الكاتب: هبه أ. بيضون
في العاشر من شهر أيار عام 2002، قامت إسرائيل بتطبيق إحدى سياساتها الممنهجة ضد شعبنا الفلسطيني وأبعدت 39 مواطناً فلسطينياً من فصائل متعددة، من فتح وحماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، كانت قد حاصرتهم في كنيسة المهد مدة 39 يوماً بظروف قاسية، إلى أن تم التوصل إلى إتفاقية مجحفة بحق هؤلاء بإبعاد 13 مناضلاً منهم خارج الوطن إلى قبرص ثم تم توزيعهم إلى دول أوروبية منها إسبانيا، إيرلندا، إيطاليا، بلجيكا، البرتغال، اليونان وتم إبعاد شخص واحد إلى موريتانيا، كما أبعدت 26 من المناضلين إلى غزة وانتهى الأمر ببعضهم في مصر الأردن، وكان الحديث أن يتم إبعادهم فقط لمدة سنتين.
مضت السنتان دون عودة، ثم مضى على هؤلاء الأبطال تسعة عشر عاماً بعيداً عن عائلاتهم سواء عن آبائهم وأمهاتهم وأخوانهم أو زوجاتهم وأولادهم، تسعة عشر عاماً من الضغط النفسي والتشتت والحرمان والبعد عن تراب الوطن لمن أبعدوا خارجه، وكذلك لمن أبعدوا إلى غزة في ظل ظروف معيشية صعبة وفي ظل الحصار الخانق والحروب التي مرت خلال تلك الفترة، تسعة عشر عاماً من الغربة القسرية القاسية التي فرضت عليهم بظروف غير طبيعية، حيث كانت خياراتهم محدودة آنذاك، إما الإستشهاد أو الإستسلام أو الإبعاد، فاختاروا الإبعاد.
هذه السياسة التي تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، أدت إلى تضخيم قضية المبعدين وإعطائها حجماً أكبر من حجمها لتبرير الفعل المشين الذي أقدمت عليه سلطات الإحتلال أمام العالم.
بقي هؤلاء المبعدون في الدول التي أبعدوا منها يعيشون مرارة الإبعاد وحنين العودة إلى الوطن، آملين متأملين بأن القيادة السياسية ستعمل على عودتهم قريباً، ولكن مضت السنين وهم ينتظرون، ويبدو أنه تم نسيانهم وافتراض وجودهم في أماكن إبعادهم أمراً طبيعياً، لا يستدعي إعتبارهم قضية كقضية الأسرى بحيث تستوجب بذل كل الجهود لإنصافهم في العودة إلى المكان الذي أبعدوا منه حيث تتواجد عائلاتهم.
قضية المبعدين هي قضية إنسانية بإمتياز، وهي قضية مهمة، فلهم الحق بأن يعودوا إلى مدنهم وقراهم وعائلاتهم في فلسطين، فعودتهم مقدسة وواجبة، ولزاماً علينا أن نحيي قضيتهم من غياهب النسيان .
ولكن في ظل الظروف السياسية الراهنة، وفي ظل التعنت والجبروت الإسرائيلي في فرض سيطرته على الأرض، وكشف إسرائيل عن أنيابها ونواياها في ضم مزيداً من الأراضي كجزءاً من تطبيق صفقة القرن، وقطع السلطة الوطنية الفلسطينية علاقاتها مع إسرائيل بصورة كاملة والتحرر من إتفاقية أوسلو، لا أجد طريقة لعودة المبعدين إلا من خلال شملهم بأي صفقة تبادل أسرى قادمة تعقدها حماس، على أن يكونوا جزءاً من هذه الصفقة والتي ستشمل الأسرى المرضى والنساء والأطفال وكبار السن، على أن تليها صفقة تشمل جميع الأسرى.
لقد علمت من عدد من المبعدين في غزة بأنه تم اللقاء بينهم وبين الأخ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عدة مرات في السابق عندما كان رئيساً للوزراء للحكومة العاشرة ولحكومة الوحدة الوطنية الحادية عشر، ووعدهم بالعمل على أن يكونوا ضمن أي صفقة تبادل، ووعدوا أن يكونوا ضمن صفقة شاليط، إلا أنهم آثروا أن يتنازلوا عن هذا الحق لصالح الأسرى في تلك الصفقة.
ومن هذا المنبر ، أطالب الأخ إسماعيل هنية بأن يفي بوعده تجاه المبعدين وأن يشملهم جميعاً في صفقة الأسرى القادمة، وأنا متأكدة من أن حماس لديها من الأوراق الرابحة ما يمكنها من إبرام صفقة مشرفة تحرر فيها أسرانا وترجع مبعدين كنيسة المهد إلى الوطن.
لن نتوقف عن الكلام حول صفقة تحرير الأسرى حتى تتم وتبيض المعتقلات، فهذا واجب وطني علينا جميعاً أن نبقي قضية الأسرى حاضرة في الأذهان وفي جميع المحافل وعلى جميع الأجندات، ليس فقط بالذكر وإنما بالمتابعة والمطالبة بتحريرهم ، بل أكثر من ذلك، علينا تشكيل قوة ضاغطة على المستويين المحلي والإقليمي والدولي، على المستوى المحلي لدعم وحثّ حماس بأن تثابر في الموضوع ولا تتقاعس ولا تؤجل وأن تضعها على قائمة أولوياتها، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، للضغط على الدول ممثلة بحكوماتها وبرلماناتها وشعوبها بأن تتحرك وتشكل قوى ضاغطة على إسرائيل من خلال علاقاتهم بالدول الأوروبية الصديقة.
أسرانا ومبعدونا أمانة في أعناقنا جميعاً، وأمانة في أعناق القيادة وكل من بيده فعل شيء من أجل إطلاق سراحهم وإرجاعهم إلى الوطن.
أسرانا ومبعدونا ليسوا أرقاماً.