الأربعاء: 29/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الإنتخابات فرصة.. نحو تحقيق الوحدة ومواجهة التطبيع

نشر بتاريخ: 04/10/2020 ( آخر تحديث: 04/10/2020 الساعة: 12:53 )

الكاتب: الأسير ظافر ريماوي

الجزء الثاني:

لا شك بأن الخيار الفلسطيني الأجدّى للرد على التطورات الحاصلة والتحولات الدراماتيكية، هي بإعادة الاعتبار للعمل بآليات وطنية تناسب المرحلة واستحقاقاتها الواجبة ، التي من شأنها إنهاء الانقسام أولا ، واستعادة الوحدة ثانيا، على أرضية تعزيز النظام السياسي الفلسطيني، وذلك بتجديد الشرعية للمؤسسات المختلفة، في سياق رؤية نضالية سياسية قادرة على التحليق محليا وإقليميا ودوليا، وقادرة على تحقيق الإنجاز في سياق تراكمي.

إنطلاقا من هذا الفهم، وارتباطا بالإتفاق بين حركتي فتح وحماس بشأن إجراء الانتخابات العامة، ما أحوجنا إلى وجوب التعاطي مع هذه الانتخابات وضرورة إجرائها ، كفرصة مهمة بالمعنى التنظيمي، القيمي ، السياسي والوطني ... الخ ، بهذا المعنى آخالها فرصة بحق، كي يقول الشعب الفلسطيني كلمته بوضوح ويعبر بصراحة عن خياراته وتوجهاته ، باعتباره مصدر السلطات وصاحب الكلمة الفصل، مثلما هي فرصة أيضا لتصدير صورة ورسالة ديمقراطية وحضارية في جميع الاتجاهات ، تنسجم وأساس وجود شعبنا الثقافي ، التعددي ، الديمقراطي والحضاري، خاصة في زمن الإنتفاضات على السلطة السياسية في المنطقة والمحيط.

تكاد تكون الإنتخابات - وبالتجربة - أفضل فرصة لتسييس المجتمع، خاصة بعد انقطاعها قبل أكثر من أربعة عشرعاما، فضلا عن أن غياب دورية الإنتخابات يعني بالضرورة إفتقاد للشرعية الدستورية ، وتعطيل لحق الشعوب في ممارسة حقها الديمقراطي ولقانون تدافع الأجيال ، وبالتالي غياب الرقابة الشعبية ومبدأ المساءلة والمحاسبة ، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تراجع المؤسسات القائمة إلى حد تكلسها فشللها التام ، وبالتالي تعميق الأزمة وغياب الثقة بهذه المؤسسات .

الإنتخابات فرصة أيضا ليس من أجل تجديد الشرعيات فحسب ، إنما لتوحيد الحالة والموقف والقرار ، ولتجديد الخطاب وتوسيع رقعة الإجماع والتأييد على قاعدة الوحدة والشراكة ، ولسحب البساط أيضا من تحت أقدام المتآمرين وأعوانهم ، فضلا عن أنها فرصة مهمة للتأكيد على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وبالتالي هي صاحبة الولاية والإختصاص الحصري في كل ما يتعلق بالفلسطينيين، والتعبير عنهم وعن مصالحهم العليا وخدمة هذه المصالح .

كيف لا تكون الإنتخابات فرصة ، إذا ما اتفقنا على أنه ليس هناك ما هو أفضل من الإرادة الشعبية بثوبها الديمقراطي للرد على مشروع الضم وعلى اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو ، وعلى صفقة القرن وعرّابها الأحمق ترامب وفريقه المتصهين أيضأ ، بهذا المعنى تكون الإنتخابات إحدى أدوات المواجهة لهذا الاحتلال الغاشم ، لذا يجب أن تقوم على أساس انتهاء المرحلة الانتقالية والتزاماتها المختلفة.

برأيي، الإنتخابات فرصة مهمة أيضا لاستبدال وعي وثقافة الانقسام ورفض الأخر واستبعاده، التي تراكمت عبر السنوات الماضية، بثقافة الوحدة والشراكة، وبالتالي قبول الآخر المختلف، والسبيل الأفضل لتحقيق ذلك هو ذهاب الكل الفلسطيني موحدين في قائمة إنتخابية واحدة ، يتم التوافق عليها مسبقا، خطوة إن حدثت، من شأنها تحقيق الكثير، أقلها استعادة الثقة وإنهاء الأزمة القائمة ما بين الجماهير والمستويات القيادية ... فإن كنا جادين هذه المرة، وهنا يكمن الإختبار الحقيقي ، لنبدأ إذن بتطبيق ذلك سريعا في انتخابات المجالس المحلية ، على أن تكون مقدمة للإنتخابات العامة.

نعم ، الإنتخابات فرصة كي نأخذ الشعب الفلسطيني - بدلا من أن يأخذنا هو إلى حيث لا ندري - نحو ربيع فلسطيني ديمقراطي عصري، يمثل براءة اختراع فلسطينية ، أخالها ستعد سابقة في المنطقة إرتباطا بما يجري، وخطوة وقائية مبصرة، لتفويت الفرصة على كل أؤلئك المتشدقين بانتهاء الشرعية الدستورية ، خاصة بعد قرار حل المجلس التشريعي، وبالتالي تزايد الدعوات الأوروبية لإجراء الإنتخابات العامة ، وتوقع ذات الطلب من قبل الإدارة الأمريكية مستقبلا، تحديدا بعد انتهائهم من الإنتخابات الرئاسية القادمة، لأهداف لم تعد خافية على أحد ، إذن لنسارع، وبإرادة فلسطينية خالصة ، للذهاب نحو ربيع فلسطيني ديمقراطي، من شأنه أن يؤسس نضاليا ، سياسيا ووطنيا، إلى ما بعده غير الذي قبله تماما، بهذا المعنى ستكون الإنتخابات فرصة إذا ما كانت خطوة أولى في خريطة طريق من شأنها إعادة الاعتبار للعمل الوطني الفلسطيني ، باتجاه بناء نظام سياسي واحد وموحد .

ولضمان أن تكون الانتخابات فرصة بالمعنى المراد ، لا بل رافعة وطنية يمكن البناء عليها ، فمن الطبيعي أن تعقد على أساس التمثيل النسبي الكامل، كما اتفق بشأنه مؤخرا، باعتبار هذه الصيغة الوصفة الأفضل للأنظمة السياسية حديثة التكوين أو غير المستقرة، والتي من شأنها تعزيز حالة التوافق وتقوية صمغ الوحدة اللاصق، فضلا عن مواجهة التطبيع وإفشال مشاريع التصفية كافة، بالإضافة إلى ضرورة الاتفاق مسبقا على كل ما من شأنه حماية استمرار الوحدة الوطنية، كي لا تتكرر ذات الأزمة التي عشناها عقب الانتخابات التشريعية عام 2006... ويحضرني هنا ما هالت اليه الأوضاع في الجزائر، اثر خسارة جبهة التحرير الوطني للانتخابات عام 1992، الأمر الذي أخشى من تكراره في الحالة الفلسطينية.

لتبديد كل هذه المخاوف دفعة واحدة ، لا بد من تبيان حقيقة جوهر موقف القوى والأحزاب على الساحة الفلسطينية ، بمعنى هل يتعاطى البعض مع هذه الانتخابات على أنها فرصة لاستعادة الوحدة، لاعتبارها خياراً استراتيجياً لا مجرد خطوة تكتيكية، تهدف الى استفزاز الرباعية العربية وابتزازها، خاصة الجانب المصري منها، فضلاً عن انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على أمل فوز جو بايدن، مما يعني ذهاب ترامب وصفقته المشؤومة، وبالتالي تبدل الأحوال والأولويات اّن ذاك، وهو ليس بالأمر المضمون للبناء عليه استراتيجياً... أم أن البعض الاّخر يتعامل معها على أنها مجرد إستدارة إضطرارية تجاه الداخل الفلسطيني ، في إطار بحثه الحثيث عن الإعتماد الإقليمي والدولي ، في سياق صراعه المتواصل على تمثيل الشعب الفلسطيني... سواءً هذا أو ذاك يظهران خطورة ما تقدم، وبالتالي أهمية تجاوزه، بالاضافة الى ضرورة اتفاق الجميع قبل الذهاب للإنتخابات على الموضوعة السياسية ، والمتمثلة بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وهي صاحبة الولاية والإختصاص الحصري للحديث والتوقيع بإسمه ، على أساس برنامجها السياسي الثوري الواقعي ، والذي يشكل محل إجماع وطني ، فضلا عن الاتفاق على رؤية نضالية طويلة النفس ، قادرة بالأساس على تعزيز الوحدة وعلى تحريك الشعوب العربية واستنزاف الاحتلال الإسرائيلي فضلا عن قدرتها على إعادة تأكيد مكانة القضية الفلسطينية وتصدرها الاهتمام الإقليمي والدولي باعتبارها قضية سياسية بامتياز.