الكاتب: عصام بكر
تحت ذريعة فيروس كورونا يتم بشكل صامت، واحيانا علني اتخاذ المزيد من الخطوات التي يهدف الاحتلال من خلالها لتكريس سياسة الامر الواقع فحالة الطواريء التي تعيشها البلاد منذ مطلع العام الجاري بفعل انتشار الفيروس تتطلب اتخاذ اجراءات وقائية تشمل عزل مناطق، ومنع الحركة، والتنقل، واحيانا الاغلاق التام، وهي اجراءات متبعة ايضا في عدد كبير من دول العالم ارتباطا بالحالة الوبائية، وما تحتمه من اجراءات السلامة العامة .
غير ان الوضع في فلسطين يختلف بحكم خصوصية الواقع تحت الاحتلال فبالاضافة للاجراءات التي يتم تطبيقها في العديد من الدول هناك عندنا سياسات اخرى ترمي لتكريس هيمنة الاحتلال من بينها استعار حمى البناء الاستيطاني، وتكثيف حملات الاحتلال، وفرض الاغلاقات التي هدفها احكام السيطرة عبر الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية، ومحيط وداخل مدينة القدس التي تتعرض لحالة خنق شاملة في كافة مناحي الحياة ناهيك عن الحملات الممنهجة في السجون، وعدم اتخاذ التدابير الوقائية لحماية الاسرى، وهو ما يكذب بشكل واضح، ويدحض مزاعم احترام القرارات الدولية حيث تم تسجيل اصابة العشرات من الاسرى بفيروس كورونا دون ان يتم تقديم العلاج اللازم لهم، ومراعاة المواثيق الدولية التي تحمي حقوقهم، وتلزم الدولة القائمة بالاحتلال باتباعها وقت الازمات والكوارث .
الملفت في هذه القرارات اعلان جيش الاحتلال مؤخرا استبدال ما يسمى وحدة (حرس الحدود) التي تعمل على الحواجز (المشهود) لمن يعمل فيها بسلوكهم العدواني الوحشي المطبوع في اذهان الفلسطينيين ضمن تقاسم للادوار مع وحدات جيش الاحتلال، والاذرع المختلفة في المؤسسة الامنية، وتستذكر اعداد كبيرة، ويترسخ داخلها مسلسل بشع، وتاريخ طويل من الاعمال غير الانسانية التي يقوم بها حرس الحدود خصوصا على الحواجز، والسادية في التعامل مع الناس، والمس بكرامتهم، ووجبات الضرب المبرح التي تأتي في اطار السلوك الطبيعي "المعتاد" عبر تعاملها اليومي باعتبار المواطنين الفلسطينين ليسوا من البشر وصولا لسرقة اموال، ومصاغ، وممتلكات اخرى دون ادنى قيود او اخلاق، ورغم تقديم عدد كبير من المواطنين شكاوى الا انها كانت تذهب ادراج الرياح دون اي متابعة في معظم الحالات .
القرار بتغيير هذه الوحدة من (حرس الحدود) الذي يبدأ العمل به خلال الايام القادمة بالتاكيد ليس لصالح تخفيف ما يقوم به الجنود بحق الشعب الفلسطيني يوميا، وهو ايضا لا ياتي في اطار "صحوة ضمير" انتابت مناطق صنع القرار في جيش الاحتلال بل يتعدى ذلك لخدمة اهداف سياسية مبيتة ينص عليها برنامج حزب الليكود صراحة ويتزعم الائتلاف الحكومي في اسرائيل الذي يعتبر الضفة الغربية (يهودا والسامرة) وتقع في قلب المشروع الاستيطاني امتدادا لاراضي (دولة اسرائيل) حيث لا فرق بين ارئييل، وتل ابيب بالمعنى الايديولوجي لحزب الليكود .
ومن المعروف ان حرس الحدود الذي تاسس العام 1949 ومن اسمه هو الجهاز الذي يرابط بالاساس على المناطق (الحدودية) وكان حتى هذا القرار قبل ايام له دور ضمن مهامته الاخرى في العمل على الحدود باعتباره احد اذرع ما يسمى جهاز الشرطة، وعدد كبير فيه هم من العرب او الدروز لكن بالعودة لقرار الاستبدال فان المقصود منها برأيي بعد استكمال مشروع الضم الذي شارف على الانتهاء على ارض الواقع، وعزل القدس في مراحله الاخيرة وبعد (انجاز) مشروع المعازل بين المحافظات لم يعد بنظر القائمين على الجهاز اهمية لتواجد حرس الحدود على هذه الحواجز في حين تصبح المسؤولية المباشرة( للجيش) في عملية تبادل للادوار، وعملية تمرين طويل الامد لقياس مدى سيطرة، واحكام السيطرة على الاراضي الفلسطينية وسط مخاوف اندلاع انتفاضة فلسطينية، وتدهور الاوضاع على ضوء المتغيرات، والتطورات الجارية ومن ضمنها ارتفاع عدد المناورات العسكرية التي يجريها الاحتلال، واخلاء بعض القرى كما يجري في الاغوار، وعمليات الاقتحام اليومي، والاعتقالات الواسعة في صفوف المواطنين، واحكام السيطرة يترافق مع اطلاق يد المستوطنين باعتبارهم الذراع الضارب للاحتلال في الضفة الغربية الذي توكل اليه مهمات ترويع السكان، ومهاجمة القرى والبلدات، وسرقة الاراضي المتواصلة .
ما يقوم به الاحتلال من استبدال ما يسمى حرس الحدود، وان بدا في ظاهر الامر انه مرتبط بمهمات السيطرة على كورونا، ويمكن ان تمر المسالة دون التفات احد الا انه فعلا يقع ضمن سيناريوهات اخرى معدة سابقا لاغراض سياسية، وامنية تخدم في النهاية مشروع الاستيطان الاستعماري للاحتلال، وخطواته العنصرية التي من بينها جدار الفصل العنصري احد ركائز المشروع، وثبت انه لم يبنى لاغراض امنية، وانما خدمة لاهداف سياسية بحته .
وبرأيي ان قضية استبدال حرس الحدود بمدلولاتها السياسية بعيدة المدى ان تفضح مزاعم الاحتلال، وان لا تمر هذه الخطوة مرور الكرام، وقد يسأل سائل ما الذي سيتغير على ارض الواقع؟؟ لان تغيير الزي او الجندي لا يغير السياسية المتبعة!! وهذا صحيح تماما لكن التغيير الفعلي هو في المضمون الذي يكرس واقع الحال على ارض الواقع، ولا تعني ان حرس الحدود لن يكون متواجدا في الضفة الغربية او التعقيدات اليومية لحياة الناس ستنتهي بل على العكس هذا سيكون ضمن جزء من تطبيق "السيادة " الاسرائيلية فعليا، وتمزيق ما تبقى من وحدة الارض الفلسطينية عبر حواجز، وبوابات دائمة، وحواجز "طيارة "هدفها تحويل حياة المواطن لعذاب اكثر قسوة من الموجود حاليا، واغلاق، ومنع التواصل بين المدن والقرى في اي لحظة تتطلبها تطورات الوضع الميداني بحسب تقديرات المستوى الامني والسياسي.