الكاتب: دانييلا قرعان
يرى خبراء أن إقدام إسرائيل في المضي سريعًا بضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية المحتلة سيكون له تأثيرًا كبيرًا وسيقوّض علاقاتها مع القوى الأوروبية والدول العربية، إلا أن التباين في ردود الأفعال الدولية غير واضحة خاصة وإن إسرائيل "العدو الصهيوني" لم يعلن بعد عن الإجراءات التي يُخطط لأتخاذها حيال خطة السلام الأمريكية المقترحة،ومخطط الضم يعتبر جزء أساسي من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط والتي تم الإعلان عنها في أواخر كانون الثاني/ يناير، وتزامنًا مع خطة ترامب حددت الحكومة الإسرائيلية موعدًا لبدء الإجراءات التنفيذية لمخططات الضم للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والتي تعتبر بموجب القانون الدولي غير قانونية بحيث يكون الأول من تموز/يوليو موعد البدء بتنفيذ مخطط الضم،ولم تكتفي الحكومة الإسرائيلية حسب مخطط الضم بضم المستوطنات في الضفة المحتلة بل تنوي أيضًا ضم مناطق غور الأردن الاستراتيجية والتي تمثل ثلث مساحة الضفة الغربية وهي السلة الغذائية للفلسطينيين.
"تأثير مخطط الضم على الدولة الأردنية"
حذرت تقارير إسرائيلية من الأثر الناتج عن تنفيذ مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن على النظام الأردني وذلك في ظل وجود تحديات كبيرة يواجهها نظامنا الأردني وتتمثل بالأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا والتحدي الآخر المتمثل بإقبال الأردن على مرحلة دستورية استحقاق دستوري في ال10 من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
تشير الاستطلاعات أن الأردن دخل في معركة سياسية مع إسرائيل؛بهدف منع تنفيذ هذه الخطوة، ومن الملفت له أن أصول أكثر من نصف مواطني الأردن هم فلسطينيين وأي خطوة ضم إسرائيلية ستؤدي حتمًا إلى موجات عارمة من الاحتجاجات، في المقابل الآخر أظهر جلالة الملك عبدالله العاهل الأردني في هذا الموضوع حكمة تكتيكية في إدارة المعركة في الحلبة الدولية من خلال التنسيق مع السلطة الفلسطينية.
"صفقة القرن وسياسة الضم"
في الحديث عن صفقة القرن التي طرحها الرئيس الأمريكي من أجل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتزامن ذلك مع إعلان رئيس حكومة اسرائيل اليمينية المتطرفة بنيامين نتنياهو ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية في غور الأردن والبحر الميت فإن الأردن والسلطة الفلسطينية هما أكثر المتضررين من الصفقة وقرار الضم؛لأن صفقة القرن لا تمنح الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة والشرعية المتمثلة بحقه بإقامة دولة مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية وتكون الدولة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ويعني ذلك أن تكون هنالك دولة فلسطينية بنسبة 15% من الأراضي الفلسطينية وبذات الوقت تكون الدولة الفلسطينية أو الكيان الفلسطيني الذي سينشأ كيان غير متصل مع بعضه ومتقطع الاوصال وهذا غير مقبول ومرفوض أردنيًا وفلسطينيًا.
وإذا ما أشرنا ايضًا إلى تداعيات صفقة القرن وقرار الضم على الأردن فإننا نشير هنا إلى أن ذلك يعني إلغاء وصاية الأردن تدريجيًا على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية وكذلك زيادة عدد اللاجئين الفلسطينيين الراغبين بالهجرة للأردن بسبب الاضطهاد الإسرائيلي وعمليات التهجير القصرية، والأمر الآخر يتمثل في تمهيد الطريق لتنفيذ مخطط الوطن البديل الذي يعني حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
وعلى ذلك فإن الأردن يجد نفسه في مواجهة حتمية مع إسرائيل لوقف مخططاتها وبتالي الحفاظ على الثوابت الأردنية،فالدبلوماسية الأردنية التي يقودها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تؤكد على أن خيار الدولتين هو الخيار الوحيد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وهذا يعني قيام دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية يعيشان جنبًا إلى جنب بسلام.
جلالة الملك عبدالله وبدبلوماسيته النشطة وحضوره الدولي استطاع إقناع الاتحاد الأوروبي برفض صفقة القرن وقرار نتنياهو بضم الأراضي حيث تبنى الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول رؤية جلالة الملك للحل الشامل في المنطقة،وهذا ما عبرت عنه مسؤولة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية في عشرات المؤتمرات الصحفية ومعها العديد من قادة دول أوروبا والعالم.لكن الأردن وأمام الممارسات الإسرائيلية وعدم التزامها بالعهود والمواثيق الدولية يدرك أن إسرائيل لا يعنيها ذلك فهي ماضيه في سياسة ضم أراضي غور الأردن وشمال البحر الميت لهذا وجّه جلالة الملك عبدالله العاهل الأردني رسالة قوية لإسرائيل وللعالم عندما قال بلغة شديدة اللهجة موجهة لإسرائيل أن من شأن قرار الضم أن يؤدي إلى صدام كبير ومزيد من الفوضى والتطرف في المنطقة اذا ما ضمت إسرائيل أجزاءًا من الضفة الغربية.
كما أن الأردن يعلن بإستمرار وعلى لسان العاهل الأردني وكبار مسؤوليه دعمه الكامل لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة ورفضه لأي مشاريع تسوية للقضية الفلسطينية لا تقوم على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية التي أطلقت في قمة بيروت،ويؤكد الأردن بشقيه الرسمي والشعبي على أن أي مبادرات سلام يجب أن تضمن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني دولة متصلة وقابلة للحياة تكون القدس الشرقية عاصمتها وعلى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وبغير ذلك فأنها ستكون عبثية وعدمية ومن شأنها تأجيج الصراع والعنف في المنطقة، ويؤكد على الثوابت الوطنية العليا للأردن في أي عملية سلام ويرفض المساس بها أو الاعتداء عليها وهي التي أكد عليها جلالة الملك في اللاءات الثلاث " لا للوطن البديل ولا للتوطين وضرورة عودة كافة اللاجئين وتعويضهم والقدس والوصاية الهاشمية خط أحمر" فالأردن يؤكد بإستمرار حماية مصالحه وثوابته وحقوق الشعب الفلسطيني على أن الحفاظ على هذه الثوابت الوطنية وانسجام أي عملية سلام مع المواقف الثابتة للأردن إزاء القضية الفلسطينية هي التي تحكم التعامل مع مختلف المبادرات التي تستهدف حل القضية الفلسطينية وأنه يرفض أي عملية تسوية تتجاوزها على قرارات الشرعية الدولية وتمس الثوابت الأردنية الفلسطينية.
إلى ذلك لم يتوقف الأردن عن تحذير المجتمع الدولي من الإجراءات الأحادية التي تقوم بها إسرائيل وخاصة بناء المستوطنات ومحاولة تغيير الوضع التاريخي لمدينة القدس والعبث بهويتها وتهويدها وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها والذي من شأنه أن يدفع المنطقة نحو المزيد من التصعيد والعنف،كما أن هذه الإجراءات الأحادية تشكل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
الأردن يؤكد أيضًا على أن السلام العادل والدائم الذي يلبّي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق هو خيار استراتيجي بالنسبة له وسيستمر بالعمل مع الأشقاء والأصدقاء في المجتمع الدولي على تحقيقه على الأسس التي تضمن عدالته وديمومته.