يجب أن ينظر إلى مصالحه، ومصلحتنا هي مع من يدعمنا .
فلسطين ليست اقل من أي دولة منكم، وحاجتنا لدعمكم لا تعني أن تذلونا وتخذلونا وتتخلوا عنا في أحلك الظروف، وأنا أطالب من هذا المنبر القيادة الفلسطينية أن تنظر حولها في جميع الإتجاهات لتبحث عن مصالح فلسطين والفلسطينيين بما يساهم في تحقيق مشروعنا الوطني ولو كان بالقوة وتحرير الأرض من براثن الإحتلال وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس.
فعلاً....يا وحدنا