الكاتب: الأسير ظافر ريماوي
الجزء الثالث:
لطالما تقرأ النتائج من المقدمات، لا بد من الانتباه إذن إلى ما تشير به المعطيات الحالية، بأن عام 2021 سيكون عام الإنتخابات الفلسطينية على أكثر من صعيد، بالمقابل عند الحديث عن ضرورة إجراء هذه الانتخابات وتوفير متطلبات نجاحها ، بما يحقق ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة بناء النظام السياسي على قاعدة الوحدة والشراكة ، فإن حركة فتح ، وارتباطأ بدورها ومسؤولياتها التاريخية، تتصدر على الفور المشهد بكليته تقريبا.
تناول الموضوع على هذا النحو أمر لا بد منه ، لإظهار مدى الحاجة لإجراء هذه الانتخابات من جهة، ولتبيان أهمية حركة فتح ودورها المفترض في إنجاحها بالمخرجات المأمولة من جهة ثانية، فالرفض الفلسطيني لوحده هذه المرة ، أمام ما يجري من تحولات خطيرة على مستوى المنطقة ، ليس بالأمر الكافي، فالتجارب السابقة والمحطات التاريخية كافة ، تؤكدان قدرة شعبنا وقيادته على رفض كل ما من شأنه الإنتقاص من حقوقه المشروعة، وقد تجلّى ذلك في ثبات الشهيد ياسر عرفات لحظة الحقيقة حينما وقف وجها لوجه في مواجهة الموت وهو يردّد شهيدا ... شهيدا ... شهيدا ، وها هو ذات المشهد يتكرر اليوم ، بلا مدوية ، واثقة وحاسمة يطلقها الرئيس محمود عباس رفضا لمشروع الضم ، صفقة القرن ومؤامرة التطبيع رغم أهوال وفظاعة ما يتعرض له من ضغوطات وتهديدات تكاد تكون غير مسبوقة ، كونها تأتي في ظل اشتراك علني وصريح لبعض الأعراب في هذه المؤامرة ، لذا يجب إلى جانب هذا الرفض تقديم بدیل وطني قادر على الفعل والتأثير والإنجاز ، وأجده هنا مباشرة في تحقيق الوحدة عبر بوابة الانتخابات ، على أرضية تفعيل خيار المقاومة بآليات وطنية جامعة ، وبما أن هذه الإنتخابات هي إحدى أدوات المواجهة لهذا الاحتلال الغاشم ، يجب أن تقوم على أساس إنتهاء المرحلة الانتقالية بالتزاماتها المختلفة.
عود على بدء ، بالنظر للوراء، نجد بأن حركة فتح قد أسهمت وبشكل كبير ، في تأصيل النهج الديمقراطي وترسيخ دعائمه ، سواء على الصعيد التنظيمي أو الوطني، فهي تكاد تكون وبالتجربة ، حركة التحرر الأولى التي لم تستكمل مشروعها التحرري بعد ، مع هذا أصرت عام 2006 على إجراء الإنتخابات العامة في ظل ظروف داخلية ( تنظيميا ووطنيا ) غاية في الصعوبة والتعقيد والإرباك ، إلى الحد الذي كان يشي آنذاك بالخسارة شبه المؤكدة، مع هذا انحازت فتح للخيار الديمقراطي ، بدلا مما هو مألوف لدى حركات التحرر عموما ، أي ممارسة عمليات الإبادة وسياسات الإقصاء بحق الأخر المختلف من خصومها السياسيين.
على ضوء هذا الفهم ، أجد حركة فتح مطالبة بالنظر لهذه الانتخابات كفرصة مضاعفة ، الأولى لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وصولا إلى شراكة سياسية كاملة ... والثانية لإعادة بناء فتح وإعادة الاعتبار لها ، خاصة بشأن جدارتها وأهليتها وشرعيتها لقيادة شعبنا ومشروعه الوطني ، كونها الأقدر برأيي المتواضع والأكثر حفاظا وتمسكا بثوابته الوطنية وحقوقه المشروعة ، من خلال قدرتها الفائقة على الجمع بأن الواقعية السياسية والمبدئية ، التي أبقتها داخل الملعب السياسي، ففي حال لم يتم التوافق على خوض هذه الإنتخابات بقائمة إنتخابية واحدة تمثل الكل الفلسطيني كما أشرنا سابقا ، فلتكن فرصة أيضا ، وهي كذلك في كل الأحوال ، لترتيب البيت الفتحاوي على أسس سليمة ، أي بتبني آليات عمل تنظيمي صحيحة من شأنها توحيد الحركة خلف قائمة إنتخابية واحدة - وخطاب موحد ، خاصة في ظل ما يشاع عن إحتمالية تعدد قوائم الحركة المرشحة في حال تم إجراء هذه الإنتخابات ، فضلا عن ضرورة الإنصات الجيد لهمسة عتاب الجماهير المرتفعة ، وبالتالي إظهار القدرة التنظيمية المطلوبة لتجاوز أخطاء الماضي.
تبديد هذه المخاوف وتحاشي الوقوع فيها ما أمكن ، يكون بالترجمة العملية لكل ما تقدم ، من خلال إعداد قائمة إنتخابية تشبه حركة فتح ، كحركة تحرر تقود المشروع الوطني الفلسطيني ، تعبر عن شعبنا وتمثل قطاعاته وشرائحه كافة ، أي قائمة إنتخابية حاملة لشخوصها ، قادرة على جذب الناخب الفلسطيني بقوة ، بحيث تعبر عن أوسع تحالف مجتمعي، بمعنی، ممنوع إقتصارها على الحالات التنظيمية فقط ، والتي تكاد تكون هي ذاتها في كل مناسبة ، لذا يجب أن تخلو من أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة ، أعضاء التشريعي والوزراء الحاليين ، على أن تضم بالمقابل المهنيين ، رأس المالي الوطني ، الأكاديميين ، العشائر ، الطوائف ، المرأة ، الشباب ، الأسرى والأسرى المحررين ، عوائل الشهداء ... الخ بحيث تغطي كامل الجغرافيا الفلسطينية في الضفة والقطاع وفي القلب منها القدس العاصمة .
يبقى أن نشير إلى أن هذا المشهد الوحدوي ، ببوابته الديمقراطية ، وقاعدته الوطنية ، ونقطة إرتكازه الكفاحية واستعداده الفتحاوي الجيد ، إن حصل على هذا النحو المراد ، يكون قد تم تصميمه وإخراجه بإرادة فلسطينية خالصة، الأمر الذي من شأنه إحالة الإنتخابات إلى فرصة قادرة على تحقيق الوحدة الوطنية، ومن ثم إحياء أمل الجماهير بالمستقبل ، وبالتالي تعظيم إستعدادها الكفاحي للفعل والعطاء والتضحية ، على قاعدة إستعادة ثقتها بالمستويات القيادية وتوجهاتها المختلفة ، وتحقيق ذلك بإعتقادي ، مرهون إلى حد كبير ، بسلوك قيمي وأخلاقي لهذه القيادات ، ومقدرتها على ترجمة الأقوال إلى أفعال ، فضلا عن تصدرها حالة الفعل والاشتباك مع هذا الإحتلال على الأرض.